دور الإعلام في صياغة السياسات العامة لبعض الدول

دور الإعلام في صياغة السياسات العامة لبعض الدول

لندن:

 

 

* وزير الزراعة الأردني الأسبق: على الإعلام دور في المراقبة والمساءلة لكن في إطار من الموضوعية والمهنية
* دور حيوي كبير للإعلام في السياسات الخاصة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية

 


نتيجة للتطور الكبير الذي حصل في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد ازداد بشكل كبير الدور المؤثر لوسائل الإعلام، ليس في مجال تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في مجال تشكيل الرأي العام وتوجيهه، وكذلك في مجال نقل وجهات النظر الحكومية الرسمية لأفراد الشعب.

وعندما نشير إلى وسائل الإعلام، فإننا نقصد وسائل الإعلام المكتوبة، وفي مقدمتها الصحافة الورقية، وكذلك وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وأخيرا شبكات التواصل الاجتماعي. ومجموع هذه الوسائل يطلق عليها مجازا «السلطة الرابعة»، نظرا لقوة تأثيرها، بحيث تعادل، لا بل تفوق، في أحيان كثيرة قوة الحكومات.

وعلى الرغم من ازدياد تأثير وسائل الإعلام على الوعي الجماعي للشعوب، وفي قدرتها على صياغة الرأي العام الذي يمثل وجهة نظر الأغلبية الجماهيرية حول موضوع جدلي أو خلافي بالنسبة لسياسات أو قرارات أو قضايا تمس مصالح تلك الأغلبية الجماهيرية، فإن الحكومات تتفاوت في استجابتها للرأي العام عند إعدادها لسياساتها العامة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن هنالك كثيرا من العوامل والضوابط التي تؤثر في موقف الحكومات من مضامين الرسالة الإعلامية.

طبيعة نظام الحكم

إن دور الإعلام في تشكيل السياسات العامة للدولة يتفاوت من نظام حكم لآخر، ففي نطاق أنظمة الحكم الديمقراطية، فإننا نجد أن الإعلام يلعب دورا محوريا في تزويد عامة الناس بمعلومات كثيفة ووجهات نظر متعددة، بما يسمح لها ببناء رأي عام مؤثر وضاغط يلهم صانع القرار، في حين أننا نجد أنه وفي نطاق أنظمة الحكم الشمولية فإنها تمارس تحكما شديدا في حجم ونوع المعلومات المقدمة للجمهور، بحيث يتعرض الفرد في ظل تلك الأنظمة لوجهة نظر أحادية، الأمر الذي يزيف إدراكه لحقائق الأمور ويجعل آراءه تصب في السياق الذي تريده السلطة الحاكمة، وبالتالي فإن السياسات العامة تأتي لتمثل وجهة نظر السلطة الحاكمة وليس إرادة الشعب.

مضمون السياسات

يلعب مضمون السياسات العامة التي تعدها الدولة دورا مهما في تحديد دور الإعلام في إعداد هذه السياسات، فحيث يتعلق الأمر بالجوانب السياسية التي تتعلق بالمصالح العليا للدولة والتي ترقى لأن تكون مسائل سيادية، فإن دور الإعلام يتراجع لصالح الرؤية الانفرادية للدولة، بالنظر إلى حساسية تلك المسائل، وبالتالي تتخذ فيها القرارات بعيدا عن الاعتبارات الشعبوية أو الجماهيرية، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأنظمة الشمولية وغير الديمقراطية.

أما فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية للسياسات العامة، فإن هنالك مجالا كبيرا للإعلام لأن يلعب دورا حيويا على هذا الصعيد. حيث إن هذه المسائل تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، ودرجة التجاوب مع تأثيراتها تنعكس على الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي واستقرار المجتمعات بشكل عام. ولذلك فإن الحكومات تأخذ بعين الاعتبار مضامين الرأي العام التي يجسدها الإعلام بهذا الخصوص.

