بون: عند الحديث عن علاقة ما بين تنظيم القاعدة ودولة مثل إيران، فالحديث يكون مختلفا والأمر يكون أخطر بسبب التخادم بين الطرفين في مجال تأمين الملاذات الآمنة والتدريب والتخطيط والتمويل، وتنفيذ العمليات الإرهابية على مستوى دولي. تكمن الخطورة، أن سمحت إيران لتنظيم القاعدة بفتح معسكرات التدريب والتجنيد، واعتماد مقرات قيادة لتنفيذ عمليات إرهابية حول العالم إلى جانب الحصول على الكثير من التكنولوجيا المتقدمة من أجل عمليات إرهابية تخدم مصالح إيران. لا يزال تنظيم القاعدة، يمثل تهديدا قائما للأمن الدولي.
قيادات «القاعدة» في ضيافة إيران
إن أي مراجعة لتاريخ علاقة إيران بتنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر (أيلول) وبناءً على الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في مجمع أسامة بن لادن في أبوت آباد في 2011 تكشف ذلك التعاون بين تنظيم القاعدة وإيران، رغم أن بعض المحللين كان لهم رأي مخالف لذلك. ومع وصول القوات الأميركية إلى أفغانستان فر المئات من قيادات الصف الثاني وعناصر من تنظيم القاعدة وعوائلهم نحو إيران، حيث جهزت لهم السلطات مخيمات داخلها، في الوقت الذي اختبأت فيه القيادات العليا في باكستان.
وتكشف وثائق أبوت آباد الكثير من المراسلات التي تمت بين أسامة بن لادن مع القيادي السابق في القاعدة أبو عبد الرحمن أنس السبيعي، المعروف باسم «أبو أنس الليبي»، الذي شرح كافة تفاصيل تعامل الإيرانيين مع قيادات تنظيم القاعدة وتفاصيل تنقلاتهم. وبعد مقتل أسامة بن لادن استمرت العلاقات مع إيران بين صعود وهبوط في ظل زعامة أيمن الظواهري للتنظيم، إذ كشفت الخلافات بين تنظيم داعش وفرع تنظيم القاعدة في سوريا جبهة النصرة عام 2015، الحلف بين الجانبين، حيث قال أبو محمد العدناني، الناطق السابق باسم تنظيم داعش في كلمة مسجلة له بعنوان «عذراً أمير القاعدة»: «ن التنظيم لم يضرب الروافض في إيران منذ نشأتها.. امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران.. نعم، فليسجل التاريخ للقاعدة ديناً ثميناً في عنق إيران».
لعل من أبرز الشخصيات التي استضافتها إيران على أراضيها بعض من أفراد عائلة أسامة بن لادن، ومنهم إحدى زوجاته، وولداه خالد وسعد وابنته إيمان، إضافة إلى سيف العدل القائد الأمني البارز بالتنظيم، وأبو محمد المصري، إضافة إلى أبو مصعب السوري، وأبو مصعب الزرقاوي، الذين كانوا تحت الإقامة الجبرية لفترة معينة.
وكشفت عملية اغتيال القيادي في تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله، المعروف باسم أبو محمد المصري، وابنته مريم في طهران، أبعاد هذه العلاقة وعمقها. على الرغم من أن قبول إيران للقاعدة أمر استفزازي للغرب، إلا أنه لا يوازي الدعم الواسع، الذي قدمته طهران للجماعات المتطرفة والتي تعمل بالوكالة عنها في المنطقة.
جذور العلاقة بين القاعدة وإيران
وتعتبر العلاقة بين القاعدة وإيران علاقة جديدة قديمة، تم توثيقها من خلال مجموعة من التقييمات الاستخباراتية الأميركية المفتوحة، ووثائق القاعدة التي رفعت عنها السرية، والبيانات والمنشورات. وما زالت إيران تقدم دعما كبيرا إلى تنظيم القاعدة ساعد التنظيم على البقاء والاستمرار، وتكمن أهمية الدعم في وقت الأزمات.
