القاهرة: شهدت مصر مؤخرا حالة متزايدة من ارتفاع الأسعار، ولم يقتصر الأمرعلى المواد الغذائية والمنتجات التي ترتبط بالقمح والمحاصيل الزراعية مثل أنواع المخبوزات، ولكن امتد ليشمل السلع والمواد الأساسية والغذائية المختلفة مما انعكس بالسلب على الحالة الشرائية لطبقات واسعة من المجتمع ظهر أثرها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي ضجت بالشكوى، وربط الكثيرون بين الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل كبيرعلى حركة الاقتصاد العالمي، وتسببها في رفع أسعار المحروقات والسلع بعد تأثر حركة التجارة العالمية مما وضح أثره على الجميع.
«المجلة»حرصت على محاولة استجلاء الأمر، لبيان أسباب زيادة الأسعار من خلال الحديث مع الدكتورعمرو صالح أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق الذي أجاب حصريا على عدد من تساؤلات «المجلة»في السطور التالية:
* إلى أي مدى أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على ارتفاع الأسعار في مصر؟
- جميع الدول تعاني خلال الفترة الحالية من ارتفاع الأسعار، ولا يقتصر الأمر على الدول الفقيرة أو النامية، والدول المتقدمة أيضا تأثرت بشكل أو بآخر، وكما رأينا فأوروبا تعاني حاليا بسبب واردات الغاز على اعتبار أنها تعتمد في حوالي 40 في المائة على الغاز الروسي، والولايات المتحدة الأميركية تعاني بسبب أزمة سلاسل التوريد على مستوى العالم.
* وما رؤيتكم لحجم معاناة الدول العربية في هذا الصدد ومن بينها مصر؟
- الدول العربية بلا شك تعاني أيضا لأنها تقوم بإستيراد 25 في المائة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، ومصر الأكثر معاناة في هذا الأمر نظرا لعدد سكانها الذي يتجاوز 100 مليون نسمة، وبالرغم من أن مصر تعد ثاني أو ثالث اقتصاد بالنسبة للدول العربية، لكن عدد السكان، وحجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها هي أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المعاناة ملحوظة، وكذلك اعتماد هيكل التجارة على الواردات من الخارج، ووجود أنماط كبيرة من الاستهلاك العالي فهي من أوائل الدول على مستوى العالم في استهلاك القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا، حيث إن الأولى لديها 30 في المائة من موارد العالم الطبيعية، و80 في المائة من صادرات الذرة، و30 في المائة من صادرات القمح العالمي منها ومن أوكرانيا، ومصر كما نعلم أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
* هل هناك أسباب أخرى لذلك بخلاف جعل الأمور في مصر تبدو أسوأ؟
- مصر خرجت مؤخرا من تحديات اقتصادية كبيرة، وتقوم بعملية إصلاح اقتصادي عسير، وهي في مرحلة بناء وهذا يعني استنزاف الموازنة العامة، لذلك فمصر تحتاج رفع الإيرادات وفي نفس الوقت خفض النفقات، وأيضا تعتمد على السياحة التي تعرضت لخسائر كبيرة بسبب وقف السياحة الروسية والأوكرانية مؤخرا، وهي كلها عوامل تؤثر على مصر بشكل مباشر.
* ما الأسباب غير المباشرة للأزمة وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي؟
- بالطبع، ضعف سلاسل التوريد وارتفاع تكلفة الشحن يرفع أسعار المنتجات عالميا، ومصر مستوردة للكثير من احتياجاتها، ورغم أن مصر رفعت قيمة الصادرات إلى رقم قياسي بحجم 30 مليار دولار- وهو ما يحسب للاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة- واستطاعت بذلك خفض التضخم والتحكم في أشياء كثيرة من التضخم والبطالة، ورفع حجم الصادرات مقارنة بالواردات، وبالتالي تعديل هيكل التجارة الخارجية، وهيكلة الموازنة العامة.
* توقعاتكم لعمر الأزمة، وهل معاناة شعوب العالم ستحد من تناميها؟
- الأزمة كبيرة وقوية نظرا لأنها مرتبطة ليس فقط بأسعار النفط والبترول، ولكن بالصراع الخفي بين أميركا وروسيا، والأخيرة تعد هدفا تكتيكيا بالإضافة للصين التي تعد هدفا استراتيجيا لأميركا، فالصراع الخفي بين الكتلة الشرقية المتمثلة في الصين وروسيا من جانب، وأميركا وأوروبا من الجانب الآخر، أحدث توترا في الاقتصاد والتجارة بين دول العالم، وهو الخلاف الذي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التوترات، ويعد سببا لما يحدث حاليا في أوكرانيا في جر روسيا إلى الحرب.
* هل سيتفاقم الوضع بشكل أكبر.. أم ستكون هناك انفراجه قادمة؟
- لا أعتقد أن الأمور ستتطور بشكل أسوأ من الوضع الحالي فالعالم لا يتحمل أزمتين متتاليتين، حيث خرج للتو من أزمة الفيروس، ولا أعتقد أن الاقتصاد العالمي أو القائمين على المنظومة الاقتصادية في العالم سيتحملون توالي الأزمات بهذا الشكل ومن بينهم القوى الكبرى في العالم (أميركا وروسيا والصين وأوروبا)، وأتوقع أن تنتهي الحرب بشكل سريع، وأن تمتد الآثار الاقتصادية لفترة متوسطة لا تتعدى عاما، وينطبق الأمر على مصر والدول العربية بالطبع، لكنه درس لمصر والدول المختلفة في ضرورة الاعتماد على النفس، وتنويع هيكل التجارة الخارجية في الصادرات الرئيسية المكونة للغذاء والاقتصاد.