خبراء عرب دعوا إلى مواجهة ظاهرة «الفرانكو آراب»
• لغة «الفرانكو آراب» ظهرت لضرورات عملية لها علاقة بأجهزة الاتصال الحديثة.. ومع الوقت باتت أسلوب حياة لدى قطاع عريض من الشباب
القاهرة: خالد أبو الروس
مع ازدياد إقبال الشباب العربي من الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ يطفو على السطح أسلوب غريب للتواصل بالكتابة والأغاني، يجمع بين العربية واللاتينية في آن واحد، ويعرف بطريقة «الفرانكو آراب»، وهناك من يفضل تسميتها «العربيزي» أو «الأنجلو آراب»، وغيرها من الأسماء.
ويرجع بعض الباحثين أسباب ظهورها أولاً لانتشار الهواتف المحمولة والذكية، وبرامج الحواسيب والبرمجة، وافتقار بعض هذه الأجهزة والبرامج للغة العربية، مما ولد الحاجة لاستخدام الحروف اللاتينية للتعبير عن الكلمات العربية، فضلاً عن إيجاد طريقة يمكن من خلالها التفاهم والتحدث مع العمالة الآسيوية من غير الناطقين بالعربية.
هل الحروف العربية عاجزة عن مواكبة التقدم؟
هناك شريحة تعتبر الكتابة بهذه الطريقة مسايرة لعصر التقدم والتطور والثورة على كل ما هو قديم وتقليدي، فالحروف العربية في نظرهم عاجزة عن مواكبة هذا التقدم. و«الفرانكو آراب» هو أبجدية مُستحدَثة غير رسمية، ظهرت منذ بضع سنوات، وأصبحت تُستخدم على نطاق واسع بين الشباب في الكتابة عبر برامج الدردشة على الإنترنت في المنطقة العربية، وتُنطق هذه اللغة مثل العربية تماماً، إلا أن الأحرف المستخدمة في الكتابة هي الأحرف والأرقام اللاتينية بطريقة تُشبه الشَّفرة، ومن هذه الرموز: (2:أ)، و(3:ع)، و(5:خ)، و(6:ط)، و(7:ح)، و(8:غ).
[caption id="attachment_55258447" align="alignleft" width="225"] الدكتور عوض سعد[/caption]
لكن هل كان للعرب قديماً محاولات للكتابة بحروف غير عربية، أو بـ«الفرانكو آراب»؟ ولماذا؟ يؤكد الدكتور أحمد عمر، مدرس الفلسفة بكلية الآداب بجامعة أسيوط، الباحث الأول بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، على أنه عندما سقطت غرناطة سنة 1492، وطُوي حكم المسلمين في الأندلس، صار المسلمون غرباء مضطهدين في تلك البلاد، ومارست السلطات الكاثوليكية ومحاكم التفتيش ضغطاً شديداً عليهم للتخلي عن الإسلام، واعتناق المسيحية والتحدث بالقشتالية (الإسبانية) بدل العربية.
ويضيف أنه في ظل هذا القرار، قرر المسلمون المضطهدون ممارسة الإسلام خفية، ومحاولة الحفاظ على ما تبقى لهم من تراثهم وثقافتهم، باللجوء لاستعمال لغة الألخمياد، أو عجمية الأندلس، وهي لغة رومانية قشتالية كُتبت بأحرف عربية، فدونوا بها كل ما يتعلق بالإسلام وثقافته، في محاولة منهم للحفاظ قدر الإمكان على هويتهم العربية الإسلامية.
لغة الألخمياد
ويتابع الدكتور عمر أنه يمكن اعتبار لغة الألخمياد أول شكل من أشكال لغة «الفرانكو آراب»، لكنها على العكس من «الفرانكو آراب» الجديدة، كتبت بالأبجدية العربية، في محاولة أخيرة من الأندلسيين للدفاع عن هويتهم وثقافتهم، لوعيهم بأن الابتعاد عن اللغة العربية هو ابتعاد عن الهوية والثقافة الأصلية، ومقدمة لاندثارهم.
ويشير عمر إلى أن «الفرانكو آراب» الجديد هو أبجدية مستحدثة ظهرت مع بداية التسعينات على نطاق واسع بين الشباب في الكتابة عبر الدردشة على الإنترنت ورسائل المحمول، وتنطق هذه اللغة مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف والأرقام اللاتينية، وقد ظهرت في البداية لضرورات عملية لها علاقة بعدم اعتماد اللغة العربية ببرامج المحادثات الجديدة في بداية إصدارها، ثم انتشرت على نطاق واسع بين الشباب بعد أن أصبحت شفرة خاصة بينهم، لا يترجمها ويفهمها غيرهم.
ويكشف عن أنه ربما غاب عن هؤلاء الشباب أنهم باستحداثهم لهذه اللغة الجديدة، التي تستبدل الأبجدية اللاتينية بالأبجدية العربية، وجعلها أداة للتعبير والتفكير، ينفذون على نحو غير واع خطة المستعمر القديم الذي سعى في البلاد العربية المُستعمرة لاستبدال الحروف العربيّة بالحروف اللاتينية، في محاولة لتغريب الأجيال الجديدة عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم، ليسهل له بعد ذلك السيطرة عليهم.
وأضاف عمر: وبالتالي فلغة «الفرانكو آراب» التي ظهرت في البداية لضرورات عملية لها علاقة بأجهزة الاتصال الحديثة، صارت مع الوقت نتيجة لانتشارها، ربما على نحو مُخطط له، أسلوب حياة وتفكير لدى قطاع عريض من الشباب، وأداة لمسخ اللغة والثقافة والهوية العربية، ولتغريب الأجيال الجديدة عن تراثهم وتاريخهم، لينجح المستعمر الجديد فيما فشل فيه المُستعمر القديم. وهنا تتجلى بوضوح خطورتها وضرورات مقاومتها.
