لا شك أن السياسات الخارجية للولايات المتحدة في بعض محطاتها محبطة لبعض الحلفاء، وهذا الشعور تملكهم خصوصا مع ولاية الرئيس أوباما. يذكر القادة العرب الذين اجتمعوا معه في كامب ديفيد- مع الإشارة إلى مقاطعة الملك سلمان الذي لم يتوقع أي إيجابية من هذا الاجتماع- في محاولة لإقناعهم بصوابية وحكمة اتفاقه مع إيران وكيف أبدى للحاضرين إعجابه بالحرس الثوري وسألهم: لماذا لا تؤلف الدولة العربية جسما مشابها لهذه المصيبة الإرهابية؟ طبعا ساهم هذا الاجتماع في ترسيخ قناعة عند الحلفاء بأن السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس أوباما ترسم خطوطها بعيدا عن مصالحهم وضدها.
فإذا كانت روسيا اليوم- من سوريا- لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط، وإن كانت إيران متغلغلة أو مسيطرة على أربع عواصم عربية وقد تكون قاب قوسين من الاستحواذ على القنبلة النووية وتتحضر إلى أن توقع اتفاقا مع الولايات المتحدة الأميركية يرفع العقوبات عنها مما يعني أنها ستمارس بفعالية أكبر سياساتها التوسعية على حساب جيرانها من دول الخليج فهذا يعود في جزء كبير إلى سياسات أميركا الخارجية التي أرساها أوباما ويمشي اليوم على خطاها بايدن.
حلفاء أميركا في حيرة من أمرهم، ولا يعرفون كيف يواجهون تلك السياسة التي تضر مباشرة بمصالحهم. لا يصدق الحلفاء مثلا أن الاتفاق الأميركي مع إيران سيزيل الحرس الثوري من لائحة العقوبات وهو المتهم بعمليات إرهابية من بينها محاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن ناهيك عن عمليات التفجير التي أودت بحياة أميركيين وعرب كما الحال مع تفجير المارينز في بيروت، أو تفجير الخبر... إلخ..
لا يصدق الحلفاء أن أول قرارات بايدن الخارجية مثلا كانت إزالة الحوثيين من لائحة الإرهاب أو سحبه الدفاعات الجوية من السعودية ومع هذا كله يطالبها بايدن ودول الخليج بزيادة إنتاجهم للبترول كي يضبط الأسعار ويحد من ارتفاعها جراء الحرب الروسية على أوكرانيا. وهذا كله من دون مقابل.
المشكلة اليوم أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت قوية وفاعلة في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية، والحلفاء يريدون أن يكونوا في صفها ومعها، شرط أن تكون هي الأخرى معهم وفي صفهم. ولكن الانطباع السائد عند البعض هو أن إدارة بايدن بالذات مثل إدارة أوباما في السابق، تخلت عنهم.
ما العمل؟ الحلفاء لا يريدون حربا أخرى في منطقة الشرق الأوسط، ولا يريدون للولايات المتحدة أن تجتاح إيران لتخلع نظاما سيئا لشعبه وللشعوب المجاورة، إنما أيضا لا يريدون لها أن تتساهل أو أن تتفق مع إيران على حساب أمنهم القومي والاقتصادي. ففيما الحديث عن قرب توقيع الاتفاق بين البلدين ما زالت الميليشيات التابعة لطهران تقصف منشآت المملكة العربية السعودية الحيوية وتعرض اقتصاد العالم للأخطار. الحلفاء يريدون إنهاء حرب اليمن ولكن ليس لمصلحة إيران وميليشياتها التي ستبقي الدول المجاورة لها تحت التهديد.
ما العمل؟
التحدث دائما وأبدا مع الديمقراطيين ورفع الشكوى والصوت من عدم اتزان وصوابية سياسة الرئيس بايدن الخارجية بل تناقضها ومصالح أميركا وحلفائها معا. فليس كل الديمقراطيين راضين عن السياسة الخارجية للرئيس بايدن وهم لا يرون بعين الرضا إزالة الحرس الثوري عن لائحة العقوبات، وبعضهم يتساءل ما نفع العقوبات على حزب الله وباقي الفصائل التي تأتمر بأوامر طهران إن هي أزيلت من الأساس؟
ثم هناك أيضا انتظار الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني). فحسب الخبراء واستطلاعات الرأي العام لن يكون هناك عائق أمام الجمهوريين من السيطرة على المجلسين. وحينها بالرغم من أن السياسة الخارجية هي من مهام الرئيس إنما حاجته لكونغرس من أجل إزالة العقوبات عن إيران بشكل قانوني ودائم سيصطدم بالرفض من قبل أكثرية المشرعين الأميركيين ما يفتح المجال لإعادة وضعها مع مجيء رئيس جديد جمهوري يعارض الاتفاق مع إيران بالشكل الذي يقره بايدن.
من هنا يجب فهم معنى تعليق السيناتور الجمهوري تيد كروز على وعود إدارة بايدن لكل من مصر والأردن بعدم شمولهما بعقوبات قيصر في حال نقلوا الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية: «يجب أن يقلق لبنان تمامًا بشأن انتهاك العقوبات الأميركية. لن يسمح الكونغرس لفريق بايدن بإثراء وكلاء إيران، لا سيما الطغاة الدمويون مثل الأسد. سيتم فرض العقوبات الأميركية».
نوفمبر سيكون حاملا الكثير من المفاجآت وقد يعرقل جديا سياسات بايدن الانفتاحية على إيران وتنازلاته المجانية على حساب الحلفاء وأمنهم.
احذروا نوفمبر.