بون: لقد شابت العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مرارا وتكرارا لغة سيئة، وندم لاحق بدرجات متفاوتة، وطمأنينة فاترة، واتسمت العلاقة على مدى سنوات عديدة بالحيرة والانزعاج وخيبة الأمل في كلا الاتجاهين، وأدت إلى خطوط صدع بنيوية عميقة في الاتحاد الأوروبي، لكن رغم كل ما سبق يصف الكثير من المراقبين العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بأنها تقع في خانة «العلاقات الخاصة والاستثنائية».
وعلى صعيد العلاقات الإسرائيلية- الألمانية، وصلت هذه العلاقات إلى مستويات عالية من التعاون الاقتصادي والسياسي والاستخباري. حيث تعتبر برلين من أهم شركاء دول الاتحاد الأوروبي في مجال التجارة لإسرائيل. وتتعهد ألمانيا دوما بحماية أمن إسرائيل والوصول لحل للقضية الفلسطنية عبر الطرق الدبلوماسية وإجراء المحادثات لحل الدولتين. وعلى الصعيد الداخلي ارتفعت جرائم في ألمانيا وتعددت أشكالها من خلال الاعتداءات الجسدية ورسائل كراهية ما دفع السلطات الألمانية إلى تشديد القوانين وسد الثغرات في قوانين معاداة السامية وسط انقسامات داخل الطبقة السياسية الألمانية بشأن قوانين معاداة السامية.
وفي سياق متصل، تتسم العلاقات الفرنسية الإسرائلية بصلات تاريخية وثيقة، فمنذ عام 1949 أقامت باريس علاقات دبلوماسية قوية بعد اعترافها بإسرائيل. ورغم الاعتراف الفرنسي بإسرائيل تتفق السلطات الفرنسية شأنها شأن ألمانيا على عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعلى رفض سياسة الاستيطان المستمرة وضم أجزاء من الضفة الغربية. وعلى المستوى الداخلى تواجه الطبقات السياسية انقسامات بشأن ملف معاداة السامية بالتزامن مع دعوات السلطات الفرنسية إلى مواجهة تصاعد الأعمال المعادية للسامية عبر تشديد الإجراءات والتدابير وتشريع قوانين جديدة.
واقع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل
تتسم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بالتحسن المنتظم في إطار الاتفاقيات المبرمة في مختلف القطاعات. واليوم، تتمتع إسرائيل بوضع كواحدة من أكثر الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقدما فيما يتعلق بعلاقاتها التعاقدية مع هذا الأخير. وبالتالي، في نظر العديد من الإسرائيليين، يعتبر الاتحاد الأوروبي مناطقهم الاقتصادية الطبيعية، وعلى وجه الخصوص المناطق الداخلية كمناطق استراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وقد تنامى التعاون الاستراتيجي بين هذين الفاعلين، لا سيما منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) بسبب تصور التهديدات المشتركة. والواقع أن الدول الكبرى للاتحاد الأوروبي أصبحت تميل إلى إنشاء تحالفات وفقا لتصورها للتهديدات المشتركة. الإرهاب الدولي، كما هو الحال على سبيل المثال، ومنظور التهديد النووي الإيراني خاصة، أصبح الآن مصدر قلق كبير لإسرائيل والاتحاد الأوروبي. منذ عام 2003. ترأست فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى تحالفا دوليا مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهو الاتحاد الأوروبي 3+3، الذي يهدف إلى منع تطوير الأسلحة النووية الإيرانية من خلال العقوبات الدبلوماسية والمالية. وإسرائيل قلقة للغاية من التهديد النووي الإيراني وتتعاون بالتالي مع بعض دول الاتحاد الأوروبي، من أجل قيادة بعض العمليات التي تهدف إلى تأخير توسيع هذا البرنامج.
معاداة السامية في أوروبا
شهدت دول الاتحاد الأوروبي ارتفاعا في حوادث معاداة السامية في السنوات الأخيرة. وبحسب الإحصائيات زادت المعاداة للسامية مؤخرا بنسبة (74 في المائة) في فرنسا، والاعتداءات ضد اليهود في ألمانيا زادت إلى (16 ألف) حادثة بزيادة قدرها (10 في المائة). نشرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقريرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 مفاده أن أن جرائم معادة السامية شكلت أكثر من 20 في المائة من جرائم الكراهية المرتكبة في دول التكتل الأوروبي. وفي عام 2019 بلغت حوادث معاداة السامية نحو (1704) من إجمالي (6964). تبنى الاتحاد الأوروبي في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2020 مشروع إعلان يتعهد بالعمل على منع معاداة السامية بجميع أشكالها. وصادق وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2018 على مجموعة من التدابير لمكافحة معاداة السامية، كما طالبوا بحماية أفضل لليهود ومؤسساتهم في أوروبا.