فعلى سبيل المثال، أي قرارات اقتصادية تزيد من أعباء المواطنين مثل فرض الضرائب أو رفع أسعار بعض المواد والسلع الأساسية، والتي تؤدي بالتالي إلى زيادة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وتؤثر تأثيرا مباشرا وسلبيا على المستوى المعيشي للمواطنين، والتي تعتبر بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الأمن الاقتصادي والسلم الاجتماعي، فإن الدولة تكون حريصة على التعرف على آراء وتوجهات المواطنين من خلال وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي، قبل وضع هذه السياسات أو تعديلها واتخاذ القرارات التنفيذية بشأنها.

كثافة الرسالة الإعلامية

قد يتعاطى الإعلام مع المسائل المتصلة بالسياسات العامة بصورة سطحية وبعيدة عن العمق المطلوب، أو بصورة طارئة ودون متابعة حثيثة، على النحو الذي تستحقه أهمية المسألة موضوع النقاش، مما يؤدي إلى غياب رأي عام يؤثر في سياسات الدولة، وبالتالي يفشل في حماية مصالح الشعب. وعلى ذلك فإنه وعلى الرغم من إدراك الحكومات لأهمية المسائل التي ينبغي معالجتها في سياساتها العامة، فإن إدراكها كذلك لاهتمام الإعلام السطحي والطارئ والمؤقت لمضمون هذه السياسات يجعلها تتجاوز وسائل الإعلام، وعلى نحو يطلق يدها لمعالجة القضايا بصورة انفرادية وضمن رؤية حكومية أحادية.

تحالف أصحاب المصالح

إن تحالفات وأولويات النخب المحيطة بأنظمة الحكم تؤثر على شكل وتوجه وسائل الإعلام في بعض الدول، بحيث يصبح من الصعوبة بمكان نسبة المحتوى التحريري في نهاية المطاف إلى الناس من خارج النخبة، ولكن إلى جداول الأعمال السياسية التي تعكس أنماط وتوجهات النخبة وسيطرتها، وفي بعض الأحيان ملكيتها لوسائل الإعلام.

ويمكن أن يحدث تغيير على السياسات العامة إذا حصلت انقسامات، وإعادة تشكيل للتحالفات بين النخب التي تبرز عبر المشهد الإعلامي، فوسائل الإعلام تعكس، كمؤسسات، النمط السائد للنقاش السياسي، فحيث يكون الإجماع قويا فإنها تميل إلى البقاء ضمن حدود النقاش السياسي الذي يحدده الإجماع، وعندما يبدأ الإجماع في الانهيار تصبح التغطية نقدية ومتنوعة بشكل متزايد، ويصعب على المسؤولين السيطرة عليها، حيث تبدأ وسائل الإعلام بالعمل خارج نطاق الجدل المألوف والمطلوب، ويصبح الإعلاميون مشاركين نشطين ومؤثرين على نقاش النخبة، وبالتالي على صنع القرار. كذلك فقد تعمل الجهات الفاعلة السياسية التي تسعى إلى تغيير السياسة على استخدام التغطية الإعلامية النقدية التي قد تعكس اهتمامات غير النخبة للحصول على قوة مساومة تجاه أعضاء آخرين من النخبة.

التأثير ليس بالضرورة إيجابيا

[caption id="attachment_55259035" align="alignleft" width="300"]وزير الصناعة و التجارة الأردني يعرب القضاة وزير الصناعة و التجارة الأردني يعرب القضاة[/caption]

تمثل وسائل الإعلام، كما يرى المهندس يعرب القضاة، وزير الصناعة والتجارة الأردني الحالي، سلطة حقيقية، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، بالنظر لما لها من انتشار واسع، وهي مصدر رئيسي لآراء ومواقف المواطنين، والتي يحتاج صاحب القرار إلى الاطلاع عليها وأخذها بعين الاعتبار في معرض اتخاذه للقرار، فهو يستطيع من خلالها تقييم مدى رضا الناس عن القرارات التي تكون الحكومة بصدد اتخاذها، على أن وسائل الإعلام المؤثرة هي تلك التقارير الصحافية المميزة والجيدة، والتي تعكس الرأي العام بشكل صادق وموضوعي.

