الخرطوم: يشكل خوض مرشحين من أصول أفريقية ومسلمة الانتخابات الفرنسية مستقبلا جديدا بالنسبة لأفريقيا التي تتطلع لعلاقات تحقق الشراكة المتوازنة وتنهي سنوات من تبعية الإرث الاستعماري. وفي هذا الصدد أشعل ترشح العجرودي آمالا في نفوس العديد من دول القارة السمراء بشأن ظهور اتجاه جديد في العلاقات الفرنسية الأفريقية.
ويقابل كثير من الخبراء السودانيين المهتمين بالعلاقات الثلاثية الأفريقية العربية الأوروبية، قرار رجل الأعمال محمد العياشي العجرودي خوض غمار الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر عقدها في أبريل (نيسان) من العام الحالي 2022، باهتمام وترقب كون أن العجرودي الذي ينحدر من عائلة تونسية مرشحا ذا حظوظ كبيرة لكي يصبح الرئيس الثاني عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة.
ويأمل العديد من الذين استطلعتهم «المجلة»من الخبراء في أن يعيد العجرودي الاتزان إلى الخطاب الفرنسي والتضامن والتعاون والشراكة بين أفريقيا وأوروبا باعتبار أن لفرنسا دورا قياديا في القارة الأوروبية والعالم.
بالنسبة لمدير المركز السوداني للاتصال التنموي خالد عثمان فإن فرنسا بالفعل في حاجة إلى تعريف دورها في القارة السمراء لإزالة الإرث الاستعماري المتراكم، ومن شأن وصول رئيس من أصول أفريقية قد يسهم ذلك بفاعلية في تفهم العقل السياسي الفرنسي التقليدي لضرورة التغيير في السياسة الخارجية خصوصا مع الدول الأفريقية التي باتت على مستوى نخبها وشعوبها تتطلع إلى علاقات ندية وتقوم على دبلوماسية التنمية والشراكات الحقيقية التي تفي بتطلعات الشعوب والتعاون مع الأنظمة التي تحظى برضا شعوبها.
ورأى عثمان في حديث لـ«المجلة»أن بروز مرشحين ذوي أصول أفريقية يعكس مقاربة جديرة بالانتباه، حيث إن للنسق السياسي والثقافي والاجتماعي الفرنسي وجه شبه مع الأنساق الأفريقية المتعددة الأعراق والثقافات، ما يؤكد أهمية وتأثير احتمالية وصول رئيس من أصل أفريقي إلى أعلى مستويات القرار في الدولة الفرنسية.
السودان وفرنسا
بالنسبة للسودان الذي يحظى بكونه دولة عربية أفريقية فإن مثل هذا التطور في فرنسا يجعله أكثر اهتماما بترشيح شخصية ذات أصول عربية وأفريقية مشابهة للوضع في السودان، وفي هذا الخصوص رصدت أمل عبد الحميد علاقات قوية بين الخرطوم وباريس خلال الفترة الماضية.
وتقول عبد الحميد إن علاقات تجارية واقتصادية قديمة ربطت بين السودان وفرنسا منذ مطلع القرن الثامن عشر وساهمت الدبلوماسية الرسمية والشعبية في تعزيز هذه العلاقات وعقب استقلال السودان كانت فرنسا من أوائل الدول التي اعترفت بالسودان وأقامت علاقات دبلوماسية متطورة معه، وازداد العون الفرنسي للسودان.
وأوضحت أن السودان يعتبر الشريك التجاري الثالث لفرنسا في شرق أفريقيا بعد كينيا وإثيوبيا حيث تعمل شركات فرنسية في السودان في قطاعات البترول، التعدين، والإسمنت، والتوليد الكهربائي، والزراعة، وقطاع الصمغ العربي، والأدوية، والدعم اللوجستي، فضلاً عن مشاركة الشركات الفرنسية في دورات معرض الخرطوم الدولي.
