بغداد: لا يزال الاقتصاد العراقي يعاني من الفقر والبطالة والافتقار إلى خطة واضحة، فهذا الاقتصاد يعتمد على النفط بشكل رئيسي إذ تبلغ الإيرادات النفطية نسبة 96 في المائة من الموازنة الاتحادية، والنفط كما هو معروف يرتبط بسوق عالمية تتقلب فيها الأسعار على نحو دائم، وبالتالي فإن انخفاض أسعاره يؤدي إلى وقوع العراق في مشكلة مالية كبيرة. وللاطلاع أكثر حول المشاكل التي تواجه نُمو الاقتصاد العراقي، أجرت «المجلة» لقاء مع الخبير الاقتصادي صالح الهماشي.
* ما المُشكلة التي تحول دون تطور نمو الاقتصاد العراقي؟
- المشكلة أن العراق لا يملك اقتصادا وإنما مالية فقط، فالعراق يعتمد على إيرادات تصدير النفط، بحيث تدخل إيرادات النفط لتعود وتخرج كأموال ومن ثم تتحول إلى سلع وخدمات. في حين أن الاقتصاد هو مجموعة نشاطات وقطاعات عاملة تتكون من عوامل إنتاج رأسمال والأرض والمواد البشرية وتتفاعل فيما بينها.
ويعود غياب الاقتصاد عن العراق إلى عدّة أسباب، وأهمها فقدان الهوية الاقتصادية الواضحة، فبحسب الدستور يعمل العراق وفق اقتصاد السوق، في حين أن القوانين الموجودة هي قوانين اشتراكية موروثة منذ ستينات القرن الماضي. فالقطاع الخاص بات تابعا للقطاع العام، ولذلك فإن المنشآت الكبيرة مملوكة للدولة في حين أن القطاع الخاص يمتلك ورشا صغيرة تتوقف أو تعمل وفق توقف أو عمل القطاع العام.
من ناحية ثانية، هناك مُشكلة في القوانين الداعمة للاقتصاد، فقانون التأمين قديم جداً، وقانون الضمان الاجتماعي لا يتماشى مع الوضع الجديد، وكذلك قانون العمل العراقي الذي حدد الأجور الدُنيا بـ350 دينارا، في حين أن هذا المبلغ يُصرف في أربعة أيام.
أضف إلى ذلك، عدم وجود قاعدة بيانات انتشار الفساد، وبالتالي فإن المُشكلة مُركبة بين جميع هذه العوامل.
* كيف يؤثر الاعتماد الكُلي على النفط على اقتصاد العراق؟
- منذ عام 1958 اعتمدت الحكومات المتعاقبة على النفط كمصدر أساسي للايرادات، وهو سهل جداً إذ إنه لا يُكلف الدولة شيئا. وبناء اقتصاد داخل العراق أمر يُهدد السياسيين الذين لا يملكون رؤية لبناء البلاد من الناحية الاقتصادية، وإحدى أبرز العوائق هي الافتقاد لقاعدة بيانات، فمنذ عام 1997 لغاية اليوم لم يُجر أي تعداد للسكان، كما أن جميع مؤسسات الدولة لا يوجد فيها قاعدة بيانات، فوزارة التخطيط مثلاً لا تعرف عدد موظفيها.
* لماذا يتم تجاهل القطاعات الأخرى ويتم التركيز على النفط كمصدر وحيد لواردات العراق المالية؟
- صُناع القرار السياسي أبقوا على القوانين القديمة، مثل قانون الإصلاح الزراعي، لأن هذه القوانين تخدمهم سياسياً من خلال تسييس مؤسسات الدولة حتى يحصلوا على جمهور للانتخابات. لذلك، نرى أن الوزارات موزعة بين الأحزاب بحيث يستخدمونها لتوظيف أنصارهم وأتابعهم داخل هذه الوزارات.
وبالتالي، فإن المسألة سياسية وليست اقتصادية، فصناع القرار لا يُفكرون في تحرير الاقتصاد من قبضة الدولة.
* هل هناك غياب للأفكار الاقتصادية أم غياب لرغبة الحكومات في تطبيق البرامج الاقتصادية؟
- المشكلة هي عدم وجود فلسفة اقتصادية لدى صُناع القرار، كما أنهم يُعانون من عدم خبرة في هذا المجال، وعندما تنخفض أسعار النفط يلجأون إلى فرض ضرائب جديدة على المواطنين.
* هل تتوقع انفجارا اجتماعيا بسبب ارتفاع نسبة البطالة والفقر؟
- لم تضع الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 أي آلية لمحاربة الفقر والقضاء على البطالة، والآلية المُعتمدة حالياً قديمة وهي من آليات النظام الاشتراكي وليس الرأسمالي، فهي تقوم على البطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية، وهي آليات غير فعالة وغير قادرة على مواجهة هذا التنامي والتزايد في خط الفقر.
العراق يحتاج إلى وصف البطالة وخط الفقر، إذ لا نعلم على أي مقاييس اعتمدت الحكومات لقياس خط الفقر، سواء كان على مستوى الدخل أو على مستوى اقتناء المواد أو مستوى المناطق. فلا توجد مقاييس ومعايير حقيقية لتبدأ الحكومة بوضع آليات لمواجهة الفقر والبطالة.