موقف الاتحاد الأوروبي من قضية تطبيع الدول العربية مع إسرائيل
لقد كانت سنة 2020 بالنسبة لإسرائيل سنة الذروة في علاقاتها الخارجية؛ فلأول مرة يصبح لديها 164 دولة تقيم علاقات معها، من مجموع 193 دولة (85 في المائة من دول العالم). ولإدراك أهمية هذا العدد، بالنسبة للإسرائيليين، لا بد من الإشارة إلى أنه في السنوات الأولى لقيامها (1948) كان عدد الدول التي تعترف بإسرائيل وتقيم نوعا من العلاقات معها 47 من مجموع 89 دولة عضوا في الأمم المتحدة (53 في المائة). وفي سنة 1959. ارتفع عدد الدول التي تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات معها إلى 62 من مجموع 95 دولة (65 في المائة). وفي سنة 1965 بلغ عددها ذروة جديدة إلى 95 من مجموع 130 دولة (75 في المائة). لكن العدد هبط في أعقاب حرب 1967 وحرب 1973، ليصبح 92 دولة من مجموع 149 (أي 62 في المائة).
قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي في 16 نوفمبر 2020. جوزيف بوريل، إن الاتحاد الأوروبي رحبّ بإعلان توقيع كل من الإمارات والبحرين، والسودان مؤخرا اتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل، موضحا أن «هذه الاتفاقيات تساعد في إقامة علاقات رسمية جديدة بين الدول التي قررت تنحية خلافاتها جانبا والانخراط في تعاون ثنائي سلمي» على حد تعبيره، مشددا على أنه «بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة هو بشكل عام، تطور مرحب به ويمثل إشارة إيجابية للأمل في المستقبل». واعتبر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل أن «السلام لم يعد شرطا مسبقا للتطبيع، حيث طورت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رؤية سردية تصف التطبيع بأنه محرك لعملية بناء الثقة الإسرائيلية العربية، مما يخلق بيئة أكثر ملاءمة لحل الدولتين».
ألمانيا وإسرائيل
أصبحت جمهورية ألمانيا الفيدرالية ما بعد 1945. التي نشأت من رماد ومذبحة الرايخ الثالث الذي ارتكب الهولوكوست من أشد المؤيدين للتسامح والعدالة ومناهضة حازمة لمعاداة السامية والكراهية وأشكال أخرى من التعصب. في الوقت نفسه، لم تختف أشباح الماضي المخيف لألمانيا تماما، كما يتضح من عودة التطرف اليميني المتطرف، وأنشطة النازيين الجدد، واستهداف اليهود في المدارس وأماكن أخرى.
قوانين محاربة معاداة السامية في ألمانيا
اعتقلت الشرطة الألمانية في 12 مايو (أيار) 2021 أكثر من عشرة رجال في ثلاث مدن للاشتباه بهم في إلحاق أضرار بمعبد يهودي باستخدام الحجارة وحرق علم إسرائيل وإضرام النار في نصب تذكاري لأحد أماكن العبادة اليهودية.
كما أعلنت برلين في 17 مايو 2021 أنها لا تنوي تشديد عقوبات معاداة السامية إثر المظاهرات التضامنية مع الفلسطينيين بعد التصعيد العسكري في قطاع غزة. وتسعى السلطات الألمانية إلى سد الثغرات المتعلقة بالتحريض وكراهية الأجانب ومعاداة السامية في القانون الألماني. وتعمل السلطات على تغريم المدانين أو السجن لمدد تصل إلى عامين، إذا اعتدى شخص على شخص آخر بسبب موطنه أو عقيدته أو إعاقته.
وأكد وزير الداخلية السابق اتخاذ ألمانيا إجراءات صارمة بحق أي شخص ينشر الكراهية المعادية للسامية في البلاد. وشدد على أن ألمانيا لن تتسامح مع حرق الأعلام الإسرائيلية على الأراضي الألمانية ومهاجمة المؤسسات اليهودية. وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية الألمانية في 25 مايو 2021 بلغت أعمال العنف ضد اليهود المقيمين في ألمانيا بسبب معاداة السامية (1799) أي زادت بنسبة (20 في المائة). وتقدر نسبة المسؤولين عنها بـ(90 في المائة) من أنصار اليمين المتطرف.
