واشنطن: ما زالت المفاوضات النووية في فيينا تراوح مكانها، وذلك بعد كثير من اللقاءات والجلسات التي لم يجد المشاركون فيها طوال عام كامل من المناقشات حلا للقضايا العالقة حتى تحرير هذا التقرير. هناك الكثير من المشادات والصراعات الخفية والمزايدات تدور بين روسيا والولايات المتحدة ومطالبات روسية بضمانات أميركية بأن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا لن تؤثر على حقها في التعاون مع إيران. أدى هذا الموقف الروسي إلى تعقيد المفاوضات وهكذا عاد فريق المفاوضين الإيراني إلى بلدهم بانتظار استئناف المفاوضات. وفي مثل هذه الظروف تستمر العقوبات بشتى أنواعها على النظام الإيراني ويستمر التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا. وأتت ردود الفعل الرسمية والإعلامية للنظام الإيراني متماشية مع الموقف الروسي إلى حد بعيد ومنتقدة لأوكرانيا وأنها لم توجه انتقادات علنية إلى روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.
إيران تستدرك خطأها بشأن روسيا
وقال الصحافي والمختص في الشأن الإيراني منشيه أمير المقيم في أورشليم في حوار مع «المجلة» حول هذا الموضوع: «لقد أعرب النظام الإيراني عن دعمه لبوتين منذ بداية الحرب الروسية وأفادت الصحف التابعة للتيار المتشدد على غرار «كيهان»، و«جوان» بأن هذه الحرب فرصة مناسبة لتمريغ أنف الأميركيين في التراب وأن الحرب اندلعت بسبب سياسات الولايات المتحدة وليس روسيا».
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء 2 مارس (آذار) قرارا يستنكر الهجوم الروسي لأوكرانيا ويدعو موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور.
وامتنعت 35 دولة من بينها الصين وإيران عن التصويت على القرار في الجلسة الطارئة للجمعية العامة.
ويعتقد منشيه أمير بأن «الجمهورية الإسلامية تتبنى التوجه شرقا وتستمر بعلاقات الصداقة مع بوتين لأنها بحاجة لهذه الصداقة والعلاقات الطيبة مع موسكو»، مضيفا: «كان النظام الإيراني من المناصرين القلائل لروسيا في حرب الأخيرة على أوكرانيا ولكن إيران أدركت أنها اقترفت خطأ فادحا في دعمها لروسيا وذلك بعد الغضب الدولي الواسع على روسيا. بالتالي فإن إيران امتنعت عن التصويت في الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة ولم تدافع عن روسيا. كان النظام الإيراني الذي ربط كل مصالحها بروسيا والصين يتصور أن الوقوف بجانب روسيا الصديقة في هذه الأزمة واجب عليه بطبيعة الحال ولكنه امتنع عن التصويت للقرار الأممي بعد أن أدرك أن غالبية دول العالم تستنكر الهجوم الروسي».
ونجحت روسيا بتأخير التوصل إلى اتفاق نووي نهائي بشكل مؤقت وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي ردا على عقوبات واسعة النطاق بعد الحرب على أوكرانيا: «طلبنا من زملائنا في الخارجية الأميركية تقديم ضمانات مكتوبة بعد العقوبات الأميركية مفادها أن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون الحر والكامل مع إيران، تجاريا واقتصاديا واستثماريا وتقنيا وعسكريا».
وقال منشيه أمير حول القرار الروسي بشأن تعليق المفاوضات النووية: «قال الروس للأميركيين إذا أردتم أن نتنازل عن بعض النقاط في المفاوضات النووية وأن نمارس ضغوطا على النظام الإيراني أو ندفعه للاتفاق فعليكم أن لا تضروا بتعاوننا مع إيران في قطاع التجارة. في ظل هذه الشروط نقبل بأن نساعدكم على حمل الإيرانيين على القبول بالاتفاق».
وتابع بالقول: «هذه المسألة حياتية للروس، غير أن الطلب الروسي من الأميركيين بضمانات مكتوبة حول عدم المساس بتعاون روسيا مع إيران بعد العقوبات لم يؤد إلى غضب النظام الإيراني الذي سارع إلى دعم روسيا لتنقل رسالة وفاء للروس. لقي هذا الموقف الروسي ارتياحا من قبل التيار المتشدد أيضا».
وأضاف أمير: «يدعم التيار المتشدد في إيران نهج المحاصصة الروسية ومصادرتها للاتفاق النووي لابتزاز الغرب ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود لأن المتشددين في إيران يعارضون أي اتفاق نووي».
أفادت صحيفة «كيهان» المحسوبة على بيت المرشد في عددها الصادر يوم 5 مارس الحالي: «يجب على الغرب أن يعلم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه الفترة من حياتها لا تقبل بأية مساومة بفعل الضغوط الغربية وإذا كان علينا الاختيار بين (اتفاق سيئ)، و(عدم وجود اتفاق)، بلا شك فإن عدم الاتفاق هو الاختيار الأنسب لأن الوصول إلى اتفاق نووي دون رفع العقوبات يساوي خسارة خالصة».
امتعاض بسبب التبعية للروس
من جهة أخرى، فإن تبعية النظام الإيراني لروسيا أثارت امتعاض عدد من المسؤولين حيث قال نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق علي مطهري: «أشعر بأن الروس يتمتعون بنفوذ في النظام إلى حد ما ويوجد موالون للروس في النظام ونسي هؤلاء سياسة لا للشرق ولا للغرب».
وقال أمير حول هذا الأمر: «هناك امتعاض كبير في الصحف غير المحسوبة على الحكومة وفي المجتمع الإيراني بشأن السياسة الروسية التي باتت تضحي بالمصالح الوطنية الإيرانية وتطالب بامتيازات من الغرب عبر ابتزازها بالاتفاق النووي وتلعب بالورقة الإيرانية على حساب مصالح إيران. يعتقد العديد من المحللين وشريحة من الشعب الإيراني أن الفرصة أصبحت سانحة حاليا لإيران لكي تقوم بتحسين علاقاتها مع الروس والأميركيين فإذا حظر الغرب والولايات المتحدة الغاز الروسي ينبغي على إيران أن تعلن استعدادها فورا لبيع الغاز للغربيين مما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية من جهة وتسنح الفرصة للنظام الإيراني بممارسة الضغوط بهدف رفع العقوبات وستجني إيران إيرادات طائلة أيضا».
وأضاف أمير: «إذا استمرت العقوبات الدولية على روسيا قد يقود ذلك روسيا إلى تبني النهج الإيراني في بيع النفط والغاز بطرق غير قانونية وعمليات تهريب. وستكون روسيا صاحبة اليد العليا وقد تقوض أسواق النفط المهرب الإيراني».
اتجه النظام الإيراني مؤخرا إلى تليين موقفه حول أوكرانيا محاولا تبني سياسة أكثر اعتدالا وربما محايدة في هذه الحرب مع ذلك بأن إيران التي لا تريد إثارة استياء روسيا لم ترسل مساعدات إنسانية للشعب الأوكراني.
وبالنهاية يمكن القول إن دول الخليج ترى أن رفع العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية وإعادة الأموال المجمدة يؤدي إلى زيادة النفوذ الإيراني ومغامراتها في المنطقة وأنها تلعب على الوقت وتقترب من صنع قنبلة نووية.