من يؤجج نيران الحرب بين «الشقيقتين السلافيتين»؟ ولمصلحة من؟

روسيا لم تكشف كل أوراقها... والقادم أكثر خطورة

مدرعة روسية تتحرك على طول الطريق في شبه جزيرة القرم (أ.ب)

من يؤجج نيران الحرب بين «الشقيقتين السلافيتين»؟ ولمصلحة من؟

موسكو: تحول العالم بين عشية وضحاها من الدهشة المقرونة بالإعجاب «المكتوم» بقيصر روسيا فلاديمير بوتين، إلى «شيطنته» واعتباره خطرا يهدد الأمن والاستقرار والسلام العالمي. الاتهامات أعقبت الكثير من عبارات التقريظ والمديح، ومنها ما ينال من مكانة بوتين جزاء «ما يضمره من خطط تستهدف إعادة الاتحاد السوفياتي بالقوة»، وهو الذي سبق وقال: «إن من لم تراوده مشاعر الأسى والأسف لسقوط الاتحاد السوفياتي إنسان بلا قلب، ومن يفكر في محاولة إعادته إنسان بلا عقل».

ماكينات الإعلام الغربي تبدو وكأنما قريبة من تحقيق هدفها في تصويره «معتديا أثيما»، لا يقيم وزنا لمواثيق ومقدرات العالم «المتحضر» وأسانيده «المتفردة» حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، في توقيت مواكب لنشاط ملحوظ من جانب بعض القنوات والإذاعات المصنفة في روسيا في إطار وضعية «العميل الأجنبي» حسب القانون الروسي. ومن هذه المنصات الإعلامية إذاعة «صدى موسكو»، وقناة تلفزيون «دوجد»، في محاولة لتأكيد ما يقولونه حول «فشل المرحلة الأولى للعملية العسكرية» على حد قول ميخائيل فيشمان الصحافي الروسي المعروف. ولعل ذلك وغيره قد يكون تفسيرا لما يناقشه مجلس الدوما من مشروع قانون يقضي بتوقيع العقوبة الجنائية حتى السجن لمدة 15 عاما، لكل من يثبت ترويجه «للأخبار المكذوبة». كما أعلنت النيابة العامة عن احتمالات إغلاق محطة إذاعة «صدى موسكو» وقناة «دوجد» المعروفتين بميولهما الغربية ومواقفهما المعارضة للسلطات الرسمية.

وفي تصريحات لقناة «روسيا اليوم» كشف إيغور أشمانوف الخبير في أمن المعلومات أن الدول الغربية أطلقت العديد من مراكز «البروباغندا» (الدعاية) ضد روسيا في السنوات الأخيرة. وأشار أشمانوف إلى أن هذه المراكز في دول البلطيق إضافة إلى مركزين قويين في بولندا ومركز «صحافة المواطن» في براغ، وآخر في جورجيا، فضلا عن مراكز أخرى في أوكرانيا تدعمها فصائل «المقاتلين الافتراضيين» من المتسللين إلى مواقع التواصل الاجتماعي من الناطقين بالروسية. وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أنه «مع نجاح العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس ونزع سلاح أوكرانيا، فإن حجم المعلومات المضللة والملفقة آخذ في الازدياد».

 

آثار الدمار الذي خلفه القصف الروسي لميدان الحرية في مدينة خاركيف (غيتي)

 

لكن هناك على الجانب الآخر من يثير الدهشة بوجوده الدائم على شاشات القنوات الإخبارية الرسمية، ومنهم ياكوف كيدمي (كازاكوف) جنرال الموساد، والمنشق السوفياتي السابق الذي هرب إلى إسرائيل في نهاية ستينات القرن الماضي وانضم إلى الموساد مشرفا على وكالة «ناتيف» التي جرى إنشاؤها لتهجير اليهود السوفيات إلى إسرائيل، وانضم لاحقا إلى الجيش الإسرائيلي في حربه ضد مصر في عام 1973. وفي هذا الصدد نشير إلى أن كيدمي الذي يقدمونه بوصفه «شخصية اجتماعية إسرائيلية»، يحاول جاهدا تصوير الجيش الأوكراني وقياداته وكأنهما يعيدان إلى الأذهان الكثير من مشاهد «الواقع الأليم» الذي تعيشه القوات الروسية على غرار ما واجهته القوات المسلحة المصرية إبان حرب يونيو (حزيران) 1967، وما يتعلق بمحاولاتها في أول أيام الحرب الترويج لما تحرزه من انتصارات مكذوبة، وهزائم إسرائيلية ثبت في وقت لاحق أن لا وجود لها. ولعل الزج بالبلدان العربية وكل من يناصب إسرائيل العداء في كل مناسبة وغير مناسبة، أمور لا تليق بإعلام دولة عظمى، تقول المؤشرات بعدم حاجته إلى وجوه ناصبت «الوطن» العداء، للترويج لسياساتها، في توقيت تبدو فيه في أمس الحاجة إلى أبنائها المخلصين، وهم كُثر.