وكان قد أقر البرلمان الألماني رسميا قانونا ضد حركة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية (BDS) بعد أن أدان البرلمان الألماني في 18 مايو 2019 حركة مقاطعة إسرائيل ووصفها بأنها معادية للسامية ودعا إلى مواجهتها. ووافق البرلمان الألماني في 19 يناير (كانون الثاني) 2018 على تعيين مندوب لشؤون معاداة السامية في البلاد. أعربت العديد من الطبقات السياسية في ألمانيا عن قلقهم من استخدام تضخمي، لا أساس له من الصحة ولا يستند على أسس قانونية لمصطلح معاداة السامية، والذي يهدف إلى منع النقد المشروع لسياسة أسرائيل.
ألمانيا خطوة استثنائية
اتخذت ألمانيا خطوة استثنائية في عام 2000، باعتمادها قانون الجنسية الجديد الذي يقوم بشكل أساسي على بنية الانتماء والهجرة بدلا من مبدأ الدم. وفي أعقاب هذه التغييرات وهاجس العنصرية بشأن الجرمانية، ظهرت برامج تعليمية للمجتمع المدني برعاية الدولة لمكافحة معاداة السامية. تم تطوير هذه البرامج التعليمية جنبا إلى جنب مع المناقشات الدولية حول الحرب على الإرهاب وما أصبح يسمى «معاداة السامية الموجهة لإسرائيل» في ألمانيا.
تبنى البرلمان الألماني في مايو (أيار) من عام 2019. قراراً، بدعم من جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في ألمانيا، وحدد صراحة حركة المقاطعة على أنها معادية للسامية ودعا الهيئات الحكومية الألمانية إلى الامتناع عن تمويل أو دعم أي مجموعات تشكك في حق إسرائيل في الوجود.
يذكر بأنه وصل نحو 200000 يهودي في عقد التسعينات من القرن الماضي، وهو تدفق عزز الوجود اليهودي في أماكن تتضاءل فيها المجتمعات، مثل كولونيا ودريسدن والمدن الصغيرة في جميع أنحاء البلاد.
ووفقا لدراسة حديثة أجراها معهد أبحاث السياسة اليهودية ونشرتها «التايمز» الإسرائيلية في 28 يناير 2021. يوجد في ألمانيا نحو 118000 شخص فقط يعرّفون أنفسهم على أنهم يهود، 77 في المائة منهم ينتمون إلى مجتمع أو مجموعة يهودية. ومن بين حفنة من السكان اليهود في أوروبا قال المعهد إنهم كانوا في «دولة نهائية» لأن أكثر من 40 في المائة من الأقلية اليهودية في ألمانيا تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكبر وأقل من 10 في المائة تبلغ أعمارهم 15 عاما أو أقل.
التعاون الاقتصادي بين الطرفين
تأتي ألمانيا كثاني أهم شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأميركية، وهناك تعاون وثيق على المستويين الاقتصادي والأمني. فعلى المستوى الاقتصادي وصل التبادل التجاري بين إسرائيل وألمانيا في عام 2016 إلى (6.6) مليار دولار. وفي عام 2018 (7.8) مليار دولار أي أرتفع بنحو (1.2) مليار دولار. وأهم صادرات إسرائيل إلى ألمانيا هي الماكينات والمعدات البصرية والمنتجات الكيماوية والبلاستيكية، أمّا أهم واردات إسرائيل من ألمانيا فهي الماكينات ومعدات المواصلات والمنتجات الكيماوية.
وقعت أسرائيل، في 23 فبراير (شباط) 2021، اتفاقية مع ألمانيا لتوريد الأنظمة الدفاعية إلى وزارة الدفاع الألمانية وتزويد دبابة «ليوبارد-2» التابعة للجيش الألماني بنظام دفاعي يحمل اسم «معطف الريح». كذلك لحماية الدبابات والصواريخ الاعتراضية وقطع الغيار والأنظمة التشغيلية والفنية. صدرت برلين غواصات إلى إسرائيل بالإضافة إلى التعاون المكثف بعدة مشاريع وفي مجالات العلوم والبحوث. ووقعت إسرائيل مع ألمانيا صفقة تبلغ قيمتها (430) مليون يورو تمول حكومة برلين منها نحو الثلث، تتضمن الصفقة شراء (4) سفن حربية لحماية المنشآت البحرية لاستخراج الغاز الطبيعي.
