بيروت: تلفظ حرية الإعلام والصحافة في لبنان أنفاسها الأخيرة، إذ باتت أساليب «خنق» حنجرة الحبر والصوت والصورة، تعكس وبشكل واضح حجم خوف السلطة السياسية الغارقة في الإخفاقات والفساد والإفلات من العقاب.
وأضحت أساليب «خنق» حرية الإعلام والصحافة والتعبير في لبنان معروفة سواء عبر حملات التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي ضدّ الصحافيين والناشطين، مروراً باستدعاءات أمنية وقضائية، وصولاً إلى الحجب وأحياناً الاغتيال!
وثمّة ما عاود تذكيرنا بأنّ قدر الصحافي في لبنان أن يخوض معركة الحرية لحدودها القصوى، إذ أعلن رئيس تحرير موقع «لبنان الكبير» محمد نمر عن عدم المثول أمام المباحث الجنائية، بعد أن تقدّمت رئاسة الجمهورية بإخبار ضدّ الموقع ورئيس تحريره على خلفية نشر خبر بعنوان «كيف موّل التيار الوطني حملته الانتخابية؟».
وفي الخبر المنشور، أن «عدداً من رؤساء مجالس إدارة المصارف وعلى خلفية استدعائهم للتحقيق في قضايا مالية، زاروا أحد المستشارين لموقع دستوري رفيع في القصر الجمهوري، وجرى إعلامهم بضرورة دفع مبالغ مالية مقابل عدم استدعائهم والتحقيق معهم، وذلك لاستخدام هذه الأموال في تمويل حملة التيار الوطني الحر الانتخابية»، ما استفزّ مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي بادر إلى نفي تلك «المزاعم».
وعقب الوقفة الإعلامية التضامنية في مكاتب «لبنان الكبير»، قال نمر في حديث لـ«المجلة»: «كانت اليوم الرسالة واضحة لكل من يريد أن يتعامل مع الصحافيين على أنهم مجرمون. وبالتالي حجم التضامن النقابي والإعلامي وحتى السياسيين الذين حضروا إلى المكتب تزامناً مع وقت مثولي أمام المباحث الجنائية ليؤكد أن «هناك من يريد الدفاع عن الحريات وعن الصحافي، وبالتالي عدم المثول هو لعدم تسجيل سابقة جديدة في دفع الصحافيين للتحقيق أمام أجهزة أو مراجع غير صالحة فيما المرجع الصالح هو محكمة المطبوعات».
وأضاف: «كان قراري بعدم المثول، لأنه واضح أن هناك من يريد إعادة لبنان إلى زمن الإخبارات، وزمن النظام الأمني وبالتالي أعتقد أن هذا الزمن انتهى وولّى. نحن في بلد الحريات الذي تنشدّه بيروت في كل المحافل العربية والدولية».
وتابع: «أنا أحترم القضاء وتحت سقف القانون، ومن المفترض أن أنتظر الموقف والقرار بعد تحويل الإخبار إلى محكمة المطبوعات، علماً أن الخبر لم يمس برئاسة الجمهورية بل تحدث عن مستشار مرجع دستوري كبير، عن التيّار الوطني الحر، عن مصارف، والأطراف الثلاثة لم تصدر أي نفي وإذ يأتي النفي من القصر الجمهوري وهذا ما كان مستغرباً».
وأردف نمر: «كان الطلب وكذلك التوصية واضحة من 28 محاميا بادروا للدفاع عنّي بعدم المثول. وكانت هناك مشاورات مع زملاء صحافيين ومؤسسات عريقة ومواقع ونقابيين بهذا الخصوص، أيضاً نصحوا بعدم المثول، وكذلك موقف نقابة الصحافة ونقابة المحررين والمنصات المدافعة عن الصحافيين والحريات مثل (النقابة البديلة) و(سكايز) و(إعلاميون ضدّ العنف) و(إعلاميون من أجل الحرية) وأيضاَ (تجمع الصحافيين المستقلّين) جميعها أيّدوا هذا الموقف، إذ إن الموضوع ليس مجرّد خبر بل هو مرتبط بوضع الصحافيين في لبنان».
وشدّد على أنّه «حان الوقت لتعديل القانون أو تغييره بالكامل، نحن ما زلنا نعيش على قانون يرتبط بامتيازات صدرت عام 1967 وهذا قانون مهترئ. يجب أن يكون هناك قانون جديد يواكب الحريات أولاً، وثانياً أن يواكب التطور في عالم الصحافة والإعلام تحديداً موضوع المواقع الإلكترونيه»، لافتاً إلى أننا «لسنا مجرمين ليتم التعامل معنا عبر المباحث الجنائية مع احترامنا الكامل للقضاء».
وختم نمر: «قلت بشكل واضح إن الموضوع مرتبط بانزعاج من موقع لبنان الكبير ومن سسياسته المعارضة للعهد وربّما من اسمه حتى. وبالتالي لا أرى سوى الكيدية عندما يتم دفع الصحافي إلى مكان كالمباحث الجنائية»، مضيفاً: «لست أنا ولا لبنان الكبير من فجّر مرفأ بيروت ولا من أوصل لبنان إلى جهنّم ولا من سلّم البلد للنفوذ الإيراني ولا أنا من عزلت لبنان عن محيطه العربي ووضعت السلاح غير الشرعي في الشارع لمواجهة اللبنانيين ولا أنا من رفع سعر الدولار. فليهتموا بمعاناة الناس فهناك (الشغل المزبوط)».