ومن جانبه، يقول الدكتور عمار علي حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسي والأديب، إن أضرار «الفرانكو آراب» بالغة الخطورة على المجتمعات العربية، خصوصاً أنها انتقلت من العالم الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي إلى بطون الكتب، إذ إن بعض الشباب يكتب أعمالاً سردية يطلقون عليها قصصاً ومسرحيات ونصوصاً شعرية بهذه اللغة، وللأسف هناك إقبال شديد من بعض الشباب، لا سيما صغار السن، على شراء هذه الأعمال، ووصل الأمر إلى درجة أن أحدهم قام بتأليف رواية كاملة بهذه اللغة، بعد أن كان الأمر يقتصر علي أعمال أدبية باللغة العربية البسيطة.
[caption id="attachment_55258448" align="alignright" width="300"] حلمي بكر[/caption]
ويضيف: قطعاً هذه اللغة الهجين ليست تبسيطاً للغة العربية، مثلما حاول توفيق الحكيم ونجيب محفوظ في حديثهما عن اللغة الفصحى الدارجة، أو الدرجة الثالثة من اللغة الفصحى كلغة للحوار، مشيراً إلى أن ما يحدث ليس تطويراً للغة بحيث تجاري سرعة إيقاعها، ولا حتى الجهد الذي بذل في سبيل أن تتخلص لغة الكتابة الأدبية من شكلها التقليدي العتيق، الذي كان يظهر مثلاً في أعمال لطفي المنفلوطي وكتابات القدماء التي كانت مليئة بالسجع، وتكتب بلغة تلفت الانتباه في ذاتها، فأصبحت اللغة العربية منشغلة أكثر بالمعني وتوصيله، وسريعة الإيقاع، وتحاول أن تجاري ما يحدث في المجتمع.
ويؤكد عمار على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، ولكن بدلاً من تطوير اللغة العربية، انزلق الأمر إلى لغة جديدة تكتب بحروف غربية، وتسمي «الفرانكو آراب». وهذا بمرور الوقت، إذا اتسعت رقعته، يمثل خطراً على اللغة العربية، لا سيما أن مدرسي اللغة العربية مصرون إلى حد بعيد على عدم تطوير اللغة ومواكبة العصر والتطور العلمي واحتياجات الجيل الجديد، مطالباً بجهد أكبر في تطوير برامج الحاسب الآلي للاستجابة لهذا، لأن البعض فرض عليه الحاسب أن يكتب هذه اللغة أو يستسهل كتابتها.
برامج الكتابة
ويتابع قائلاً: إذا كنا نجحنا سابقاً في إدخال اللغة العربية إلى الحاسب الآلي للكتابة، وتم إعداد برامج لذلك، في مقدمتها برنامج «صخر»، فمن الضروري أن نلتفت إلى تطوير برامج الكتابة، بحيث تستجيب إلى الإطار السريع الذي يطلبه هذا الجيل، بدلاً من تركها على هذا النحو، الذي يعني اتساع رقعة الكتابة بهذه اللغة.
ويشير عمار إلى أن هناك جزءاً يتعلق بتدريس اللغة العربية في المدارس في الوطن العربي، الذي أصبح عقيماً في مدارسنا. وعلى سبيل المثال، مواد النصوص قديمة جداً، ترجع إلى عصور الجاهلية أو بدايات القرن الماضي، وبدلاً من تدريس نصوص للأديب إبراهيم أصلان مكتوبة بلغة بسيطة، يجد الشباب أنفسهم أمام نصوص قديمة مر عليها قرن، أيضاً وبدلاً من تدريس أشعار صلاح عبد الصبور وأمل دنقل التي تحبب الشباب في الشعر، نجد قصائد من الشعر الجاهلي. ولا أقصد من هذا عدم تدريس ذلك، ولكن لا بد أن نطلع الأجيال على ما حدث من تطور للشعر، معتبراً أن جزءًا من المأساة في هذا الأمر هم واضعي الكتب الدراسية.
ولا يقتصر «الفرانكو آراب» على الكتابة فقط، ولكن توجد مخاوف من انتشاره في الموسيقى أيضاً، كما يقول حلمي بكر، الملحن الموسيقي المصري، مشيراً إلى أن الفنون تختلف من بلد عربي إلى آخر، من خلال اللهجة وتفعيلاتها في اللغة، وفي هذا الشأن انتشرت بعض الفنون في شمال أفريقيا، وحققت نجاحاً في هذه البلدان، وهذا الأمر جعل بعض المطربين يقلدون ذلك، وهذه قشور غنائية لا تعبر عن أصالة، ولا تعبر عن أصول البلد التي تعتبر هي الملمح في الأغنية.
ويوضح أن استخدام البعض للغة «الفرانكو آراب» في الأغاني يمثل حالات فردية، وليس راسخاً في المجتمع العربي، وفي التراث العربي.
أما الدكتور عوض سعد، أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر، فيطالب بضرورة الاهتمام بتدريس اللغة العربية في البلاد العربية، خصوصاً التعليم الأساسي، ومن يتولى التدريس في هذه المراحل لا بد من اختياره بعناية فائقة، مؤكداً أن التعليم الأساسي هو الأساس الذي لا بد من الاهتمام به، مضيفاً أن تراث الأمة مسجل باللغة العربية؛ ومعنى ضياع اللغة ضياع التراث.