ومن هنا ننتقل إلى ساحات المواجهة بما تشهده من انتصارات وانكسارات لكل من الجانبين، ومنها ما يحرص الإعلام الغربي على تجاهله. وذلك يتمثل فيما تحقق من فرض السيطرة على إقليم خيرسون جنوبي أوكرانيا على مقربة من شبه جزيرة القرم، وما يوجد هناك من مصادر المياه العذبة التي كانت السلطات الأوكرانية منعتها عن القرم منذ مارس (آذار) 2015. وهو ما كبد سكان القرم الكثير من ويلاته وآلامه لسنوات طويلة. وفي هذا الصدد كشف إيغور كوناشينكوف الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية أن قوات جمهورية دونيتسك استطاعت بدعم من القوات الروسية، إحكام حصارها حول ميناء ماريوبول على شاطئ بحر آزوف بكل ما يعنيه ذلك من إمكانيات للسيطرة على مساحات واسعة جنوبي منطقة الدونباس.

الأمم المتحدة تقول إن أكثر من 600 ألف أوكراني فروا من منازلهم بسبب القتال الدائر في بلادهم. (غيتي)

 

الفيلق الأممي

وفي الوقت الذي تتدفق فيه آلاف الأطنان من الأسلحة، مدعومة بما يسمونه «الفيلق الأممي» الذي جرى تشكيله على عجل، بعناصر إرهابية من مقاتلي داعش وغيرها من الفصائل الإرهابية، ممن كانوا ولا يزالون يتمتعون في سوريا والعراق وليبيا بحماية عدد من البلدان الغربية، حسب تصريحات بشار جعفري نائب وزير الخارجية السورية، المندوب السابق لسوريا في الأمم المتحدة، تتوالى العقوبات الغربية شديدة عاصفة في محاولة لعزل روسيا عن المجتمع الدولي، على نحو لم يسبق له مثيل منذ سنوات الحرب الباردة. أما عن الأهداف الحقيقية لما يحتدم من صراع ومواجهات فتظل في إطار ما سبق وكشفت عنه مصادر كثيرة ومنها المصادر الغربية التي طالما وقفت وراء «الثورات الملونة» التي عصفت بالكثير من بلدان الفضاء السوفياتي السابق. وننقل عن كثيرين من العلماء والفنانين ما يقولونه ردا على بعض زملائهم من الرافضين للعملية العسكرية، حول أن القوات الهتلرية وصلت إلى أعتاب موسكو على مسافة 12 كم فقط من الكرملين في أكتوبر (تشرين الأول) 1941 لينتهي بها الحال إلى الاتجاه المعاكس، حيث استطاعت القوات السوفياتية تحقيق النصر الحاسم ليس فقط بتحرير الأراضي السوفياتية وأراضي كل بلدان شرق أوروبا، بل ووصت إلى برلين لتغرس علمها الأحمر ذا المنجل والمطرقة، فوق قبة «الرايخستاغ» في مايو (أيار) 1945 قبل وصول قوات الحلفاء بأيام قلائل. وفي هذا الصدد نشير أيضا إلى ما يتعرض له الكثيرون من كبار رموز الفنون والموسيقي ومنهم المغنية الأوبرالية العالمية أنا نيتريبكو التي أوقفت إدارة أوبرا «لا سكالا» الإيطالية العالمية التعامل معها، وفيلهارمونيا ميونيخ التي فسخت تعاقدها مع المايسترو فاليري جيرجييف لا لشيء، إلا لرفضهما الإعلان عن رفضهما للحرب، وإدانة الرئيس بوتين. بل وبلغت العبثية إلغاء محاضرة للكاتب والمترجم الإيطالي باولو نوري لمحاضرته عن الاديب الروسي العالمي فيدور دوستويفسكي. وذلك فضلا عما تتعرض له الكثير