ما هي القطاعات التي أصبحت تقود أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بعد الأزمة المالية؟

ما هي القطاعات التي أصبحت تقود أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بعد الأزمة المالية؟

[escenic_image id="558972"]

الطاقة المتجددة أهم قطاع اقتصادي ناشئ في مجلس التعاون

عقب بدء الأزمة المالية العالمية مباشرة، تباطأت الكثير من القطاعات الرائدة في اقتصاد مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير. وكان قطاع  التطوير العقاري أحد أبرز تلك القطاعات، لكن هناك قطاعات أخرى أصابها العناء أيضاً. والشيء الذي أصبح واضحاً؛ أنه بينما خفت حدة الأزمة المالية شيئاً فشيئاً، لم تمثل هذه القطاعات تنوعاً حقيقياً بعيدا عن النفط لأنها مدفوعة بتدفقات الاستثمار التي ترتبط ارتباطاً قوياً بأسعار النفط.

القطاعات التقليدية غير النفطية تظل مدفوعة بالنفط

ربما كانت العقارات التي تمثل ثاني أكبر قطاع في مجلس التعاون بعد الطاقة، من أكبر المجالات التي تعرضت للضربة في المنطقة، يليها مباشرة قطاع الخدمات المالية. وهذه المنطقة التي تضم ست دول بها ما لا يقل عن ثلاثة مراكز مالية تتنافس فيما بينها لتصبح مراكز مالية دولية. وهذه المراكز المالية هي الدوحة والبحرين ودبي. ويعد مجلس التعاون أيضاً أحد أكبر مناطق النشاط المصرفي في العالم. وفي أعقاب الأزمة المالية، كان هذا القطاع من أكثر القطاعات تأثراً.

وبالإضافة إلى العقارات والخدمات المالية، تأثر الناتج الصناعي تأثراً كبيراً، ويرجع هذا لعدة أسباب، فأولاً: ثمة جانب كبير من الصناعة في مجلس التعاون موجه بشكل أساسي لمخرجات بها تطبيقات تتصل بالعقارات، مثل الألومنيوم والسيراميك والصلب. ولا تنتج المنطقة قدراً كبيراً من الصناعات التي تستخدم في منتجات التجزئة، ومن ثَم فإن الركود العقاري أثر أيضاً على الصناعة. وهناك سبب آخر وراء تأثر الصناعة وهو تراجع معدل الطلب المحلي والدولي.

وبإلقاء نظرة على آثار الأزمة المالية العالمية يتضح أن هذه القطاعات ليست ناضجة بالقدر الذي يكفي لتوجيه دفة اقتصاد المنطقة خلال فترة الركود. فهي تظل صناعات اشتقاقية توجهها دورة العمل وليست بمثابة عوامل توجيه في حد ذاتها.

ومن ثَم، فإنه في الفترة المقبلة التي ستستمر خلالها المنطقة في البحث عن نموذج النمو الذي سوف يقود دفة التنويع المستدام، بعيداً عن عدم الاعتماد على إيرادات النفط، يبدو أن هذه القطاعات ليست هي الأكثر جاذبية.

فمن المفارقة، أنه إذا كان مجلس التعاون سينجح في تنويع الإنتاج بصورة تجعله لا يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط في الفترة المقبلة، فإنه يمكنه القيام بذلك من خلال الاستثمار المكثف في الطاقة البديلة. فليس هناك قطاع واعد بالنسبة لمجلس التعاون في الوسط الحالي أكثر من هذا القطاع.

تغير شهية العالم للنفط

نتيجة لذلك، من الممكن أن تؤدي الأزمة المالية العالمية إلى ظهور قطاعات جديدة تقود اقتصاد مجلس التعاون قيادة نسبية. وأرى أن هذه القطاعات سوف تندرج في مجموعتين. الأولى: تشمل مجال الطاقة البديلة، والثانية: تضم القطاعات الخدمية بمنحنيات طلب غير مرنة يوجهها السكان والتوزيع الديموجرافي. 

