دمشق: مع أي أزمة في العالم يعود الملف السوري إلى الواجهة إلى جانب الأحداث الأخرى الحاصلة على اعتبار دمشق جزءا من أي تسوية، من الملف النووي الإيراني المرتبط بتواجد طهران العسكري في سوريا بالنسبة للغرب، والذي لم يعلن بشكل غير مباشر عن ذلك، إلى الحرب الروسية الأوكرانية حيث إنّ أي عملية تسوية مرتقبة ستنعكس على الملف السوري لارتباطه بالجانب الروسي الذي أعلن تدخله جوياً في البلاد عام 2014 .
لكن بعيداً عن التسويات العالمية تعود المشكلة الاقتصادية من جديد على المواطن السوري الذي يحاول الخروج من الأزمات المتعاقبة سواء الداخلية منها بحرب عسكرية امتدت لعشر سنوات أو فقدان الخدمات والمواد الغذائية، ونتيجة الحرب المندلعة لأسبوعين في أوروبا، عاد الحديث عن أزمة غذاء في سوريا؛ إذ إنّ مواردها غير كافية حالياً مع أسعار ملتهبة وسط دخل شهري للغالبية لا يتعدى 100 دولار.
ما إن أعلنت العملية حتى اختفت السلع!
العديد من المواد اختفت من السوق وعثر عليها بسعر مرتفع جداً، على سبيل المثال وصل سعر لتر الزيت إلى 13500 للتر الزيت النباتي الواحد بمعدل 40 في المائة زيادة، عما كان في السابق.
يقول الخبير الاقتصادي عمار يوسف: «إن استيراد المواد الغذائية هو حكر على تجار بعينهم، ولا يمكن لسواهم الحصول على إجازات استيراد، واختفاء بعض السلع منذ بدء حرب روسيا وأوكرانيا ليس متعلقاً بها وإنما باحتكار واستغلال التجار لأي أزمة تحدث في العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه أن حرب روسيا لم تبدأ إلا منذ 15 يوماً هل نفذ مخزون الزيت أو القمح أو أياً يكن بهذه السرعة؟».
ويتابع يوسف أنه يمكن لأي شخص في سوريا الاستيراد ولكن إجازات الاستيراد ليست متوفرة، فعلى سبيل المثال يمكن الحصول على موافقة استيراد البضاعة التي تشاء لكن ستبقى البضاعة في الموانئ حتى تنتهي مدة صلاحيتها.
وحول العقوبات يبين يوسف أن العقوبات المفروضة على سوريا لا تشمل الغذاء والطعام ووقود التدفئة وغاز الطبخ ومواد الزراعة والدواء، وبالتالي فإن فقدان أي مادة في الأسواق ليس له علاقة لا بحرب روسيا وأوكرانيا ولا حتى بالعقوبات على سوريا، وإنما حرب تجار حيث يتم سحب المواد الأساسية من أجل رفع سعرها.
وتبين الإحصاءات الرسمية أن التضخم السنوي قدر عام 2020 بحوالي 163 في المائة، الأمر الذي تسبب في عودة طبقة ما تحت خط الفقر، غير الآمنة غذائياً، مع تواضع من قبل الجهات الرقابية لضبط السوق حيث تقتصر المراقبة على بائعي المفرق أو الجملة دون التطرق إلى المستوردين.
مواطن يبحث عن مصباح علاء الدين تحت الركام
«لقد تلقينا خبر اشتعال الحرب في أوكرانيا من قبل روسيا، وهنا بدأ الخوف يدب في أجسادنا، فإذا حدثت حرب في جزر القمر فسوف نتأثر بها، وبالطبع فإن العقوبات هي التي ستوضع في (بوز المدفع)»..
كانت الجملة السابقة تعليقاً سريعاً من أبو أحمد (اسم مستعار) لرجل لديه 5 أبناء، عن فقدان الأغذية الأساسية من السوق، مشيراً إلى أن اختفاء هذه المواد جزء من منهجية متبعة هدفها ربما جعل الناس تنشغل بأمور حياتهم اليومية.
يقول أبو أحمد: «اختفى الزيت النباتي تماماً وارتفعت أسعار المنتجات، حيث أصبح سعر كيلو السكر في السوق الحرة إلى 4000 ليرة سورية، وتوازى ذلك مع انخفاض عدد من وسائل النقل أكثر مما هي عليه»، ويتابع ساخرا: «كل شيء اليوم صار له علاقة بالحرب، من قبل كانت العقوبات، وقبلها حرب ومجموعات إرهابية، لنشوف إذا خلصت الحرب، شو حتكون الحجة الجديدة».
يرى أبو أحمد أن الحرب الروسية الأوكرانية، تجري وكأنها في سوريا لا في أوكرانيا، ويستفسر: «هل ارتفاع الأسعار واختفاء المواد هو من آثار الحرب في الخارج أم ما تبقى من حربنا الداخلية وما أنتجته من احتكاريين واستغلاليين، فأنا اليوم كموظف لا يمكنني شراء أكثر من لتر زيت واحد في الشهر، مقارنة بما أتقاضاه من راتب شهري».