من الفرق الرياضية في مختلف الألعاب للعقوبات والحظر، رغما عن كل ما نادت به الأوساط الرياضية والاجتماعية والثقافية حول ضرورة فصل الرياضة عن السياسة، وسط سيل من الشائعات والأخبار المكذوبة التي يمكن أن تكون تفسيرا لما أعلنه ديمتري تشيرنيشينكو نائب رئيس الحكومة الروسية حول إطلاق بوابة «Explain.rf»، مؤكدا أنه «سيتم نشر معلومات موثوقة وموثقة فقط على هذه البوابة»، ردا على ما وصفه بـ«الإشاعات المزيفة». وأضاف تشيرنيشينكو: «نرى أنه في الوضع الحالي، يتم نشر كميات هائلة من الأخبار وما يسمى بالمعلومات على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، من بينها، تتضمن وللأسف، العديد من الإشاعات المزيفة. من المهم أن تنقل الحكومة معلومات ذات صلة وموثوقة إلى الناس». وإذ أشار إلى أن الموقع الجديد سوف يعمل بالتعاون مع «stopkoronavirus.rf»، قال إن البوابة الجديدة ستصبح مصدرا رسميا موثوقا منه. وأضاف أن البوابة نشرت بالفعل إجابات على الأسئلة الملحة في جميع مجالات النشاط التي تهم المواطنين، ومنها ما يتعلق بمدى تأثير الأوضاع الراهنة على المدفوعات الاجتماعية، وما إذا كان هناك ما يكفي من المنتجات الأساسية في المتاجر، وغيرها، مؤكدا أنه لن يتم نشر سوى المعلومات التي تم التحقق منها والبيانات الرسمية، إضافة إلى نفي المعلومات الكاذبة في قسم «Stop Fake» الذي يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما على صعيد الأحداث والتطورات الجارية على صعيد المواجهة العسكرية فتتضارب التصريحات والبيانات بقدر تباين مواقع الأطراف المعنية المتحاربة منها، والتي تقف على مقربة من الإشراف والسيطرة والتحكم في مسار المواجهة. وذلك في ظل الضغوط الشديدة التي تتواصل من جانب الولايات المتحدة والبلدان الغربية من أجل إثناء الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عن أي قرار من شأنه التوصل إلى حلول وسط مع روسيا. ونذكر أن زيلينسكي سبق وأعلن عن استعداد بلاده لقبول «وضعية حياد بلاده»، بما يعني التخلي عن «أحلام» الانضمام إلى الناتو، لكنه عاد ونكث وعده بدعم صريح من أصدقاء اليوم في الناتو والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد تتعلق الأنظار بما يمكن أن تسفر عنه اتصالات الجانبين المتحاربين، ومباحثاتهما بحثا عن السلام المفقود، ووقف إطلاق النار. وإذا كانت المصادر الأوكرانية أكدت أن الهدف الرئيسي من هذه المباحثات وهو التوصل إلى وقف إطلاق النار، تقول مصادر الجانب الروسي أن موسكو تتمسك بما سبق وأعلنه الرئيس فلاديمير بوتين وأوجزه في كلمتين، هما «ديميلتيريزاتسيا» وتعني «نزع السلاح»، و«ديناتسفيكاتسييا» أي «تصفية النازية»، وهما مهمتان لم يتحقق أي منهما بعد، وأضاف بوتين إليهما في وقت لاحق ضرورة الاعتراف بضم القرم، مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود أي نوايا لاحتلال أوكرانيا.