ومن وجهة نظري، فإن الطاقة هي أهم هاتين المجموعتين. ففي الوقت الحالي لا يعد مجلس التعاون رائداً عالمياً في مجال الطاقة، وإنما هو رائد عالمي في إنتاج النفط فقط. وكما اعترفت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أخيراً بصورة علنية، فإن هذا التمييز بين الأمرين في غاية الأهمية.

وتتآزر هموم العالم بشأن البيئة مع الاعتبارات السياسية لتدفع بسكان الأرض نحو التزام قوي ومتجدد بالطاقة البديلة. فقد ذكر كل من، جون ماكين وباراك أوباما، وهما يخوضان المعركة الانتخابية للفوز بمنصب الرئيس أن التخلص من اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد من الشرق الأوسط بمثابة هدف سوف يسعيان لتحقيقه خلال عشر سنوات. بل لقد وصل  الحد بأوباما إلى القول: "إن هذه أهم قضية سوف يواجهها اقتصادنا المستقبلي". وفي حين تعد هذه بمثابة وعود انتخابية براقة – تمثل سؤالا يبحث عن  إجابة – فإن ظهور هذه الرسالة يعكس مدى أهميتها في السياسة الأمريكية، ويعد بمثابة خطوة أولى نحو التغيير. 

الطاقة المتجددة تكتسب مزيداً من التأييد

الآن هناك أدلة واضحة على هذا الالتزام بتقليل الاعتماد على النفط والتركيز على الطاقة المتجددة. فعلى مستوى العالم، تضاعفت تجهيزات الطاقة المتجددة من أجل إنتاج الكهرباء من عام 2000 إلى 2007.

ففي الولايات المتحدة، شكلت المصادر المتجددة 10% من سعة الطاقة، و9% من توليد الطاقة في عام 2007. ويعد أسرع مصدرين للطاقة من حيث النمو في الولايات المتحدة وهما الأنظف أيضاً؛ طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وقد زادت سعتهما بـنسبة  45% و40% على الترتيب في عام 2007، مقارنة بالعام الماضي.

وربما الشيء الأبرز هو التحول الذي حدث في الحصة السوقية للسعة الجديدة الخاصة بالمصادر المتجددة. ففي الولايات المتحدة عام 2004، كانت المصادر المتجددة تمثل 2% فقط من إضافات السعة الجديدة لإنتاج الكهرباء، في حين أنه في عام 2007، مثلت هذه المصادر المتجددة 35% من السعة المضافة.  

وهناك بيانات مذهلة تشير إلى أن المصادر المتجددة لتوليد الطاقة تصبح عملية من الناحية الاقتصادية بشكل متزايد. فطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الكتلة الحيوية والطاقة المائية جميعها تنافس الوقود الحفري. ثمة نوعان فقط من الطاقة البديلة هما اللذان لا يمثلان ـ على ما يبدو ـ منافساً اقتصادياً للوقود الحفري (في غياب الدعم) بناءً على التكنولوجيا الحالية: طاقة الأمواج وطاقة الخلايا الضوئية. 

لقد وضعت المفوضية الأوروبية خارطة طريق اعتمدها الاتحاد الأوروبي في وقت مبكر من العام الجاري، وهي تحدد هدفاً يتمثل في الحصول على 20% من احتياجات الطاقة لدى الاتحاد الأوروبي من مصادر متجددة بحلول عام 2020. وبدايةً من عام 2005، سحب بالفعل 11 من أصل 27 عضواً، هم أعضاء الاتحاد الأوروبي أكثر من 10% من احتياجاتهم من الطاقة من المصادر المتجددة. وبموجب الخطة، سوف تقوم جميع دول الاتحاد بتدبير احتياجاتها من الطاقة باستخدام المصادر المتجددة بحلول عام 2020.

وفي حين أن الولايات المتحدة وأوروبا تقودان العالم على صعيد النمو الحادث في تطوير مصادر الكهرباء المتجددة، فإن الأمر اللافت للنظر أن الصين والهند تندرجان ضمن أكبر خمس دول عالمية في توليد الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة. وفي حين تركز الصين على توليد الكهرباء باستخدام الطاقة المائية تعتمد الهند على طاقة الرياح.

