القامشلي: على الرغم من تضارب المواقف في تركيا بين التحالف الحاكم الذي يضم بشكلٍ أساسي حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية اليميني المتطرّف، وتحالفات الأحزاب المعارضة، فيما يتعلّق بمسألة بقاء اللاجئين السوريين على الأراضي التركية أو ترحيلهم طوعاً، إلا أن أولئك اللاجئين يعانون من مشاكل أخرى أبرزها تسجيل الولادات في عموم المدن التركية التي يولد فيها أطفال من أبوين سوريين،
فكيف يتم ذلك؟ وما هي عوائق التسجيل؟ وهل تحوّل هذا الأمر أيضاً إلى موضع جدل بين التحالف الحاكم ومعارضيه؟
تمنح المستشفيات التركية الخاصة والعامّة شهادات ميلاد، لذوي كل طفل يولد لديها، وتكون كامل معلومات الطفل مدوّنة فيها من اسمه واسم عائلته وتاريخ ولادته والدولة التي ينحدر منها والداه، ليقوم أحد الوالدين لاحقاً بتوثيق شهادة الميلاد تلك لدى دائرة النفوس التي تعرف باللغة التركية بـ Nüfus Müdürlüğü، ليتمكن لاحقاً من إصدار جواز سفرٍ للمولود، بحسب ما ذكر لـ«المجلة» أكثر من مصدر في مستشفياتٍ تركية.
ولا تكمن المشكلة في الحصول على شهادة ميلاد للطفل، لكن توثيقها لاحقاً لدى دوائر النفوس المتعددة في الأماكن التي يتواجد فيها السوريون داخل الأراضي التركية، هي العقبة الأبرز، إذ لا يمكن توثيق تلك الشهادة إذا ما كانت الأم لم تتجاوز بعد السنّ القانونية، وفي هذه الحالة لا يمكن إصدار جواز سفر للمولود إذا كان بحوزة والديه جوازات سفرٍ سورية سارية المفعول لأن القانون التركي لا يعترف بالزواج دون بلوغ الثامنة عشرة لدى كلا الطرفين.
ما الذي يحصل عند عدم توثيق شهادة الميلاد؟
تواصلت «المجلة» مع عدّة عائلاتٍ سورية تعيش في تركيا لم تتمكن من توثيق عدّة ولادات لديها على خلفية عدم بلوغ أمهاتهم السّن القانونية، وهو ما أدى إلى عدم تسجيل ولادات أطفالهم في دوائر النفوس. وأجمعت تلك العائلات على أن اللقاحات الطبية الضرورية للأطفال الرضع كانت مشكلة بالنسبة إليهم، فأطفالهم لم يتمكنوا من الحصول عليها.
وقال والد طفلٍ رضيع إنه تمكّن من تأمين لقاحاتٍ طبية لطفله بمساعدة طبيبٍ سوري يعمل في مركزٍ طبي خاص ولم يتمّ ذلك مجّاناً، على حدّ تعبّيره، لافتاً إلى أن مشكلة عدم توثيق شهادة ميلاده قد تستمر وتكون سبباً في منع طفله من الالتحاق بدور الحضانة أو المدرسة في السنوات المقبلة.
وتابع: «عند التحاق أي طفل سوري لاجئ في تركيا بدور الحضانة أو المدارس يجب أن يكون لديه شهادة ميلاد موثّقة وأن يحظى بإقامة مؤقتة تعرف بـ(الكيملك)، لكن عند عدم توافرها لا يمكن أن يحظى الطفل بحق التعليم».
ومع أن هذه المشكلة قد يتمّ حلها عند تجاوز الأم السن القانونية، لكن غالباً يتزامن ذلك مع بلوغ الطفل مرحلة التعليم الابتدائي لا سيما وأن زواج القاصرات ارتفع بنسبةٍ كبيرة في صفوف اللاجئين السوريين، وأغلبهن يتزوجّن عندما تتراوح أعمارهن ما بين 14 و15 سنة.
وقال لاجئ سوري آخر تمكّن أخيراً من تسجيل طفله في المدرسة مع بداية العام الدراسي 2022- 2023 إن «زوجتي بلغت السن القانونية قبل أشهر وتمكننا أخيراً من توثيق الزواج وشهادة ميلاد ابنتنا البالغة 5 سنوات، لكنها اليوم تعاني من صعوبات في التعليم باللغة التركية لأنها لم تتمكن من دخول دور الحضانة».