 

استعراض مواقف الجانبين

وفي إطار استعراض مواقف الجانبين وما يتعلق منها بالدرجة الأولى بمواقف روسيا، يمكن الإشارة إلى أن موسكو تصر على اعتماد ثوابت التاريخ والكثير من حقائق الماضي أساسا ومنطلقا لأي تفسيرات ومراجعات حول ما يجري في جنوب شرقي أوكرانيا، مثلما سبق وتوقفت طويلا لتفسير قرارها حول ضم القرم في مارس 2014. وهي العلامة الفارقة في تاريخ تطور الأزمة الأوكرانية. ومن واقع ما يجري حاليا في منطقة جنوب شرقي أوكرانيا التي تشهد احتدام المواجهات، نشير إلى أن قوات جمهورية دونيتسك، ولوغانسك «المعترف بهما من جانب موسكو»، تواصل المعارك من أجل تحقيق هدفين رئيسيين: الأول وهو الضغط على القوات الحكومية الأوكرانية إلى الجلاء عن أكبر قدر ممكن من الأراضي التي كانت استولت عليها من أراضي المقاطعتين، ردا على قرارهما حول الانفصال من جانب واحد في أعقاب «الانقلاب» الذي أطاح بالرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) 2014. وذلك بهدف التخفيف من أعباء وتبعات القصف المستمر والحيلولة دون المزيد من الدمار والخراب. أما الهدف الثاني فيتلخص فيما أشار إليه الرئيس بوتين حول أن اعترافه بالجمهوريتين ينسحب على كل الأراضي التاريخية لمنطقة الدونباس، ما يعني الإصرار على استعادة كل ما بقي من أراض تاريخية، للمقاطعتين التي تقول المصادر الرسمية الروسية إنها «أراضٍ روسية» قرر زعيم ثورة أكتوبر فلاديمير لينين بضمها إلى أوكرانيا دعما لطبقتها العاملة.

وذلك هو تاريخ بداية «الأزمة الأوكرانية» وما يرتبط بها من مواجهات مسلحة، جاءت مواكبة للكثير من القرارات التي تتسم بمذاق «عنصري»، وتفرقة طائفية قومية بلغت حد استصدار القوانين من مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني) حول حظر استخدام اللغة الروسية وإغلاق المدارس الروسية، في مناطق يشكل فيها الروس نسبة كبيرة تزيد على 35 في المائة يضاف إليها الناطقون باللغة الروسية من ممثلي القوميات الأخرى. ويذكر المراقبون أن المواجهة المسلحة احتدمت بين الجانبين، وبلغت من الحدة التي صار الجانبان فيها في أمس الحاجة إلى وساطة استمدت بداياتها من تشكيل «مجموعة نورماندي» إبان الاحتفالات بالذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء في نورماندي الفرنسية. وقد تشكلت المجموعة من الرئيس الأوكراني الأسبق بيتر بوروشينكو ومعه الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد أسفرت اجتماعات هذه المجموعة عن الإعلان عن بدء «مباحثات مينسك» بدعوة من رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو في فبراير 2015. وتوصلت الأطراف المعنية بعد مباحثات «ماراثونية» طالت لما يزيد على 16 ساعة، إلى ما يسمى حتى اليوم «اتفاقيات مينسك» التي تنص ضمنا على اعتراف أوكرانيا بوضعية خاصة للجمهوريتين «الانفصاليتين»، ووقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وتعديل الدستور الأوكراني بما ينص على ذلك، وما يتبعه من اعتراف باللغة الروسية والحق في الانتخابات المحلية، وتشكيل هيئات السلطة الخاصة قبل عودة إشراف أوكرانيا على حدود هاتين الجمهوريتين المتاخمة لروسيا. غير أن رفض مجلس الرادا التصديق على هذه الاتفاقيات ونكوص الرئيس السابق بوروشينكو عن تنفيذه لها، كانا في صدارة أسباب العودة إلى المواجهات العسكرية، وأن تيسر تبادلا جزئيا للأسرى. ومن اللافت بهذه المناسبة أن الرئيس الأوكراني الحالي فلاديمير زيلينسكي خاض الانتخابات الرئاسية تحت شعارات تقول بحل سلمي للأزمة بما في ذلك ما يتعلق منه بالاعتراف بكل بنود اتفاقيات مينسك، فيما استهل المصالحة بتبادل واسع النطاق للأسري. لكنه سرعان ما أعلن الاكتفاء بذلك، في إطار توجهاته حول الانضمام إلى الناتو والعودة إلى مباحثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولم تكن موسكو لتقف بمعزل عما يواجهه الكثيرون من الناطقين بالروسية من ضغوط وملاحقات، وهو ما كان مقدمة للكثير من الجهود الرامية إلى إقناع القيادة الأوكرانية بتنفيذ اتفاقيات مينسك بوساطة من الجانبين الألماني والفرنسي. وتوالت الاجتماعات على مستوى زعماء «مجموعة نورماندي» في كل من برلين وباريس، إلى جانب تشكيل ما يسمى مجموعة «اتفاقيات مينسك»، التي طالما عقدت الكثير من اجتماعاته في مينسك دون تقدم يُذْكر.