وتعود جذور العلاقة بين القاعدة وإيران، إلى أوائل التسعينيات، في ذلك الوقت أبرمت القاعدة وإيران اتفاقية تضمنت تدريب أعضاء من القاعدة مع عملاء استخبارات إيرانيين في إيران ووادي البقاع في لبنان. قدمت إيران لعملاء القاعدة الدعم اللوجيستي والسفر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بعد انتقال القاعدة من السودان إلى أفغانستان. وفقًا لتقرير لجنة 11 سبتمبر، رتبت إيران عبور أعضاء القاعدة من وإلى أفغانستان وكان بعضهم أعضاء مجموعة أحداث 11 سيتمبر، والأكثر من ذلك فتحت إيران حدودها أمام المقاتلين «الجهاديين» العرب الراغبين في السفر إلى أفغانستان.
وبالتوازي مع علاقة إيران بتنظيم القاعدة، يدعم الحرس الثوري الإيراني حزب الله عمليًا وماليًا في خضم اضطرابات الحرب الأهلية اللبنانية في أوائل الثمانينيات، ليتحول إلى ذراع إيرانية حاصلة على التدريب والتسلح والآيديولوجيا المتطرفة. وعلاقة القاعدة مع إيران خفضت الحد من الخلافات بين إيران والقاعدة وربما الفضل يعود إلى القيادي في حزب الله عماد مغنية.
فبعد لقاء الخرطوم بقيادات القاعدة وحزب الله في الخرطوم، أرسلت القاعدة مجموعة من قياداتها العسكرية إلى لبنان. ولم يكتفِ تنظيم القاعدة بالخروج من لبنان بفيديوهات تدريبية ودعاية، بل تلقى كمية كبيرة من المتفجرات من إيران استُخدمت في قصف أهداف في شرق أفريقيا.
والتقى الظواهري بالقيادي في حزب الله، عماد مغنية، خلال تلك الزيارة، وأرسل فيما بعد أعضاء من حركة الظواهري للتدريب مع حزب الله في لبنان. واستطاع الظواهري أن يفتح باباً للعلاقة بين بن لادن والمسؤولين الإيرانيين، أسفرت عن اتفاق للتعاون في تقديم الدعم حتى لو كان التدريب فقط للأعمال المنفذة في المقام الأول ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وساعدت طهران التنظيم في الكثير من نشاطاته وعملياته؛ عبر التسهيل والتدريب والدعم اللوجيستي، ما مكن التنظيم من تقوية شبكة انتشاره في أفغانستان وباكستان واليمن، إضافة إلى نشاطاته في أنحاء العالم.
تعاون تكتيكي
إن التعاون بين الجماعات المتطرفة والحكومات المارقة مثل إيران، تقوم على التكتيكات الإرهابية على مستوى دول أو منظمات إرهابية. تشير مراجعة الأدبيات للتعاون الإرهابي إلى أربعة أنواع عامة من التعاون (بترتيب تنازلي لنقاط القوة): الاندماجات، والتحالفات الاستراتيجية، والتعاون التكتيكي، والتعاون في المعاملات. ويختلف التعاون وفق العوامل التالية: المدة المتوقعة للتعاون؛ درجة الترابط بين الكيانين؛ تنوع الأنشطة التعاونية التي تشارك فيها المجموعات؛ تقاربهم الآيديولوجي. ومستوى الثقة المتبادلة.
لقد اقتصر التعاون بين إيران والقاعدة على المجال اللوجيستي والمجال العملياتي، لكنها لم تشمل التعاون الآيديولوجي. وبدون شك حافظت إيران والقاعدة على آيديولوجيتين منفصلتين وغير متوافقتين وهذا ما يوصف بأنه علاقة «برغماتية» تضمن التخادم وتبادل المصالح بين الطرفين.
