مضمون اقتصادي ثقيل لزيارة ترمب الخارجية الأولى للسعودية

مضمون اقتصادي ثقيل لزيارة ترمب الخارجية الأولى للسعودية

معادلة «بئر الدمام 7 - كوينسي» تختبر 8 عقود من نجاح التحالف الاقتصادي السعودي – الأميركي



[caption id="attachment_55259184" align="aligncenter" width="1063"]وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون خلال القمة السنوية الثانية للمديرين التنفيذيين الأمريكيين والسعوديين فى غرفة التجارة الأمريكية التي عقدت  19 إبريل الماضي في واشنطن العاصمة (غيتي) وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون خلال القمة السنوية الثانية للمديرين التنفيذيين الأمريكيين والسعوديين فى غرفة التجارة الأمريكية التي عقدت 19 إبريل الماضي في واشنطن العاصمة (غيتي)[/caption]

•أسفرت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن عن إطلاق شراكة استثمارية حيوية في قطاعات نوعية هي الطاقة والتقنية الحديثة والبنى التحتية تبلغ قيمة استثماراتها المباشرة وغير المباشرة 200 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة



جدة: معتصم الفلو



مع تزايد الضغوط عليه، كاد المهندس الجيولوجي الأميركي ماكس ستينكي أن يلملم حقائبه ويعود إلى الولايات المتحدة عام 1938، بعد أن فقدت شركة «ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا» الأمل في العثور على النفط شرق المملكة إثر حفر 6 آبار، حملت أرقاما تسلسلية، لكن إصرار ستينكي على منحه فرصة لأيام قليلة من أجل محاولته الأخيرة في البئر الذي حمل اسم «دمام 7» أسفر عن اكتشاف النفط بكميات تجارية على عمق 1440 متراً في مارس (آذار) 1938. وهكذا دشنت المملكة الوليدة علاقاتها مع قوة كانت تشق طريقها على المسرح العالمي، لتصبح العلاقة بينهما إطاراً لتحالف متين، اختبر خيارات صعبة وخلافات عميقة، ولكنه شهد اتفاقات وتعاوناً هائلاً، لكن لا المملكة العربية السعودية ولا الولايات المتحدة فكرتا معًا أو منفردتين بأن هذا التحالف سيصيبه اليأس أو ينقطع، رغم تعاقب الرؤساء والملوك السعوديين. وهكذا كان الإصرار على نجاح التحالف بين البلدين السمة الأبرز مثلما لم يدخل اليأس إلى قلب المهندس ستينكي ولا إلى قلب الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، بأن المملكة أرض لثروة سيحتاج إليها العالم لعقود مقبلة.

وبعد اكتشاف الثروة بسبعة أعوام تقريبًا، وتحديدًا في فبراير (شباط) 1945، كان لقاء السفينة كوينسي الذي جمع الملك المؤسس مع الرئيس فرانكلين روزفلت على السواحل المصرية، الذي أسفر عن اتفاق وثق العلاقات لعقود قادمة، بيم عملاقين، أحدهما خرج منتصرًا من الحرب العالمية الثانية، والآخر يحوي ثروة نفطية ونفوذًا سياسيًا متصاعدًا على الساحة العربية والإسلامية. صحيح أن الجانب السياسي شكل جزءاً كبيراً من اتفاق الزعيمين، لكن حيز الاقتصاد لم يكن أقل أهمية. فالولايات المتحدة هي صاحبة امتياز اكتشاف النفط، الذي بدأ يستخرج بكميات تجارية وهناك تعطش غربي للحصول على إمدادات منتظمة، سيما في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبالفعل، ظلت معادلة السفينة الشهيرة، إطاراً للعلاقات الثنائية، رغم تغير الملوك والرؤساء. وعلى الشق الاقتصادي، تؤمن المملكة الإمدادات النفطية المنتظمة للولايات المتحدة والأسواق العالمية وتستخدم الدولار في تسعير النفط، فيما تؤمن الولايات المتحدة التقنية الحديثة لاستخراج النفط وإنشاء البنى التحتية، إلى جانب تزويد المملكة بحاجاتها من الأسلحة والغذاء والدواء.

وعلى مدار عقود، تغير فيها المشهد العالمي وحصلت خلافات حادة بين البلدين واختبرت العلاقة تحديات كبيرة، وخصوصاً حول النزاع العربي - الإسرائيلي وأحداث 11 سبتمبر (أيلول) ودعاوى التعويضات وملف ما يصطلح على تسميته «الربيع العربي» والموقف من الحرب السورية، لم يتم المساس بالشق الاقتصادي الذي ظل صامدًا، باستثناء حالة واحدة هي عندما قطعت حكومة الملك فيصل بن عبد العزيز إمدادات النفط عن الغرب وقت اندلاع حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 في سبيل الضغط على الغرب في وجه الدعم المطلق للدولة العبرية. وكما يقول المثل العربي «رب ضارة نافعة»، حيث ساهمت العائدات التي ولدها ارتفاع أسعار النفط في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين ورفعته إلى مستويات غير مسبوقة.

