القاهرة: القمة الرباعية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية تعد محطة هامة للتنسيق وتفعيل التعاون المشترك بين مصر والأردن والإمارات والعراق، والنظر فيما تحققه من نتائج قياساً على عمق العلاقات التاريخية الراسخة بين الدول الشقيقة، حيث تؤكد أهمية تعزيز التعاون العربي سواء لتحقيق المصالح المتبادلة أو للتعامل مع مختلف التحديات والقضايا انطلاقاً من التكاتف الأخوي البناء والواجب.
وأشارت القمة إلى أهمية تحصين الأمة وسلامة دولها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها، وبناء علاقات تقوم على التعاون والتكاتف والاحترام المتبادل سواء بين مكوناتها أو مع مختلف دول العالم، حيث إن العالم يمر بظروف غاية في الأهمية والدقة والخطورة على الأصعدة كافة والتي يمكن أن تكون لها تداعيات مختلفة وأن المنطقة العربية عانت في عدد من دولها أوضاعا صعبة بفعل الكثير من الأحداث التي عاشتها، وأن التنسيق والتعاون العربي القائم على حرص أخوي مشترك يشكل ضمانة لتجنب أي هزات إضافية ناتجة عن الوضع القائم على الساحة العالمية.
من جانبه قال السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية المصري سابقا: في اعتقادي أن دولة الإمارات منتشرة دبلوماسيا خلال العامين الماضيين ومن الواضح أنها تريد الانفتاح على كافة القوى في المنطقة سواء كانت عربية أو إقليمية، لنراها تتحرك مع تركيا ثم تتحرك مع إسرائيل. ولذلك فإن اجتماع العقبة من الممكن أن نطلق عليه قمة 3+1 ويعني ذلك أن كلا من مصر والأردن والعراق يمثلون آليات التعاون الثلاثي فيما بينهم والإمارات تمثل الواحد وهي شاركت في قمة العقبة في إطار حرصها على الانتشار الدبلوماسي وعلى القيام بدور في تعزيز العمل العربي المشترك أو صيانة الأمن القومي العربي ووجود الإمارات في هذه القمة أيضا لتقوم بتمويل المشروعات التي ستتم في الدول الثلاث والمخطط لها في إطار التعاون الثلاثي المصري العراقي الأردني، وهذا مجال جديد أمام الاستثمارات الإماراتية سواء في المياه أو في الطاقة المتجددة أو النقل والمواصلات والتشييد والبناء والإعمار بالإضافة إلى التقليل من الآثار الضارة للحرب الروسية الأوكرانية.
وقال هريدي إن الآثار المترتبة على هذه الحرب وهي ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار القمح والذي يمس الأمن الغذائي والسياحة التي كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا والتي تعتمد ميزانية مصر والعراق والأردن على نسبة كبيرة من الدخل عليها، وأن نتائج هذا التحالف العربي ثماره ستأتي على المدى البعيد ومن وجهة نظري أن مصر والعراق والأردن يمثلون قوى كبيرة من الناحية السياسية ومن الناحية الأمنية وتوثيق العلاقات بهم من جانب دولة الإمارات يضيف إليها وهنا في هذا التحالف الفوائد مشتركة بين الرباعي في المصالح المتبادلة، ومن الممكن أن ينتج عنها تحالف يطلق عليه كما ذكرنا سالفا 3+1.
تنسيق لم يصل إلى مرحلة التحالف
اعتبر نبيل نجم الدين الخبير في العلاقات الدولية أن المنطقة العربية التي هي جزء من العالم تقف عند مفترق طرق في غاية الأهمية وغاية الخطورة وما يجري من الحرب بين روسيا وأوكرانيا دفع بالعالم إلي مفترق طرق حاد لذلك الإدارة السياسية في القاهرة تدرك هذه اللحظة ومدى أهميتها وخطورتها وتعمل من منطلق الاستقرار والأمن القومي المصري العربي وهذه القمة التي عقدت في العقبة هي جزء من رؤية مصرية شاملة تعمل على ملاحقة التطورات السريعة في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية فهناك ما يسمى الشام الجديد وهو التنسيق بين القاهرة وعمان وبغداد وهذا التنسيق بدأ قبل هذه الحرب ومن منظور أن القاهرة ترى أن العالم في حالة من السيولة السياسية وبناء عليه فهذه المنطقة العربية إن لم ترفع مستوى التنسيق بين عواصمها فإنها ستفتقد الكثير أو ستدفع فواتير كثيرة، وقمة العقبة هي جزء من هذا التصدي الاستراتيجي من القاهرة والقيادة السياسية فيها وتعمل على التنسيق مع كل الجهات سواء العربية أو الأفريقية أو الدولية وهذا هو التفسير لهذه القمة.
وأكد نجم الدين على أن من يربط بين قمة العقبة واجتماع النقب الذي تم مؤخرا هو شذوذ عن القاعدة السياسية ومن خلال تخصصي في العلاقات الدولية أؤكد على ضرورة عدم الربط بين هذا وذاك بسبب أن ما تم في اجتماع النقب هو اجتماع وزاري لا أستطيع أن أقلل من أهميته ولا أجندته ولا تداعياته والذي يختلف اختلافا كليا وجزئيا عن اجتماع العقبة، فاجتماع النقب هو محاولة للقيام بدور الوسيط بين الولايات المتحدة الأميركية من جانب ودول الخليج من جانب آخر، ولأن تل أبيب تريد تقديم طرح لدول الخليج مفاده أخذ موقف مع الإدارة الأميركية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا وهنا يجب الإشارة إلي أن الأجندة مختلفة تماما عن جدول أعمال قمة العقبة لذلك لا يجب الربط تماما بينهما، ومما لا شك فيه أن التنسيق بين القاهرة والمملكة العربية السعودية يجري على قدم وساق حيث يمثلان جناحي طائر العروبة والإسلام، وكلما كان هناك تنسيق بينهما سيحلق هذا الطائر عاليا وفي اعتقادي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي حريص على التنسيق التام والمستمر والمتواصل مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وانطلاقا من قناعتي بأنه لا خير في هذه المنطقة دون التنسيق الكامل بين القاهرة والرياض، وعليه فإن هناك تنسيقا كاملا بين الدولتين دبلوماسيا وعربيا وأفريقيا.
تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية
ومن جانبه قال الدكتور جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية إن مسألة التحالف صعبة جدا بين أطراف قمة العقبة لكن من الضروري أن نؤكد أن هناك تحركات كثيرة داخل المنطقة العربية بين عدد من الدول والتي بينها مصالح مشتركة وأيضا بينها تصورات مشتركة للعمل على تعزيز هذه العلاقات في إطار جامعة الدول العربية. لذلك تبحث بعض الدول عن أطر مشتركة ومتعددة لذلك رأينا قمة العقبة وغيرها من الاجتماعات التي تمت خلال الفترة السابقة، وهذه التحركات متنوعة ما بين دول مصالحها متقاربة.
واعتبر عبد الجواد أنه من الممكن أن نطلق على هذه القمة مرحلة استكشاف أطر جماعية لخدمة الدول العربية حيث شهدنا الاجتماع الوزاري الذي تم بعد قمة العقبة في إسرائيل وهذا الأمر مرتبط أيضا بهذه القمة حيث إن هناك دولا موجودة في مسارات وغير موجودة في مسارات أخرى وتعدد المسارات يضمن أن الدول المعنية لا تنعزل عن بعض في مسارات تتفق مع رويتها ومن ثم شاهدنا عدم حضور بعض الدول في الاجتماع الوزاري الذي تم في النقب لكنه موجود في سياق آخر وتنسيق أخر وهذا يحقق عدم سوء الفهم في قضايا بعينها في ظل أن جامعة الدول العربية نادرا ما كانت في علاقات سياسية أو تعاون مشترك بين الدول العربية لكنها كانت منصة لإصدار البيانات والإعلانات المشتركة والحد الأدنى المشترك بين الدول العربية وهي ليست مكان تطوير السياسات الفعالة الجماعية.
أما الدكتور أحمد ماهر الخبير في شؤون السياسة الدولية فقد أكد على أن ما تم في اجتماع العقبة هو تحالف جديد يهدف إلى الحد من الخطر الإيراني في المنطقة العربية وخصوصا منطقة الخليج والبحر الأحمر عن طريق منظومة دفاعية مشتركة لمواجهة ما يحدث في المنطقة بعدما تم ضرب كردستان العراق بالصواريخ وتم إطلاق صواريخ على جدة وكذلك تعرض بعض حقول البترول للضرب مثلما حدث لشركة أرامكو بالإضافة إلي التهديدات في البحر الأحمر مما دفع مصر للدفاع عن الممر المائي قناة السويس، حيث أصبحت إيران فاعلا أساسيا فيما يحدث عن طريق أذرعها المنتشرة، لذلك لا بد من عمل منظومة أمن مشتركة في هذا الصدد، ورغم عدم مشاركة المملكة العربية السعودية في القمة، إلا أن تواجدها استخباراتي مع هذه المنظومة الدفاعية وهناك نقطة مهمة يجب الإشارة إليها وهي كميات الأسلحة المتطورة التي تملكها جماعة الحوثي، من أين تأتي؟! الإجابة على ذلك هي إيران التي تدعم هذه الميليشيات حيث تساعد إيران الحوثيين في اليمن.
واعتبر محمد حامد الخبير في السياسة الدولية أن قمة العقبة هي محاولة للتنسيق في ظل الأزمات التي يشهدها العالم وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على إقليم الشرق الأوسط وإذا نظرنا في الدول المشاركة في هذه القمة وهي مصر والأردن والعراق فبينهم تنسيق خلال الفترة السابقة من خلال ما يطلق عليه الشام الجديد والمشروعات المتمثلة في الربط الكهربائي والأمني، ويمثل حضور الإمارات في هذه القمة دعما للتحالف الرباعي بهدف حماية الأمن القومي العربي ومواجهة آثار هذه الحرب على الدول الثلاث والذين يمثلون أكبر مستورد للقمح من روسيا وأوكرانيا لذلك تعتبر هذه القمة في إطار التنسيق العربي العربي وخلق نوع من التكامل في الرؤيا في ظل الأزمات التي تمر بها المنطقة..
وأكد حامد على أن هذا التحالف سيأتي بمزيد من التعاون العربي في شتى المجالات اقتصاديا وسياسيا في ظل دعم دولة الإمارات ومساندة المملكة العربية السعودية وهذا يؤكد على أن الدول العربية تشعر بعضها ببعض خصوصا في الجوانب الاقتصادية مع الوضع في الاعتبار بعض الإصلاحات الاقتصادية في الثلاث دول (مصر والأردن والعراق)، حيث اتخذت مصر على سبيل المثال بعض القرارات الاقتصادية التي أثرت على المواطن لنجد أن الدول العربية تقدم المساندة للقاهرة من خلال القروض والودائع كل هذا يصب في دعم استقرار الدولة المصرية التي مرت خلال العشر سنوات الماضية بعدد من الأزمات لذلك تعتبر قمة العقبة اجتماعا للتشاور في تكوين تكتل عربي لمواجهة الأزمات التي تشهدها المنطقة.