موقف ألمانيا من القضية الفلسطينية
نددت ألمانيا بالهجمات الصاروخية التي أطلقتها حركة حماس من غزة على إسرائيل، وشددت على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وعبر وزير الخارجية الألماني السابق هايكو ماس عن الموقف الألماني إزاء المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قائلا إن الضربات الصاروخية على إسرائيل غير مقبولة بالمرة، مضيفا: يجب أن تتوقف تلك الضربات فورا. ودعا ماس لاعتماد خطة من ثلاث مراحل. المرحلة الأولى وقف الهجمات الصاروخية، والثانية إنهاء العنف، والثالثة أن يلجأ اَلطَّرَفَانِ للمحادثات مرة أخرى والتي يشمل مضمونها حل الدولتين.
وتعهدت ألمانيا وفقا لبيان من الأمم المتحدة في 18 مايو 2021 بتقديم (40) مليون يورو كمساعدات إنسانية بسبب القصف الجوي الإسرائيلي للمدنيين. ومن جهة أخرى نددت ألمانيا بقرار تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو.2021 ودعت ألمانيا في بيان مشترك مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى تحديد موعد انتخابات جديد في أقرب وقت ممكن. كما دعت إسرائيل إلى تسهيل إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وترفض السلطات الألمانية سياسة الاستيطان التوسعية في الضفة الغربية حيث نددت ألمانيا في يناير 2020 القرار الإسرائيلي بزيادة التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية وبناء (1900) وحدة سكنية في الضفة الغربية.
أوضح دانييل ديلان بومر الخبير المختص بشؤون الشرق الأوسط أن تعقيدات الموقف الألماني تتمثل بعدّة زوايا أولها أن ألمانيا لديها نظرة انتقادية لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ولديها أيضا قلق من أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل. وأضاف بومر أن ألمانيا أيضا هي أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم بدوره الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا. ومن زاوية أخرى فإن ألمانيا تعتبر أهم شريك لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة، ولأسباب تاريخية هناك دعم ألماني لإسرائيل. كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل بضع سنوات إن أمن دولة إسرائيل يعتبر من أسس السياسة الألمانية، وبالتالي هناك اعتراف واضح بهذا الالتزام، وما نشاهده هو أن ألمانيا تحاول الموازنة بين الأمرين.
حل الدولتين كهدف
عمل وزير خارجية ألمانيا السابق هايكو ماس، كذلك جاهدا من أجل تعزيز العلاقة ما بين برلين وتل أبيب. فبعد أن تولى منصبه، مع تشكيل الحكومة نهاية عام 2017 سافر إلى إسرائيل وحرص على تطوير العلاقات الألمانية الإسرائيلية. ولكنه وقف هو الآخر في السياسة أمام قانون التوازن الذي مفاده «مستقبل سلمي لإسرائيل اليهودية والديمقراطية لا يمكن لنا تصوره سوى ضمن حل الدولتين».
وصدّرت ألمانيا غواصات إلى إسرائيل بشكل متكرر. وتوجد مشاريع بحوث مشتركة كثيرة، لكن العلاقة السياسية لا تخلو من توتر. وقال ماس، إن ألمانيا والاتحاد الأوروبي يسعيان إلى توضيح نوايا إسرائيل، لكنه أوضح نقطة تهتم بها أوروبا وهي أن الضم غير متوافق مع القانون الدولي. يقول منتقدو الخطة إن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جانب واحد من شأنه أن يدمر أي آمال عالقة بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
فرنسا وإسرائيل
تتميز العلاقات الفرنسية الإسرائيلية بالقوة كون أن أكبر جالية يهودية في أوروبا تتواجد في فرنسا بالتوازي مع وجود جالية فرنسية كبيرة في إسرائيل. وعلى المستوى الاقتصادي تحتل فرنسا المرتبة الثالثة بين الدول الأوروبية المصدرة لإسرائيل. يضاف إلى ذلك التعاون العسكري والاستخباري والأمني خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب ومبيعات الأسلحة.
قوانين معاداة السامية
أيدت محكمة فرنسية في 18 فبراير 2021، حكما ضد «ديودوني مبالا مبالا» بتهمة معاداة السامية، يقضي بدفعه غرامة قدرها (9000) يورو يمكن أن تتحول إلى عقوبة سجن. واعتمدت المحكمة في قرارها على مقطع فيديو لأغنية بعنوان «إنها محرقتي» نشرت في 2017 على بعض منصات الإنترنت.
