التنسيق الخليجي و الاتفاقيات الجماعية تضمن تجنب الأزمات المقبلة

التنسيق الخليجي و الاتفاقيات الجماعية تضمن تجنب الأزمات المقبلة


قبل الإجابة أود أن أشير إلى أن الأزمة بدأت بنكية ثم تحولت إلى مالية ثم عمّت جميع نواحي الحياة الاقتصادية.                                                         



 يمكن أن يُنظر لتعامل دول مجلس التعاون مع الأزمة من عدة زوايا من أهمها، كدول منتجة للبترول، ومن هذه الزاوية نلاحظ أن الطلب على البترول انخفض ثم انخفض سعره تبعًا لذلك. كما انخفض سعر صرف الدولار مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى، مما قلل من القيمة الشرائية للعوائد البترولية. كما أن شركات البترول الرئيسية والبنوك الدولية قد أحجمت عن مشاريع الاستثمارات البترولية وتمويلها، مما جعل عبء تمويل التوسعات في الإنتاج والنقل والتكرير والتوزيع يقع على عاتق الدول المنتجة.   


وقد أدارت دول مجلس التعاون انعكاس الأزمة على السوق البترولية باقتدار، في إطار منظمة الدول المنتجة للبترول ( أوبك)، إلا أن التعامل مع انخفاض الدولار لا يمكن أن يتم إلا في إطار دولي مثل مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي.


كدول مستثمرة في الأسواق الدولية، يجب أن نفرق بين الاستثمارات الخاصة وبين الاستثمارات العامة. فالاستثمارات الخاصة ترفض التدخل بشئونها لأسباب معلومة . أما الاستثمارات العامة فهي في الغالب حكومية متاحة لكل المؤسسات والهيئات المشابهة من جميع أنحاء العالم ولا تطلب أي تنسيق. أما الاستثمارات العامة في رؤوس أموال الشركات الأجنبية، فهي في العادة تخضع لمفاوضات بين طرفين لا يقبلان بتدخلات طرف ثالث. لذا لا يتوقع تنسيق في هذا المجال. وفيما عدا الأوراق المالية الحكومية فالاستثمارات برؤوس أموال الشركات والبنوك قد شهدت انخفاضًا حادًا.


كدول مستوردة لرأس المال، تنسق دول المجلس في هذا الإطار لجعل أسواقها جاذبة من حيث القوانين والقواعد والإجراءات، لكنها في الحصيلة النهائية تتنافس على اجتذاب المستثمرين. ولا شك أن الاستثمارات الأجنبية قد تقلصت وطال ذلك الجميع.                                              


كدول مقترضة، يقوم التنسيق بين دول المجلس في المجالات النقدية والمالية والبنكية للعمل على تحسين ملاءتها الافتراضية. إلا أنه لا يُفترض بينها أن يكون هناك تنسيق فيما بينها للحصول على القروض. وفيما عدا دول الفائض الرئيسية فإن بقية دول المجلس قد عانت كثيرًا جراء انحسار الإقراض وارتفاع تكاليفه وتعثر السداد.  


كدول مستوردة، يكون التنسيق عن طريق الاتفاقيات التجارية الجماعية للحصول على أفضل الشروط والشراء الجماعي لبعض السلع الأساسية. وهذان حاصلان قبل وأثناء وبعد الأزمة. أما عملية الاستيراد فتتم عادة بواسطة القطاع الخاص، وتخضع للمنافسة حتى داخل الدولة الواحدة.


الأزمة في الأساس كانت أمريكية ثم انتقلت إلى أوروبا، ومن ثَم انتشرت في جميع أنحاء العالم. ويتوقع أن تكون ردة الفعل الأوروبية أكثر تماسكًا.  إلا أن المشاهد هو أن التنسيق فيما بينهم كان أقل من التوقعات، ولعل البنك المركزي في منطقة اليورو كان أكثر إحساسًا بالمسئولية في هذا الجانب، وكان له دور ملموس أكثر من المؤسسات الأوروبية الأخرى. وبالنسبة للدول الآسيوية فإنها كانت قد أخذت بعض الاحتياطيات بعد أن واجهتها الأزمة الآسيوية في عام 1998، وكان تنسيقها أكثر بروزًا في المجالات النقدية. لذا شاهدنا معدلات النمو لهذه السنة، والمتوقع في السنة المقبلة سيكون أعلى من أية منطقة أخرى، أما بالنسبة لدول المجلس فقد لاحظنا عددًا من المبادرات تمثَّلت بصدور قرارات وطنية بدعم البنوك وتوفير السيولة اللازمة لاستمرار نشاطها ألإقراضي وضمان الودائع وتخفيض أسعار الفائدة إلى الحدود الدنيا، وضخ مبالغ كبيرة لتوفير السيولة اللازمة للاقتصاد وزيادة رؤوس أموال بعض البنوك واتخاذ بعض الإجراءات غير العادية للوفاء بالالتزامات، كما شاهدنا في قضية إصدار السندات الخاصة بإمارة دبي والإصرار على الاستمرار بالخطوات اللازمة لإصدار العملة الموحدة. إلا أن التنسيق كان أقل من المتوقع فيما يخص مساعدة بعض المؤسسات المشتركة التي ضربتها الأزمة في الصميم، وبعض الشركات العائلية التي كانت لها علاقة مالية في جميع دول المجلس والتي تعرضت لهزات قوية هددت كيانها وكيانات البنوك الدائنة لها.  


كانت الجهود المشتركة التي بذلها المسئولون الخليجيون لمواجهة الأزمة سريعة وفاعلة في مجال وقْف التدهور في أسعار البترول. وعلى المستوى الوطني تم توفير السيولة اللازمة للبنوك لدعمها وتشجيعها على الإقراض، وخُفِّضت أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها. وضاعفت مؤسسات التمويل الرسمية نشاطها للتعويض عن النقص الحاصل في التمويل الدولي، ولا شك أن وجود فوائض كبيرة لدى عدد من دول المجلس قد ساعدها على تخفيض آثار الأزمة وأسهم في الحيلولة من تدهور النشاط الاقتصادي. كما ساعدتها الخبرات الكبيرة التي اكتسبتها في التعامل مع الأزمات التي واجهتها في السابق أثناء الحرب العراقية الإيرانية والاحتلال العراقي لدولة الكويت والأزمة التي واجهتها المنطقة أثناء احتلال العراق. وهناك نواقص برزت في معالجة بعض جوانب الأزمة مثل الأزمة العقارية التي ما زالت تواجه بعض الإمارات، وعدم شراء أصول بعض الشركات والبنوك المتعثرة فيما عدا بعض الحالات النادرة، وتلكؤ البنوك في تقديم القروض لكي ينهض الاقتصاد من كبوته. ولا يزال هناك مجال واسع لمزيد من التنسيق بين دول المجلس حول مختلف القضايا ذات العلاقة. 


إن قيام دول المجلس بربط هياكلها الأساسية من كهرباء وقطارات واتصالات وطرق ومطارات، وربط أسواقها المالية وتوحيد عملاتها، بما في ذلك إنشاء المؤسسات المشتركة المسئولة عن هذه الأنشطة، وتكثيف الجهود للوصول إلى اتفاقيات تجارية واستثمارية مشتركة بين دول المجلس وبين دول المجموعات الاقتصادية الرئيسية، إلى جانب الخبرات التي اكتسبتها دول المجلس في إدارة الأزمات، سوف يجعل دول المجلس أكثر قدرة في المستقبل على مواجهة أية أزمات مماثلة.  




د. عبد اللـه بن إبراهيم القويز
- اقتصادي سعودي

font change