ويعد تركيز الصين على الطاقة المتجددة بشكل خاص أمرا لافتا  للأنظار. فالصين تنفق 23% من خطة التحفيز التي يبلغ رأسمالها 4 تريليونات يوان (585 مليار دولار) لتجعل شبكة الكهرباء لديها مهيأة للمصادر البديلة باستخدام تكنولوجيات كهربائية متقدمة من شركة "آي بي بي ليميتد" التي مقرها زيورخ، والمؤسسة الأمريكية لأشباه الموصلات. 

العميل دائماً على حق

ترتيبا على ما سبق يأخذ مستهلكو النفط مسألة الطاقة البديلة مأخذ الجد إلى حد كبير. وهذا يعني أنه كي يحتفظ منتجو النفط الحاليون بقيادتهم للعالم في مجال  إنتاج الطاقة على المديين، المتوسط والبعيد، يتعين عليهم أن يشرعوا  جادين  معاً في السعي نحو قيادة العالم في مصادر الطاقة البديلة. فإن هم لم يفعلوا ذلك، فسوف يفعله الآخرون، وسوف يتلاشى  ما لهم من سبق  كموردي الطاقة في العالم بأسرع مما يتخيلون.

ومن حسن حظ المنطقة أنها تتمتع بجميع المتطلبات الضرورية للقيام بذلك. فهي تمتلك البنية التحتية والشبكات والمعرفة بسلاسل التوريد، وغير ذلك من المعلومات الضرورية لفهم احتياجات مستهلكي الطاقة، ومن ثَم تطوير وتقديم بدائل عملية تفي باحتياجات السوق. وثانياً، تمتلك الدول المنتجة للنفط رؤوس الأموال التي تأتيها من أسعار النفط المرتفعة. وثالثاً، باعتبارهم قادة العالم في إنتاج الطاقة حالياً، فإن لدى تلك البلدان عقولا رائدة في مجال الطاقة، بمعنى أن لديها رأس المال البشري اللازم لاتخاذ مبادرة جدية بشأن الطاقة البديلة. وأخيراً، تتوافر لدى تلك البلدان الموارد الطبيعية وغيرها من الموارد اللازمة لإنتاج الطاقة البديلة.

لقد بدأت المنطقة في تطوير مشاريع الطاقة البديلة بجدية. فقد طرحت حكومة عُمان مناقصة تتعلق بالأعمال الاستشارية لمنشأة ضخمة للطاقة الشمسية المركزة، وبالطبع التزمت الإمارات العربية المتحدة التزاماً قوياً بالطاقة البديلة من خلال الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أرينا) ومدينة "مصدر". وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الإمارات العربية أيضاً عن خطط أكبر مصنع لإنتاج الطاقة الشمسية في المنطقة، وانتهت من دراسة الجدوى لمشروع طاقة الرياح في منطقة الفجيرة.

وليست المملكة العربية السعودية بمنأى عن سباق الطاقة البديلة. ففي عام 1989، قامت شركة بريتيش بيتروليوم وأسرة القصيبي وجماعة العليان بتأسيس شركة بريتيش بيتروليوم السعودية للطاقة الشمسية، التي تقوم حالياً بتصنيع أكثر من 15000 وحدة ونظام شمسي سنوياً.

وبالإضافة إلى ذلك، يوجد لدى المملكة العربية السعودية مشروع القرية الشمسية، ووحدات تحلية مياه البحر التي تعمل بالطاقة الشمسية ومشروع تسخين المياه بالطاقة الشمسية. أيضاً يوجد بالمملكة وحدة لإنتاج الطاقة الشمسية. وأعطى المسئولون الحكوميون أبحاث الطاقة الشمسية الأولوية القصوى في مجالات البحث العلمي في المملكة.

لذلك، فإنني أتوقع أن تنطوي الطاقة المتجددة على أهم وأكثر فرص الاستثمار الإقليمي ربحية خلال العشر سنوات المقبلة. فالديموجرافيات الإقليمية تجعل من  الطاقة قطاعاً حساساً، والديناميكيات الدولية تجعل الطاقة البديلة فرصة استثمارية مثيرة للاهتمام.

font change