ويرى الدكتور عاكف الزعبي، وزير الزراعة الأردني الأسبق، أن على الإعلام دورا في المراقبة والمتابعة وحتى المساءلة، لكن يشترط في ذلك أن تتم هذه الأدوار في إطار من الموضوعية والمهنية، وفي غياب الموضوعية والمهنية اللازمين فإن ذلك يؤدي إلى تضليل الرأي العام من جهة، وإلى خلق طاقة سلبية لدى الحكومة، ويؤثر سلبيا على المناخ الذي تتخذ فيه قراراتها، فغياب الموضوعية يخلق عبئا إضافيا على الحكومة من حيث إنه يصبح مطلوبا منها إنجاز العمل وبالوقت نفسه الرد على الاستفسارات والمعلومات الخاطئة، مما يعيق العمل والأداء، كما أنه يضع الحكومات أحيانا في موقف متردد بشأن اتخاذ بعض القرارات، في ضوء عدم تفهم الرأي العام لحقيقة وفحوى قراراتها، بسبب غياب الموضوعية اللازمة في دور بعض وسائل الإعلام، الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى إعاقة الإنجاز.

[caption id="attachment_55259036" align="alignleft" width="300"]وزير الزراعة الأردني الأسبق عاكف الزعبي وزير الزراعة الأردني الأسبق عاكف الزعبي[/caption]

ويؤكد الدكتور حاتم الحلواني، وزير الصناعة والتجارة الأردني الأسبق، على أهمية دور الإعلام وتأثيره على السياسات العامة للدولة، وبخاصة التي تتعلق بالمصالح الأساسية والرئيسية للمواطنين. وكذلك للأهمية المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي ساهمت في زيادة نشر محتوى الرسالة الإعلامية، وما تثيره من آراء تختلف وتتفق معها، وبالتالي أصبحت الحكومة مضطرة إلى أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار عند إعدادها لسياساتها واتخاذها لقراراتها.

ويضيف أنه قد تكون الآراء المطروحة عبر وسائل الإعلام تفتقر في بعض الأحيان إلى الموضوعية، ومبنية على أسس شعبوية وليس على أسس علمية ومهنية، وفي هذه الحالة يكون التأثير سلبيا وضارا إذا ما أخذت به الحكومة. فعلى سبيل المثال، قد يكون أحد المشروعات الاستراتيجية المطروحة من قبل الحكومة مشروعا مجديا جدا، ولكن قد يؤدي تحقيق صحافي غير مهني إلى تكوين رأي عام مضاد باعتباره مشروعا غير مجدٍ. ففي هذه الحالة إذا ما أخذت الحكومة بتوجهات الرأي العام وتوقفت عن تنفيذ هذا المشروع، فإن ذلك سيؤدي إلى آثار سلبية تمس مصالح المواطنين مباشرة.

[caption id="attachment_55259037" align="alignleft" width="300"]وزير الصناعة و التجارة الأردني الأسبق حاتم الحلواني وزير الصناعة و التجارة الأردني الأسبق حاتم الحلواني[/caption]

فعلى سبيل المثال طرح قبل سنوات مشروع الباص السريع في الأردن، باعتباره مشروعا مجديا وضروريا للعاصمة عمان، لكن هنالك تقارير صحافية تناولته بأسلوب غير موضوعي ويفتقر إلى المعلومات الدقيقة، والتي أدت إلى توقفه لنحو أربع سنوات. إلا أن تفاقم أزمة المواصلات في عمان اضطر الحكومة إلى أن تراجع موقفها من المشروع وانتهت إلى السير به مجددا وتنفيذه. ففي مثل هذه الحالة كانت هنالك نتائج سلبية للتأخير، نتيجة للتناول غير الموضوعي لهذا المشروع.

وعلى ذلك يمكن القول إن الإعلام يلعب دورا كما أن له تأثيرا على صانع القرار، لكن حجم ومدى هذا الدور يتحدد باعتبارات كثيرة، وتظل الكلمة الحرة والموقف الموضوعي والنقاش الصادق منارات تضيء رؤية صانع القرار في سياق إعداده للسياسات العامة.

 

 

 

 

 

font change