أعلن غيرالد دارمانان وزير الداخلية الفرنسي في 17 أبريل (نيسان) 2021 أن عامل التوصيل الذي صرّح بامتناعه عن خدمة الزبائن من اليهود في مدينة ستراسبورغ قد طُرد من البلاد. وكان قد حكم عليه بالسجن أربعة أشهر قبل ترحيله من فرنسا.
ارتفعت حوادث معاداة السامية في فرنسا بنسبة (74 في المائة) خلال العام 2018 وفقا لبيانات السلطات الفرنسية، حيث شهدت (541) حادثة. أثارت مسألة التصدي لمعاداة السامية في البلاد بتوسيعها لتشمل معاداة الصهيونية حالة من الانقسامات. حيث تبنى البرلمان الفرنسي في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2019 اقتراحا يساوي بين «معاداة الصهيونية ومعاداة السامية» ويخضع لأحكام القوانين في هذا الصدد. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في فبراير 2019 أمام ممثلي المنظمات اليهودية في فرنسا أن فرنسا ستطبّق تعريفا لمعاداة السامية لذكرى الهولوكوست.
يرى مراقبون أن منطق الدولة في فرنسا عاد ليطغى على المنطق الانفعالي، وأن التحفظ الذي ظهر لدعم القانون أمام البرلمان، يكشف هذا المنحى. ويرى المراقبون أن فرنسا، كما كل دول العالم، التي أدانت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس والمستوطنات والجولان، ستبقى محافظة على موقف منتقد لإسرائيل ولا يمكنها إلا التمهّل في سنّ أي قوانين قد تحدّ من الأمر بحيث يصبح عرضة لاجتهادات وملاحقات قانونية غير منطقية.
أوجه التعاون بين فرنسا وإسرائيل
التبادل التجاري: بلغ حجم الصادرات الفرنسية إلى إسرائيل (1.52) مليار يورو في عام 2017. تتركز الصادرات الفرنسية على الطائرات والسيارات والأدوية والمواد الكيميائية والصناعية. وارتفعت الواردات الفرنسية من إسرائيل بمعدل (4.3 في المائة) في عام 2017. بلغ عدد المنشآت الفرنسية (100) منشأة فرنسية موجودة في إسرائيل، ويُقدّر حجم أعمالها بنحو (534) مليون يورو. وصل مخزون الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية في إسرائيل في نهاية عام 2017 إلى (2.9) مليارات يورو. وتعتبر فرنسا من أهم الأماكن السياحية المفضّلة لدى السياح الإسرائيليين.
التعاون الأمني: كانت باريس تبيع الأسلحة لإسرائيل منذ خمسينات وستينات القرن الماضي وحاليا انعكست العلاقة فقد أصبحت إسرائيل هي من تصدر لفرنسا الدرونز وأنظمة المراقبة الإلكترونية والروبوتات الحربية وغيرها. وكشف تحقيق استخباري في 31 مارس (آذار) 2021 عن تعاون سري في المجالين الأمني والعسكري بين إسرائيل وفرنسا خاصة في مجالات حروب المستقبل التي تجمع بين القيادة الرقمية والدرونز والروبوتات وذلك رغم التنافس في مبيعات الأسلحة.
وتشارك إسرائيل فرنسا في برنامج «العقرب» الذي يتمثل ظاهره في تجديد المركبات المدرعة وتطوير القيادة الرقمية لضمان اتصال الجنود والأدوات العسكرية الجديدة مثل الدرونز في وقت واحد. شاركت فرنسا في نوفمبر 2017 تدريبات «الراية الزرقاء» التي قادتها إسرائيل مع دول أخرى. وفي مجال مكافحة الإرهاب ساعدت أجهزة المخابرات الإسرائيلية فرنسا في تقديم معلومات التحقيقات بشأن الهجمات التي تعرضت لها باريس في نوفمبر 2015 كذلك المعلومات عن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.
موقف فرنسا من القضية الفلسطينية
تصاعدت المخاوف الفرنسية من تأجج الصراع بين إسرائيل وغزة وحذرت في 23 مايو 2021 من احتمال حصول فصل عنصري في إسرائيل يستمر لفترة طويلة في حال عدم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. واقترحت فرنسا في 14 مايو 2021 في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وغزة.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أكدت في يوليو (تموز) 2020 أن ضم الحكومة الإسرائيلية لأراض فلسطينية من أجزاء من الضفة الغربية المحتلة يجعل حل القضية الفلسطنية أكثر تعقيدا وصعوبة ومهددا للاستقرار الإقليمي ولأمن إسرائيل.
