دور صناديق الثروة السيادية في الاقتصاد العالمي

دور صناديق الثروة السيادية في الاقتصاد العالمي

[escenic_image id="559618"]

في الوقت الذي اشتد فيه النقاش حول ما ينبغي أن تلتزم به الأسواق المالية وما ينبغي أن تتجنّبه، يغيب عن هذا النقاش أمر مهم وهو؛ دور الصناديق السيادية. فتلك الصناديق التي كان يُنظر إليها باعتبارها ثاني أهم عنصر من عناصر الاقتصاد الدولي، تبدو وكأنها قد اختفت من دائرة الضوء. وتدير الصناديق المملوكة للدولة أصولاً تقدر حاليًّا بحوالي 3 تريليونات دولار أمريكي، مقارنة بـ 500 مليار دولار في عام 1990.  وحتى نضع هذا الرقم في سياقه الملائم، فإن صناديق التحوُّط وصناديق الأسهم الخاصة تمتلك أصولاً تقدر بحوالي 1,9 تريليون دولار، و0,8 تريليون دولار على الترتيب. وبالرغم من أن الصناديق السيادية ليست ضخمة، مقارنة بالسندات المالية التي يتم التعامل فيها عالمياً وتقدر قيمتها الإجمالية بـ 165 تريليون دولار، فإنه من الواضح أن هذه الصناديق لها وزنها الذي يكفي لأن يكون له تأثير على الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، كثُر الجدل حول طبيعة هذا التأثير، وما إذا كان إيجابيًّا أو سلبيًّا أو ببساطة مبالغًا في تقديره.

وعندما واجهت أكبر البنوك الاستثمارية في العالم خطر الغرق في فيضان الأصول السامة العام الماضي، تمت الإشادة بالصناديق السيادية، واعتبارها بمثابة المنقذ المالي الذي أتى لنجدة هذه البنوك. فقد أمد المستثمرون السياديون من شرق آسيا ومنطقة الخليج المؤسسات المالية المتعثرة بقدر كبير من رأس المال. وأسهمت حكومات سنغافورة والكويت وكوريا الجنوبية بنصيب الأسد من طوق النجاة، الذي قُدّر بنحو 21 مليار دولار أمريكي، وذلك لإنقاذ مجموعة "سيتي جروب وميريل لينتش" اللتين فقدتا أموالاً طائلة عندما انفجرت فقاعة الرهون العقارية الأقل جودة. وتلقَّى اتحاد البنوك السويسرية (يو بي إس)، وكان يمثل آنذاك أضخم بنك في العالم في إدارة الثروات، إجمالي رأس مال يقدر بـ 11 مليار دولار من سنغافورة ومستثمر مجهول، يرجّح أنه حكومة عُمان. وسعدت البنوك بتلقي الأموال من الصناديق السيادية التي لم تطالبها بتغيير في إدارتها، أو فرض مراقبة شديدة على حوافز مديريها، أو تطبيق إجراءات أكثر صرامة، بعكس الصناديق السيادية المحلية. ومن ناحية أخرى، سُرَّت الحكومات الغربية بعدم اضطرارها للتعامل مع العواقب السياسية والاقتصادية المترتبة على إنقاذ المصارف غير المسئولة ماليًّا.

وحالة الرضا العام إزاء مشاركة الحكومات الأجنبية في إنقاذ البنوك المتعثرة، سلّطت الضوء على تناقض حاد في الجدل الدائر حول الصناديق السيادية، التي جعلت طبيعتها المبهمة ودوافعها الغامضة الكثيرين يعتبرونها بمثابة خطر وليس منقذًا ماليًّا. وقد أشعلت إمكانية الاستثمار المحفّز سياسيًّا جدلاً شديدًا في كثير من الدول الغربية بشأن القيود التي يجب فرضها على الصناديق السيادية، فيما يتصل بمدى تدخلها في الصناعات والمجالات الحيوية. ففي عام 2006، حاولت موانئ دبي العالمية؛ وهي شركة تملكها حكومة دبي، الاستحواذ على رابع أكبر مُشغّل للموانئ البحرية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتدخَّل الكونجرس نتيجة انزعاجه مما قد يكون لنقل الملكية من انعكاسات على أمن الموانئ. ليس هناك شيء في التحفظ بشأن منح حكومات أجنبية إمكانية الوصول بشكل كامل إلى شركات ذات أهمية إستراتيجية، لكن الخوف بشكل عام من الصناديق السيادية لا يبدو ملائمًا.