تعهد «بخفض سعر الزيت»
نتيجة الاختفاء والارتفاع أعلن وزير التجارة الداخلية في سوريا عمرو سالم، البدء بضخ كميات جيدة من زيت دوار الشمس في الأسواق، وأن الأسعار ستنخفض تدريجياً خلال أسبوع.
الوزير اعترف بمنشور على «فيسبوك» عبر صفحته الشخصية عن وجود وضع عالمي مستجد، أثر على أسعار المواد الأساسية وعلى رأسها الزيت، مؤكداً السعي والعمل جميعاً لتأمين متطلبات المواطنين.
وترك تصريح الوزير شكوكاً وتساؤلات لدى المواطنين عن كيفية وجود المادة، وكان تمام العقدة مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية، قد صرح سابقاً عن وجود صعوبات تعوق وصول الزيت النباتي إلى سوريا، بالإضافة لإعلان المؤسسة السورية للتجارة عن مناقصة لاستيراد 25 مليون لتر من الزيت، لتأمين حاجة الأهالي لدورتين متكاملتين.
أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزه، بين لوسيلة إعلام محلية أن سبب ارتفاع الأسعار يعود لفوضى الأسواق، جرّاء استبعاد التجار من الدعم، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
ورأى حبزة، أن الحل الأفضل هو الحوار بين الحكومة والتجار بنوع من «الاستلطاف»، وفي حال عدم التجاوب يجب أن تتخذ الحكومة الإجراءات القسرية المناسبة.
بديل الغذاء.. الموت بالسم
بعد اختفاء الزيت وعودته واقتراب اختفاء القمح، ما الذي بقي في سوريا؟ تتساءل فاطمة موصلي وهي امرأة عاملة وأم لثلاثة أطفال، وتجيب بنفسها: «لا أدري ربما زيت الزيتون بات حلماً والخبز والطعام بمجمله بات حلماً، بعد أن كان في متناول أيدينا».
وتتابع: «اليوم الزيت النباتي، اختفى وارتفع ثمنه وغداً القمح والسمنة، مطالبة المسؤولين عن اختفاء المواد بإيجاد بديل لهذه المنتجات.. امنحونا سماً سريع المفعول إن لم تجدوا البديل اللازم؛ علّ السم يكون مفيداً ومريحاً من هذه الحياة».
وتضحك فاطمة بشكل أشبه بالشخص المصاب الذي لم يفق من الصدمة: «يتوجب علينا متابعة كافة أخبار العالم، لأن كل ما يحدث يهمنا، الأحداث جميعها مؤثرة ليست فقط في أماكن حدوثها بل على سوريا وعلى مواطنيها أيضاً، وبالطبع سيساهم في فقدان شيء ما وضياعه».
تتناقل فاطمة الإشاعات الواردة عبر صفحات التواصل الاجتماعي للسوريين معتبرة أن الإشاعات هي أحداث حقيقية ستقع لكنها تحتاج إلى الوقت، وتقول إن إحدى الإشاعات هي فقدان القمح أيضاً في صباح يوم ما، «وإذا ما حدث هذا فسيكون الوضع صعباً للغاية.. لا أعلم كيف أعيش أنا وأطفالي، أشعر بالندم الشديد لعدم ركوبي قارباً للموت مع الذين نجوا أو ماتوا على طريق أوروبا فبهذه الطريقة إما عشنا بكرامة أو متنا شهداء غرقى».
كمال أبو الجفا خبير عسكري: التأثيرات «لا نكون أو لا نكون»
كمال الجفا خبير عسكري قال لـ«المجلة»: إن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية سيكون مباشراً بسبب عدة عوامل:
أولها: أن التجار مع بداية الحرب تخوفوا مما قد يحصل، ولم تطمئن الحكومة تجارها ولا مواطنيها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع الدولار واختفاء الزيت، والأمر يعود لعدم الثقة بين المستويات الثلاثة الحكومة والتجار والمواطنين.
ثانيها: يتعلق بإمدادات القمح والعقود المتفق عليها من أجل الاستيراد، سواء من الجانب الروسي أو الأوكراني.
أما العامل الثالث، وهو الأسوأ؛ فيما لو انتكست روسيا في أوكرانيا أو تراجعت عن تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، أو طالت هذه العملية بعكس خطة الروس مع وقوع خسائر فادحة في الجيش الروسي، وهنا سوف يؤثر بشكل كبير، خصوصاً أن سوريا تعتمد على روسيا، والأخيرة أصبحت أولوياتها النجاح في أوكرانيا، وطبعا لا يعني أنها ستستغني عن سوريا بشكل من الأشكال، بل على العكس هي تريد سوريا، لكن ستكون منشغلة بمعاركها لا بتأمين موارد إلى سوريا، ما قد يكون من الطبيعي اختفاء القمح في السوق السورية.