وشدد اللاجئ السوري لـ«المجلة» على أن «عدم الإنجاب قبل بلوغ الأم والزوج السن القانونية، كي لا يؤثر ذلك على مستقبل التعليم للأطفال».
وقد تكون مسألة توثيق الزواج ومن ثم شهادات ميلاد الأطفال بعد بلوغ الوالدين السن القانوني، مشكلة غير معقدة مقارنة بالأطفال فاقدي القيد الذين لا يتمتعون بأي شهادة ميلاد والذين وُلدوا في مناطق ريفية بتركيا دون أن تلجأ أمهاتهم إلى الأطباء والمستشفيات.
وحتى الآن لا توجد إحصاءات رسمية لعدد الأطفال السوريين فاقدي القيد داخل تركيا، لكن الأطفال الذين وُلِدوا من أبوين سوريين يواجهون أيضاً مشكلة انعدام الجنسية إذا لم يتمكن أولياء أمورهم من تسجيل ولاداتهم في سوريا وهو أمر يواجه صعوباتٍ كثيرة أبرزها عدم توفر أقرباء لهم في مناطق سيطرة النظام السوري لتسجيلهم في سوريا، أو عدم تمكنهم من دفع الرسوم المالية التي تطلبها السفارات والقنصليات السورية في الخارج لاسيما غرامات تأخير تسجيل حالات الولادة. وهو ما يساهم في جعل أولئك الأطفال من معدومي الجنسية.
تحذير من تغيير ديموغرافي وشيك
ولم يتسنّ لـ«المجلة»، الحصول على تعليق من نوابٍ في البرلمان التركي عن الحزب الحاكم حول هذه المشكلة، خاصة وأن الأخير يعمل على «إعادة السوريين طوعاً إلى بلدهم»، بالتنسيق مع هيئاتٍ دولية تعنى باللاجئين عبر خطةٍ لم تتضح ملامحها بعد.
ورغم أن اللاجئين السوريين يواجهون مثل هذه المشاكل عند الإنجاب، لكن أكبر حزبٍ معارضٍ في تركيا وهو حزب الشعب الجمهوري يرى في الولادات السورية داخل الأراضي التركية ما يمكن وصفه بـ«تغيير ديموغرافي» في بعض المناطق ونتيجة ذلك قدّم مقترحاً للبرلمان الأسبوع الماضي.
ورفض البرلمان التركي قبل أيام مقترحاً برلمانياً تقدّم به حزب المعارضة الرئيسي الذي طالب من خلاله بالتحكم في تعداد السوريين وتوزيعهم في ولايات البلاد وأبرزها ولاية هاتاي التي تعرف في العربية بـ«أنطاكيا»، حيث تضم أكبر تجمّع للاجئين السوريين، إذ تقع في المرتبة الثالثة من بين أكثر المدن التي يقطنها لاجئون سوريون.
وكشف مصدر من حزب الشعب الجمهوري لـ«المجلة» أن «المقترح كان يهدف لتنظيم أعداد السوريين في عموم الولايات التركية، بحيث لا يجب أن تتجاوز نسبتهم في كل ولايةٍ أكثر من نسبة المواطنين الأتراك، لكن التحالف الحاكم صوّت بالأغلبية ضد مشروع هذا القرار».
وعلاوة على ما يمكن وصفه بالتغيير الديموغرافي الذي يتّهم حزب المعارضة الرئيسي السوريين بإحداثه في بعض ولايات البلاد، أكد الحزب نفسه أن ولاية أنطاكيا تعاني من مشاكل اقتصادية جراء التعداد الكبير للاجئين فيها لاسيما وأن نحو نصف مليون سوريّ يعيش في هذه المدينة بحسب احصاءاتٍ رسمية تركية، لكن المعارضة تقول إن تعدادهم يصل إلى قرابة 800 ألف.
وشددت سوزان شاهين النائبة في البرلمان التركي عن حزب الشعب الجمهوري في ولاية هاتاي على أن «سكان المدينة يواجهون الفقر وأن اللاجئين السوريين هم إحدى المشاكل الرئيسية بالنسبة إليهم». كما قارنت بين أعدادهم وأعداد المواطنين الأتراك الذين ينحدرون من ولاية هاتاي.
وتابعت في مداخلةٍ برلمانية أن «عدد سكان هاتاي يبلغ مليونا و670 ألف نسمة، ما يعني أن نصف السكان هم من غير الأتراك»، لافتةً إلى أن «75 في المائة من الولادات هي للنساء السوريات اللاجئات في المدينة».
وأردفت بالقول إن «العائلات السورية تتكاثر بشكل كبير، إذ لدى بعضهم ستة أطفال وُلِدوا خلال ستة أعوام».
