بيروت: بدء العد العكسي لانطلاق الانتخابات النيابية في لبنان، والمُحددة في 15 مايو (أيار) المقبل، حيث أُقفل باب الترشيحات بعد أن وصل إجمالي عدد المرشحين إلى 1043 في جميع الدوائر الانتخابية، بينهم 155 امرأة.
وتأتي هذه الانتخابات التي تُجرى كل 4 سنوات، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في المواد الأساسية من الأدوية والوقود وغيرهما.
ويتألف المجلس النيابي من 128 مقعدا بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في عموم البلاد. يتوزعون على النحو الآتي: 28 للسنة، و28 للشيعة، و8 للدروز، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، و8 للكاثوليك، و5 للأرمن، ومقعدان للعلويين، ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
وتعد الانتخابات المرتقبة هي الأكبر من حيث عدد المرشحين في آخر 15 عاما، حيث شهدت انتخابات 2018 ترشح 976 بينهم 111 امرأة ، في حين ترشح 702 بينهم 12 امرأة عام 2009، و484 مرشحا بينهم 16 امرأة عام 2005.
وهذه الانتخابات تأتي في ظل إعلان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تعليق العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات، إضافة إلى أبرز الشخصيات السنيّة في البلاد، كرئيسي الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، والأسبق فؤاد السنيورة وتمام سلام. في حين تتميز بأنها أول استحقاق نيابي بعد ثورة 17 تشرين 2019، إلا أن القوى التغييرية التي تحمل لواء الثورة ما زالت غير قادرة على التوحد ضمن لوائح مشتركة في معظم الدوائر الانتخابية.
توحيد اللوائح تحدٍ بوجه المعارضة
وفي هذا الصدد، يرى المرشح للانتخابات النيابية علي مراد في حديث لـ«المجلة» أن «الوقت لم ينته بعد لتوحد قوى المعارضة، وأتأمل أن تتمكن من التوحد في الأغلبية الساحقة من الدوائر وستكون قادرة على تقديم لوائح موحدة بوجه السلطة، فهناك مسؤولية تقع على القوى المعارضة بأن تكون قادرة على تجاوز تناقضاتها أو اختلافاتها أو تعارضاتها الموضوعية». وأضاف: «أبرز هذا التعارض هو تصورها للخروج من الأزمة، وتنوعها الفكري والسياسي وقراءتها لكيفية العلاقة مع بعض الأحزاب المعارضة التقليدية وبعض الأحزاب التي كانت بالسلطة وخرجت منها، وأعتقد أن المعارضة قادرة على تجاوز هذه الخلافات في ظل الجهود التي تُبذل في الأسابيع الأخيرة، وأنا على يقين من أننا سنصل إلى النتيجة التي ينتظرها الشعب اللبناني، أي معارضة موحدة في معظم الدوائر».
ومن ناحيته، يرى عضو حزب تقدم مارك ضو في حديث لـ«المجلة» أن «المعارضة لم تتمكن من التوحد إذ إن العوائق التي حالت دون ذلك هي تعدد التنظيمات السياسية وعدم نضوجها، أي عدم استكمال هيكلياتها». وأضاف: «كما أن اختلاف الرؤية السياسية والاقتصادية لعبت دورا في عدم توحد قوى المعارضة، إذ إن البرنامج السياسي لمعظم هذه القوى غير واضح ويكتفي بعناوين دون وجود خطة عمل، بالإضافة إلى غياب للآليات كماكينات انتخابية وتجهيزات انتخابية لإدارة هذه المعركة، وبالتالي تصبح المعركة الانتخابية معتمدة على القوة الذاتية للمرشح مما يجعله أقوى من الحزب الداعم له».
دور المعارضة في المجلس النيابي القادم
وفيما يتعلّق بشكل المجلس النيابي ما بعد الانتخابات، يرى ضو أن «المجلس النيابي القادم سيكون أكثر مجلس يُسيطر عليه حزب الله، إلا أن استبعاد خيار المقاطعة يعود إلى أن هذا الخيار لا ينفع مع الأنظمة الشمولية، كما أنه يجب علينا أن نسعى لتثبيت شرعية تمثيلية للمعارضة بصرف النظر عن الأحجام، إذ إن ذلك سيؤدي إلى تحويلنا من حركة احتجاجية الى معارضة سياسية».
ولفت ضو إلى أن «هناك فرقا واضحا بين الاحتراف لدى السلطة في الحفاظ على مكاسبها وبين ارتجال القوى المعارضة التي ما زالت تقوم بحفلة اكتشاف لكيفية إدارة الحملة الانتخابية». وتابع: «في القانون النسبي المطلوب هو أوسع تحالفات لضمان أعلى رقم من الحواصل، وأنا أؤيد انخراط القوى التغييرية في لوائح موحدة مع أحزاب تقليدية خارج السلطة من أجل كسب أكبر عدد من المقاعد النيابية».