تقييم
شهد عام 2021 فوزين نادرين لسياسة الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل وفلسطين.
أولا، ساعدت الدول الأوروبية في مواجهة رؤية الإدارة الأميركية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال إضفاء الطابع الرسمي على دولة فلسطينية شبيهة بدولة البانتوستان. ثم ساعدت أوروبا في حشد المعارضة الدولية ضد الخطط الإسرائيلية لضم أراضي الضفة الغربية رسميا. وقد انحسر التهديدان مؤقتا بفضل الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير. وكانت هذه إنجازات هامة، لكن هذه الأخيرة لا تحدث فرقا كبيرا على واقع الأرض.
وهذا المسار المتدهور يخزن صراعا أعمق على الأرض، مما يشكل تحديات أكبر من أي وقت مضى لرؤية الاتحاد الأوروبي لقرب جواره وعلاقاته مع إسرائيل. تبقى القضية الفلسطينية، هي حجر الزاوية للأمن الإقليمي والدولي، وإيجاد حل سياسي يقوم على إقامة الدولتين والاتفاقيات الدولية الموقعة بين فلسطين وإسرائيل هي الحل الوحيد. وإذا ما ترك الأمر ليتفاقم، فسوف يستمر في إلحاق الضرر بمصالح الاتحاد الأوروبي باعتبارها خزانا لعدم الاستقرار والتطرف والعنف (محليا وفي الجوار المباشر على حد سواء). كما أن الصراع الذي لم يتم حله سوف يستمر في إعاقة آفاق أوروبا لتعميق العلاقات مع كل من إسرائيل وفلسطين، وسوف يمثل فشلا مستمرا للنظام الدولي القائم على القواعد.
أما على صعيد العلاقات الألمانية- الإسرائيلية فإن هذه العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تتسم بطبيعة خاصة، وستظل دوما مطبوعة بالهولكوست. ولكن العلاقات السياسية بين ألمانيا وأسرائيل لا تخلو من التوتر واختلاف الآراء في العديد من القضايا الإقليمية.
تسعى دوما الحكومة الألمانية لاتخاذ موقف متوازن تجاه القضية الفلسطينية للوصول إلى حل سلمي للنزاع في الشرق الأوسط. فمن بين دول الاتحاد الأوروبي تعد ألمانيا أكبر داعم للفلسطينيين علي المستويين الاقتصادي والسياسي. ودوما ما تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل واستهداف المدنيين الفلسطينيين. وتحذر برلين دوما من سياسة الاستيطان الإسرائيلية. وترى أنه يعارض المواثيق والقوانين الدولية ما يعقد إمكانية التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين.
تتعهد ألمانيا بالدفاع عن أمن إسرائيل وتدعم احتياجاتها الأمنية، ورغم اعتراف العديد من الدول الأوروبية كالسويد بدولة فلسطين نجد أن ألمانيا لن تأخذ هذا الاتجاه، ولو تم فسيكون بالتنسيق مع إسرائيل. تتحرك الحكومة الألمانية ضد جهات معادية للسامية في البلاد لتشديد قوانين معاداة السامية وتشير التقديرات إلى أن غالبية جرائم معاداة السامية في ألمانيا ذات خلفية سياسية وتصدر من محيط اليمين المتطرف وتنتشر الجرائم أكثر في الأوساط القروية.
وفيما يتعلق بالعلاقات الفرنسية- الإسرائيلية، فإن فرنسا تسعى لتحقيق مبدأ التوازن تجاه القضية الفلسطينية حيث ترى السلطات الفرنسية أن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود آمنة ومعترف بها إلى جانب إسرائيل. ترى فرنسا من زاوية أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من السياسة الفرنسية وأولوية لها ضمن سياستها في منطقة الشرق الأوسط.
وتدين فرنسا من جهة أخرى سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة. واتخت عدة تدابيرعلى المستوى الأوروبي للتصدي للاستيطان، كوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية وتشديد وزارة الاقتصاد الفرنسية بضرورة وضع ملصق يحمل عبارة «مستوطنة إسرائيلية» للتمييز بين الأراضي الإسرائيلية والمستوطنات.