وثمة ما يشير إلى أن تعثر هذه المباحثات وإصرار الجانب الأوكراني على توجه الانضمام إلى الناتو يقف في صدارة أسباب الرسائل المتبادلة التي أودعها الرئيس بوتين مطالب بلاده الأمنية ومنها عدم توسع الناتو شرقا، والعودة إلى واقع عام 1997 قبيل تشكيل مجلس «روسيا- الناتو» وبدء موجات انضمام بلدان شرق أوروبا، وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق إلى الناتو وسحب القوات الاستراتيجية ومنها النووية من البلدان أعضاء الحلف التي انضمت إليه اعتبارا من 1997. وفي هذا الإطار أكد بوتين سواء على مستوى لقاءاته واتصالاته مع نظيره الأميركي جو بايدن، أو لقاءات وزيري خارجية بلديهما سيرغي لافروف وأنتوني بلينكن، على ضرورة الحصول على رد كتابي، بما يحول دون العودة عما يمكن التوصل إليه من اتفاقيات، والحيلولة دون تكرار خداع الجانب الروسي، على غرار ما حدث مع الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، وعودة الأمين العام لحلف الناتو الأسبق مانفريد فيرنر، ووزير الخارجية الأميركية الأسبق جيمس بيكر عما سبق ووعدا به غورباتشوف في أعقاب الإعلان عن «حلف وارسو»، الذي كان يجمع الاتحاد السوفياتي السابق مع كل بلدان شرق أوروبا في عام 1991 حول الالتزام بعدم تقدم الناتو «شبرا واحدا»، عن حدوده الحالية إلى الغرب من حدود ألمانيا الغربية آنذاك. وكانت المصادر الغربية حاولت إنكار مثل هذه الوعود، التي دحضتها مجلة «دير شبيغل» الألمانية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما نشرته من وثائق تلك الفترة. وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإنه يمكن الإشارة إلى ما سبق وتراجعت عنه قمة زعماء حلف الناتو في 2008 في بوخارست بعد الحرب الجورجية الروسية، حول اتخاذ قرارها بشأن ضم أوكرانيا وجورجيا، تمهيدا لتحقيق أحلامهم المؤجلة وفي مقدمتها وكما أشرنا عاليه «الإطاحة بالرئيس الروسي بوتين»، وتفكيك روسيا على غرار ما سبق وجرى مع الاتحاد السوفياتي السابق. وذلك ما لا يمكن أن يقبل به أحد في روسيا، عدا فصائل المعارضة المعروفة بولائها للأفكار الليبرالية الغربية.

الواقع الراهن يؤكد أن روسيا لم تكشف عن كل أوراقها بعد، وإن أشارت الدلائل إلى أن القادم أكثر خطورة، وأشد وطأة. ومن هنا تتعلق الأنظار بما يمكن أن تسفر المفاوضات التي بدأت جولتها الأولى يوم الثلاثاء الماضي على الحدود البيلاروسية الأوكرانية، ولم تسفر عن شيء يذكر سوى ما أعلنه فلاديمير ميدينسكي رئيس الوفد الروسي حول وجود «مساحة معقولة من الاتفاق يمكن البناء عليها»، فضلا عن الإعلان عن عقد جولة ثانية يوم الأربعاء الماضي. وذلك في توقيت تنشط فيه بعض البلدان المجاورة ومنها تركيا وكازاخستان في محاولة للتوصل إلى وساطة قد تخفف من حدة المواجهة الراهنة، وتكشف ضمنا عن إجابة للسؤال الذي اخترناه عنوانا لهذا التقرير من موسكو.

 

 

 

font change

مقالات ذات صلة