وأشار ضو إلى أنه «في المشهد الحالي لا أعتقد أن القوى التغييرية سيكون لها دور كبير في المجالس النيابية القادم، ولكن يكفي أن تتمكن من الحصول على 10 مقاعد لكي يتمكنوا من إقامة حالة اعتراض جدية ومن المهم أن يكونوا من طوائف ومناطق محتلفة، وهذا من الوارد جداً أن يحدث».
خيار المقاطعة
أما مراد، فيرى أنه «على مستوى العالم العربي، فإن الانتخابات النيابية الأولى بعد الانتفاضات الشعبية لم تكن المجال الوحيد للتغيير، فالتغيير لا يُصنع فقط في المجلس النيابي، وإنما هو تكامل بين الضغط في الشارع واستمرار المواجهة في المجلس النيابي». وأضاف: «هناك أهمية كبيرة للتواجد في المجلس النيابي، إذ إن خروج لبنان من الأزمة وبداية التعافي لن يمرا إلا عبر حزمة من التشريعات، وبالتالي يجب أن يسعى من يريد تمثيل الناس أن يكون حاضراً في هذا المكان».
وتابع مراد: «حتى لو كنا أقلية معارضة، فإن موقف هذه الأقلية مع الضغط المجتمعي، يمكنه خلق ميزان قوى يفرض أجندة منحازة لمصالح الناس المُتضررة بشكل أساسي وليس الدفاع عن الأكثر ثراءً أو المتواجدين في السلطة». ولفت مراد إلى أن «كل نائب من قوى التغيير يصل الى المجلس النيابي يجب أن يعرف أنه وصل لأن هناك مواطنين يريدون مقاربة مختلفة للعمل السياسي، وقراءة جديدة للشأن العام، وإعادة تعريف للسياسة بصفتها خدمة الناس ومصالحهم. وبالتالي فإن إعادة الاعتبار للعمل السياسي هو تحدٍ لنا».
وحول فكرة المقاطعة الشعبية للانتخابات بغية سلب السلطة للشرعية الشعبية، أشار مراد إلى أن «طرح المقاطعة هو فكرة مشروعة في ظل قانون الانتخابات الحالي وكيفية مقاربة السلطة للعملية الانتخابية والتحريض والتعبئة الطائفية وتخوين الآخر وكافة أشكال الضغوط، ولكن يبقى أننا أمام استحقاق انتخابي جاء بفعل مواعيد دستورية، والانتخابات هي مناسبة للتواصل مع مختلف الناس بغية تحقيق التغيير المنشود».
اختلاف الطرح السياسي
من ناحيته، يرى عضو حزب «لنا» والمرشح للانتخابات النيابية حسن سنّو أن «المعارضة في لبنان مثل أي معارضة سياسية في العالم من الصعب توحيدها، إذ إن الطرح السياسي يأتي بأنواع مختلفة ولو أننا متفقون على معارضتنا للسلطة التي أوصلت البلد للانهيار». وأضاف أن «إنشاء أحزاب ومجموعات سياسية ذات رؤية تختلف في السياسة والاقتصاد يُصعّب من مهمة توحيد المعارضة، ولكن نعمل على إرسال رسالة موحدة للمواطن والمقترع وسنصل إلى لائحة تشبه بعضها على صعيد الوطن، مع إمكانية وجود لوائح معارضة أخرى تُعبّر عن اتجاه سياسي معارض ومختلف».
وتابع سنّو: «التغيير يحدث على مراحل، والأهم هو تحقيق تقدم في هذه الانتخابات أكثر من الانتخابات الماضية، وإذا تمكنا من تغيير المجالس النيابية بنسبة 10 إلى 20 في المائة فإن ذلك سيساعدنا على أن نكون مؤثرين في مجلس النواب».
إذن، يتحضر اللبنانيون لخوض الانتخابات النيابية القادمة في ظل ظروف سياسية واقتصادية ومالية صعبة، بالإضافة إلى كونها أول اختبار حقيقي لمدى قدرة قوى 17 تشرين على كسب الشرعية الشعبية من خلال الدخول إلى المجلس النيابي. ورغم كل ذلك، فإن معظم استطلاعات الرأي تُشير إلى عُزوف عدد كبير من الناخبين عن المشاركة في هذه الانتخابات، ولعل ذلك يعود إلى الكثير من العوامل، وفي مقدمتها أولوليات المواطنين المتركزة في ظل الظروف الراهنة بتأمين مقومات الحياة الأساسية.