لقد تم إنشاء الصناديق السيادية لسببين، أولهما: تنويع مخاطر القطاع،  وجعْل مصدري السلع أكثر استقلالية عن أسواق السلع العالمية المتقلبة؛ وثانيهما: التنويع بمرور الزمن، والتأكد من أنه لا يزال هناك مخزون مالي متوفر بمجرد بيع آخر قطرة من النفط. ونتيجة لهذه الرؤية طويلة الأمد، فإن الصناديق السيادية تعتبر بمثابة مستثمرين مستقرين إلى حد كبير، ومن غير المحتمل أن يقوموا بسحب مبالغ ضخمة من المال بناء على توقعات قصيرة الأمد. والأنباء التي تتعلق بمشاركة الصناديق السيادية في شركة عادة ما يكون لها تأثير إيجابي على أسعار الأسهم. إذن فالاستقرار والقدرة على احتمال المخاطر بشكل أكبر – الأمر الذي يرتبط بشكل عام برؤية أطول أمداً – يجعلان المستثمرين السياديين يماثلون المستثمرين المؤسساتيين المعهودين. وكما تبين من دعم الصناديق السيادية للبنوك المتعثرة، فإنها تعتبر بمثابة مصدر إضافي لرأس المال المستقر، مما يمنحها دورًا إيجابيًّا في الاقتصاد العالمي. لكن التطورات الاقتصادية الأخيرة تجعل من إعادة تقييم هذا الدور أمرًا ضروريًّا.

والصناديق السيادية تعيد تدوير رأس المال. فعندما يظهر خلل ما في ميزان المدفوعات العالمي، تعيد الصناديق السيادية استثمار المدخرات الفائضة لمنتجي النفط، وغير ذلك من بلدان الفائض في دول غربية لديها عجز. ومنذ عامين، افترض معظم المحللين أن رأس المال الذي سيكون بحوزة المستثمرين السياديين بحلول عام 2012، سوف يتجاوز 10 تريليونات دولار، أو ما يمثل ثلاثة أضعاف القيمة المقدرة حاليًا.

وفي حين أن الصناديق المملوكة للدولة في كل مكان تأثرت بالأزمة الاقتصادية، فإن الصناديق الموجودة في مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص مرت بوقت عصيب. فقد كانت الاستثمارات الكبرى في البنوك الغربية بمثابة كارثة. وفي دراسة نُشرت أخيرًا، قدر مجلس العلاقات الخارجية الخسائر التي تعرضت لها الصناديق السيادية في الخليج بنحو 27% من قيمة أصولها. والتراجع في معدل الطلب العالمي الذي يجعل أسعار النفط تنخفض بشكل حاد، يقلل من فائض اقتصاد دول الخليج. ومن المحتمل أن تجعل هذه الاتجاهات الصناديق السيادية أكثر حذرًا. فقد خفَّضت هيئة أبو ظبي للاستثمار من مخصصات أصولها للأسهم لأدنى درجة، مما يدل على تراجع الرغبة في المخاطرة.

في ظل الأزمة، يبدو أن الصناديق السيادية ليست مستثمرًا انتهازيًّا قويًّا، يسعى للاستحواذ على الصناعات الغربية واستغلالها. وبالرغم من ذلك، فإن الخسائر التي يعاني منها المستثمرون السياديون، وتراجع إيرادات النفط، يقللان من احتمالات أن يلعب المنقذون الماليون دورًا موثوقًا أيضًا. فقد بدت الصناديق السيادية مثيرة ومخيفة، لكن هناك حالة من التردد بشأن ما إذا كانت تمثِّل منقذًا ماليًّا أم مستثمرًا انتهازيًّا. والأرجح أن الصناديق السيادية سوف تكون مجرد ناشط آخر في الاقتصاد الدولي.

font change