تناوبت العلاقة بين إيران والقاعدة بين فترات من التعاون المركز، رغم ما واجه هذه العلاقة من توترات في بعض الأحيان، فهي علاقة «زواج طويل الأمد أو زواج مصلحة». على الرغم من أهدافهما الآيديولوجية والاستراتيجية المتباينة، حددت كل من القاعدة وإيران، في مراحل مختلفة من تاريخهما المشترك، مصالح تكتيكية أو تشغيلية يمكن تعزيزها من خلال التعاون المتبادل والتي تجاوزت أهميتها أي تحفظات عقائدية على مثل هذا التعاون.
مخيم هرات على الحدود الإيرانية
تقع مدينة هرات على بعد 150 كيلومترا من الحدود الإيرانية وعاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه. واجهت إيران على مدى سنوات اتهامات بالتعاون مع تنظيم القاعدة. قبل عشرين عامًا، عبر نحو 1.5 مليون لاجئ الحدود الغربية لأفغانستان إلى إيران أثناء الاحتلال السوفياتي.
اهتمت الحكومة الإيرانية بهؤلاء الأفغان الذين شعروا بألفة ثقافية ولغوية معهم دون مساعدة من المجتمع الدولي. أصبحت مخيمات اللاجئين الآن مجتمعات مستقرة، مندمجة إلى حد ما في المجتمع الإيراني. لكن في عامي 1996 و1997، بدأت مجموعات جديدة من الناس في الانتقال إلى الحدود الغربية، هذه المرة استجابةً للجفاف والوجود القاسي المتزايد لطالبان. وينتمي الكثيرون إلى أقلية الهزارة العرقية التي تحتقرها طالبان لأنهم من المسلمين الشيعة. والبعض الآخر طاجيك وأوزبك، وآخرون من البشتون. استغلت إيران حالة الفقر والعوز كثيرا في مخيمات هرات ليكونوا في الغالب عناصر جديدة في تنظيم القاعدة وجماعات أخرى تكون مرتزقة في الميليشيات الإيرانية في سوريا ودول أخرى.
وكشفت تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 15 يناير (كانون الثاني) 2021- التي جاءت قبل أسبوع فقط من مغادرة الرئيس دونالد ترامب منصبه- أن إيران هي«أفغانستان الجديدة» لمقاتلي القاعدة. وصرح بومبيو علنا للمرة الأولى أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله المعروف باسم أبو محمد المصري، اغتيل في طهران في أغسطس (آب) 2020 ليدعم حقيقة تقديم إيران الحماية والملاذ الآمن لقيادات القاعدة.
مهادنة إدارة بايدن لإيران
السؤال الذي ما زال مفتوحا، هو أسباب عدم إدانة إيران من قبل أميركا ومن قبل الأمم المتحدة، مجلس الأمن بسبب علاقتها مع إيران، ويمكن أن يكون السبب هو سياسة غض النظر عن إيران، أو بالأحرى سياسة مهادنة إيران خاصة خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما والآن خلال إدارة بايدن.وليس بعيدا عن المفاوضات في فيينا بين الولايات المتحدة إلى جانب دول أوروبا خمسة زائد واحد. ما زالت إدارة أوباما تعمل تحت أي ثمن للوصول إلى اتفاق مع إيران، ويمكن أن يكون السبب، هو «رؤية أميركية» بأنها تريد إيران دون سلاح نووي، لأن ذلك يمثل تهديدا للأمن الدولي.
ما ينبغي أن تعمل به الولايات المتحدة، تحديدا ووزارة الخزانة الأميركية وضع حد للتهديدات الأميركية والإشارة بالاسم إلى إيران ووضع قيادات إيرانية، خاصة من الحرس الثوري، فيلق القدس على قوائم الإرهاب بالتوازي مع كشف علاقة إيران بالقاعدة وبأذرعها الأخرى من الجماعات المتطرفة بكل أطيافها.