ماذا في جعبة ترمب؟



لعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان الأكثر إثارة للجدل أثناء حملته الانتخابية التي سبقت انتخابه. وشكلت تصريحاته عن دول الخليج سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الأميركية - الخليجية، ومنها السعودية بالتأكيد. فقد كان يشدد على ضرورة تحميل الدول الخليجية أعباء الدين الأميركي والحماية!
لكن تلك التصريحات الاستعراضية لم تجد لها مكانًا بعد أن تولى شؤون الحكم واطلع على الملفات عن قرب، فيما لعبت الدبلوماسية السعودية، بشقيها السياسي والاقتصادي في صنع المفاجأة: اختيار السعودية لأولى زياراته خارج الولايات المتحدة.

لقد أسفرت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مارس (آذار) الماضي عن إطلاق شراكة استثمارية حيوية في قطاعات نوعية هي الطاقة والتقنية الحديثة والبنى التحتية، تبلغ قيمة استثماراتها المباشرة وغير المباشرة 200 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة، تديرها الفرق السعودية والأميركية.
كما نتج عن لقاء وزيري الإسكان السعودي ماجد الحقيل وكارسون أوائل مايو (أيار) الحالي عن عرض الجانب السعودي فرصاً استثمارية للشركات الأميركية في قطاع الإسكان السعودي بقيمة 100 مليار دولار.

وكان قد أعلن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن صندوق «سوفت بنك» السعودي - الياباني، سوف يستثمر نحو 50 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهو صندوق مشترك يملكه «سوفت بنك» وصندوق الثروة السيادي السعودي مع شركاء آخرين برأسمال 100 مليار دولار.

ويقول خبراء اقتصاديون تحدثت إليهم «المجلة» إن هذه الاستثمارات ليست هبة سعودية، وإنما هدفها هو توليد الأرباح من خارج منظومة النفط الذي تسعى «رؤية 2030» إلى التخلص من إدمانه. كما أن تلك الاستثمارات، وبخاصة في مجال الإسكان والتقنية، تسهم في نقل التقنيات والخبرات الأميركية إلى السعودية.

ويضيفون أنه ينبغي النظر إلى تلك الاستثمارات في سياق تحالف طويل الأمد، يشمل ملفات سياسية وعسكرية وأمنية، لا يمكن فصلها عن الجانب الاقتصادي، فهي حيوية لكلا الطرفين. كما أن السعودية ليست المستثمر الوحيد في الولايات المتحدة، فالاستثمارات اليابانية والصينية والأوروبية، تفوقها كماً ونوعاً.

أما بالنسبة لترمب، وهو قادم من عالم الأعمال الأميركي، فإن الملف الاقتصادي سيكون على طاولة البحث، وسيشمل البحث في تعزيز حضور الشركات الأميركية داخل السوق السعودية، وبخاصة أن التشريعات السعودية أبدت ليونة فيما يخص ملكية الاستثمارات وتسهيل الحصول على تراخيص مزاولة الأعمال عبر سلسلة إصلاحات، بدأت منذ 10 سنوات تقريبًا. كما أن إدارة ترمب ستقدم قائمة بالقطاعات الأميركية التي تحتاج إلى الاستثمار، ويبدو أن قطاع البنية التحتية الأميركية، سيظل الهمّ الأول له، سيما أنه وضعه في برنامجه الانتخابي. وبالتأكيد، سيطرح الجانب السعودي تطبيقات عملية ويعرض فرصاً استثمارية للشركات الأميركية بما يلائم تحقيق «رؤية 2030».

ويجمع الخبراء أن ترمب لن يحيد عن سياسة أسلافه فيما يخص التحالف الاقتصادي بين البلدين، فالريال السعودي مرتبط بالدولار وليس هناك نية للسعودية في استخدام أي عملة أخرى في تسعير النفط، ما يعني أنه ليس هناك أي تغيير في هذا الجانب. وبالتالي، فإن سياسة الإدارة الأميركية هي استمرار طبيعي للإدارات السابقة فيما يخص السياسة الاقتصادية تجاه المملكة.

أرقام التبادل التجاري



بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي نحو 9.75 مليار دولار، إذ صدرت الولايات المتحدة ماقيمته 3.58 مليار دولار إلى السعودية، واستوردت منها ماقيمته 6.71 مليار دولار، أي بفائض لصالح السعودية مقداره 2.59 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي.

أما بالنسبة لعام 2016، فقد صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 18.02 مليار دولار إلى السعودية، واستوردت منها بضائع بقيمة 16.92 مليار دولار، بفائض 1.09 لصالح الولايات المتحدة، وهو استثناء نادر؛ حيث إن الفائض التجاري كان دائماً لصالح السعودية على مدار السنوات العشر الماضية، إلا أن انخفاض أسعار النفط العام الماضي هو السبب في ذلك.

وتبقى السعودية هي الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، فيما تظل معادلة «بئر الدمام 7 - كوينسي» هي الناظم الأول للعلاقات بين البلدين في كل العهود الملكية والرئاسية على حد سواء.


font change