بيروت: أحدثت القرارات القضائية التي صدرت أخيراً وطاولت ثمانية مصارف لبنانية هزة في الأوساط المصرفية تزامناً مع ارتفاع قياسي وجنوني لسعر صرف الدولار في السوق السوداء وأسعار المحروقات.
وما تلبث أن تستكين الأمور على ضفة الأوضاع المتشنّجة، حتى يستيقظ اللبنانيون العالقون بين الخوف على ودائعهم والأمل في استرجاعها، على كابوس جديد يهدّد جنى أعمارهم، ليس آخره الحجز على خزائن وأموال «فرنس بنك» في مختلف الفروع وختمها بالشمع الأحمر.
الخطوة التي أتت بناء على القرار الذي أصدرته رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني، والذي قضى بإنفاذ الحجز التنفيذي على جميع أسهم وعقارات وموجودات «فرنس بنك» وفروعه وشركاته في كلّ لبنان، تمهيداً لطرحها في المزاد العلنيّ، بحال عدم رضوخ المصرف وتسديده لكامل مبلغ وديعة تعود للمواطن عيّاد إبراهيم، والتي أشارت المعلومات إلى أنّها تقدّر بـ60 ألف دولار، أثارت حالة من القلق والذعر لدى المواطنين الذين كانوا يحصلون على أموالهم أساساً بـ«القطّارة» بعد أن فرضت المصارف اللبنانية قواعد صارمة قيّدت تعاملاتهم في سحب ودائعهم بالعملة الصعبة كما فرضت سقوفاً لسحب الودائع بالعملة المحلية في وقت يواجه فيه لبنان أزمة مالية غير مسبوقة.
لهجة قانونية تصاعدية طاولت المسؤولين في المصرف المركزي سواء بإصدار النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون قرارات بمنع سفر رؤساء إدارة ستة مصارف ووضع إشارات ومنع التصرف بملكيات تخصها في الغالب في الدعوى التي تقدمت بها الدائرة القانونية لمجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام»، وتوقيف السيد رجا سلامة بعد تحقيق طويل معه من القاضية عون بإخبار من الدائرة القانونية لمجموعة «رواد العدالة» ضده وضد شقيقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وفي قراءة لآخر المستجدّات، كان لـ«المجلة» حوار مع الخبير الاقتصادي جان طويلة، هذا نصّه:
* كيف تفسّر القرار الذي صدر أخيراً بالحجز على جميع أسهم وعقارات وموجودات «فرنس بنك» وفروعه وشركاته؟
- هذا شيء طبيعي، إذ إن ما يحصل اليوم في لبنان غير قانوني، فالسلطة السياسية تعتبر أنّها مضطرة للقيام يما تقوم به من إجراءات تحت حجّة أنّها لا تملك الخيارات. وإذا أردنا العودة للأصول، فالمشكلة التي حصلت أخيراً سبقتها أحداث عدّة من مصرف «سوسيته جنرال» في لندن وكذلك قصة أخرى مشابهة في باريس وغيرها وغيرها.
* ماذا عن باقي المصارف؟
- الكل يجمع تقريباً على أن القطاع المصرفي في لبنان غير قادر على الاستمرار بهذه الطريقة، ولكن ما هو غير منطقي أن يكون هناك 64 مصرفاً في لبنان، ولا أي مصرف أعلن إفلاسه وهذا أمر غريب. ولسوء الحظ السلطات السياسية والمالية غير مستعدّة اليوم لحل المشكلة عبر إعادة هيكلة القطاع المالي ككل وتوزيع الخسائر للانطلاق بورشة متكاملة. فمنذ أكثر من عامين أي منذ أحداث 17 تشرين حتى اليوم تتخذ المصارف تدابير غير قانونية من جهة، والدولة تعثرت بدفع ديونها من جهة أخرى، ما أثّر على القطاع المصرفي. وبالرغم من كل ما حدث لم يُتخذ أي إجراء لوقف هذا المسار والكارثة لا بل السلطة مستمرّة بالسياسة النقدية وعينها عبر إغراق السوق بالليرة اللبنانية وبالتالي زيادة التضخم.
* ماذا الذي تنتظره السلطة السياسية اليوم، سيّما وأنّنا على أبواب انتخابات؟
- لا وجود لأي إرادة حقيقية لإعادة هيكلة القطاع المالي وكل تأخير في معالجة أساس المشكلة ولو أنّها تكلّف السلطة السياسية غالياً، سيزيد العبء الملقى على عاتق المواطن اللبناني. كما أنّه من غير الطبيعي عدم التعاطي بجديّة، فالسلطة السياسية تحمي نفسها وترمي الحمل على الشعب. التعاطي الجدّي يوفّر استقطاب الدولارات من الخارج وكذلك إعادة الثقة عبر خطّة واضحة ومتكاملة. نعم السلطة السياسية تحاول قبل الانتخابات إشاعة أجواء إيجابية عبر تأمين شبه استقرار نقدي «حتى ما تهب العالم».
* رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال سابقاً إن المصارف غير قابلة للإصلاح وجرى الحديث عن اتجاه لتصفية المصارف أو الرجوع إلى ما يعرف بخطة لازار، ما قراءتك لهذا الموقف؟
- هذا مجرّد كلام، والسلطة السياسية مستمرّة بالتأجيل والمماطلة. فلنضع الخيارات المتاحة أمامنا، لأننا على أرض الواقع نجد أقوالاً وليس أفعالا. السلطة تحمي مصالحها وأكبر دليل على غياب الإرادة هو قانون الكابيتال كونترول وأحمّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحاكم مصرف لبنان المسؤولية الأكبر في هذا الأمر.
* المودع كان يصارع أساسًا في الحصول على أمواله، هل هو أمام مزيد من الخسائر؟
- السؤال الحقيقي اليوم، ماذا ستفعل السلطة السياسية؟ هي من جهة تعمل على تسريع وتيرة «الليرفيكاشن» ومن جهة أخرى ارتفاع في التضخم وزيادة الأسعار. الحل يكمن في ضبط طبع الليرة ومكافحة الاقتصاد الموازي وليس زيادة الضرائب. وتعاميم مصرف لبنان تسرّع «الليرفيكاشن» وهذا تهرب من إعادة هيكلة القطاع المالي. على السلطة تحمّل مسؤولياتها والأولوية لقانون الكابيتال كونترول.