كذلك زعمت النائبة عن الحزب المعارض أن الحركة الاقتصادية في الولاية من حيث الصادرات والواردات وتجارة الذهب لا تتم إلا من خلال التجّار السوريين الذين يزدادون ثراء يوماً بعد يوم، بينما سكان هاتاي من المواطنين الأتراك يزدادون فقراً، على حدّ وصفها.
كما عارضت النائبة منح أعدادٍ كبيرة من السوريين الذين يعيشون في هاتاي الجنسية التركية. وقالت أيضاً إن «هناك مشكلة أخرى تشكل خطراً على ولاية هاتاي تتمثل في زيادة عدد الناخبين السوريين المجنسين الذين وصل عددهم اليوم إلى 18 ألفاً مقارنة بـ13 ألفاً قبل آخر عامين».
ولم تكتفِ شاهين بالتطرّق للاجئين السوريين في أنطاكيا، وإنما عارضت أيضاً وجودهم في بلدة الريحانية التي تقع في ضواحيها.
وشددت على أن «عدد السكان الأصليين في الريحانية بلغ حوالي 98 ألفاً، لكن وفقاً للسجلات الرسمية فإن 129 ألف لاجئ سوري يعيشون فيها، أي أكثر من عدد السكان الأتراك»، محذّرة من أنهم «من المحتمل أن يصبحوا في المستقبل رؤساء بلديات أو نوّابا في البرلمان».
وكان رئيس بلدية هاتاي الكبرى لوتفو سافاش، قد حذّر مطلع شهر مارس (آذار) الماضي، من أن غالبية سكان الولاية بعد 12 عاماً ستكون من السوريين رافضاً منح اللاجئين منهم الجنسية التركية واصفاً الأمر بـ«الخطأ الكبير».
وأضاف أن «الزيادة في عدد السوريين أوصلت مستقبل هاتاي إلى نقاط حرجة»، لافتاً إلى أن «ثلاثة من بين كل أربعة أطفال حديثي الولادة في هاتاي هم من السوريين»، داعياً السلطات إلى اتخاذ إجراءاتٍ في هذا الصدد لم يكشف عن ماهيتها.
ونوّه إلى أنه «إذا لم يتمّ اتخاذ أي إجراءات في هذا الشأن، فسيتم تسليم رئاسة بلدية هاتاي بعد 12 عاماً إلى سوري، لأنّ غالبية السكّان حينها سيكونون من أصلٍ سوري سيما وأن عددهم اليوم يبلغ 800 ألفٍ في الولاية من بين مليون و670 ألفاً يعيشون في هاتاي»، مشككاً في صحة الأرقام التي تُقدّر أعداد السوريين في هاتاي بنحو نصف مليون لاجئ.
مطالب بترحيل اللاجئين
وخلال عام 2022 الجاري و2021 الماضي، شهدت تجمعات السوريين في تركيا أعمال شغب. وتلتها حملات تحريضية طالبت بترحيلهم من قبل أحزابٍ وشخصياتٍ سياسية تركية من مختلف أحزاب البلاد باستثناء حزبي الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والحزب الحاكم الذي تحدّث بعض قادته عن «عودةٍ طوعية» للسوريين إلى بلدهم.
ويقدر تعداد اللاجئين السوريين في تركيا بأكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص. وجلّهم فرّ إلى تركيا بعد الحرب التي شهدتها بلادهم منذ أكثر من عقدٍ من الزمن والتي تلت احتجاجات شعبية طالبت برحيل رئيس النظام بشار الأسد.
ونهاية الأسبوع الحالي، حذّر المرشح الرئاسي السابق محرم إينجه الذي استقال العام الماضي من حزب المعارضة الرئيسي، من استمرار وجود اللاجئين السوريين في تركيا.
وقال إينجه خلال افتتاح مقرّ لحزبه الجديد إن «زيارة السوريين استغرقت وقتاً طويلاً، ولن يكون هناك مثل هؤلاء الضيوف في تركيا إذا ما وصلت إلى رئاستها»، مضيفاً: «سنرسل السوريين لبلادهم حينها وسأقيم علاقاتٍ مع الأسد وسأعين سفيراً في دمشق»، وذلك في موقفٍ يتطابق مع حزبه السابق حيال وجود اللاجئين السوريين، فقد سبق لحزب الشعب الجمهوري وأن أعلن رغبته في ترحيل السوريين إذا ما وصل إلى السلطة بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع عقدها العام المقبل.