ولفرنسا بعثات أثرية مستمرة في السودان منذ السبعينات وهناك تعاون بين الهيئات التي تعنى بالآثار في البلدين، ساهمت هذه البعثات الأثرية في العديد من الاكتشافات التاريخية في السودان، كما تعمل حاليا على ترميم بعض أهرامات البجراوية، ويعد التعاون العلمي القائم بين البلدين تعاونا عريقا، يتطور بفعل عدة برامج تعاون بين معاهد البحوث والجامعات السودانية والفرنسية، ولا سيّما في مجال الزراعة، وإنشاء مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية في السودان وتتصدر فرنسا بلدان استقبال الطلاب السودانيين، وتسهم في عدة تدابير، منها منح التنقل، وتوقيع إعلان نوايا في مجال التعاون الجامعي والعلمي، وإحداث منح الإشراف المشترك، وانضمام جامعات سودانية إلى الوكالة الجامعية للفرنكفونية.
وتستفيد فرنسا من الشبكة الثقافية والتعليمية النشطة في السودان، التي تضم بالأساس المعهد الفرنسي في الخرطوم، وشبكة الأليانس فرانسيز، والمراكز الفرنسية السودانية (في الدلنج ورفاعة ونيالا)، والمدرسة الفرنسية في الخرطوم، المتعاقدة مع وكالة التعليم الفرنسي في الخارج منذ عام 1990، ويستقطب تعليم اللغة الفرنسية، وهو إلزامي في الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية، العديد من الطلاب، كما تمول فرنسا عدة مشاريع للمساعدة الإنسانية والإنمائية، منها تأمين الوضع الغذائي وحماية القاصرين في مناطق النزاع، ودعم منظمات المجتمع المدني، والدعم الذي تقدمه الوكالة الفرنسية للتنمية لقطاع الصمغ العربي، وغيرها.
إعادة الثقة
بالنسبة لفتح الرحمن يوسف الناشط السياسي المستقل والذي أقام لسنوات في فرنسا فإن من المعلوم أن المسلمين في فرنسا يأتون في المرتبة الثانية عددا وأغلبهم من أصول مغاربية الغالب منهم يعتقدون أنهم يعيشون في هامش المجتمع الفرنسي وأن حقوقهم باتت في خطر خاصة بعد تصاعد الخطاب اليميني المتطرف.
ويضيف يوسف لـ«المجلة»أن الشعور بخطورة الموقف جعل أكثر من مرشح من أصول مغاربية يبرز اسمه في الانتخابات الفرنسية المقبلة على رأسهم رجل الأعمال العياشي العجرودي ونجيب أزرقي ذي الأصول المغربية، ويعول هؤلاء المرشحون على المسلمين الفرنسيين والمهاجرين الذين يواجهون خطابات الكراهية من بعض تيارات اليمين المتطرف. فالبرامج متشابهة والمستهدفون لحشد أصواتهم هم نفس المكون مع تعدد المرشحين لذلك فإن التحدي الأكبر في الجولات القادمة لاتساع فرص الفوز في اعتقادي تكمن في التحالفات.
وأشار إلى أن أفريقيا بدأت بعض شعوبها في التذمر من طبيعة العلاقات القديمة التي ظلت تربطها بفرنسا فلذلك لا بد من مراجعة لهذه العلاقات تتجاوز نظرة فرنسا كونها مستعمرا سابقا إلى شريك ومتعاون في المجالات المختلفة خاصة الاقتصادية والتنموية فشعوب أفريقيا يتطلعون إلى تنمية مستدامة شاملة على كافة الأصعدة فالسياسيون الأفارقة لم يعد في استطاعتهم تجاوز إرادة شعوبهم كما كانوا في السابق.
ووفقا ليوسف فإن من المهم جدا بالنسبة لفرنسا البحث عن سبل تعزيز شراكات حقيقية قائمة على التعاون والندية بينها وبين الدول الأفريقية مبينا أن فوز مرشح من أصول مغاربية أفريقية في فرنسا سيمنح بعض الثقة ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام فرنسا تجاه أفريقيا لبناء علاقات قوية قائمة على الشراكة والمصلحة المتبادلة واستمرار التواصل التاريخي مع شعوب أفريقيا وكذلك السيطرة على خطاب الكراهية الذي بدأ يظهر بين الفينة والأخرى.
وجه شبه
أما الأكاديمية والباحثة السودانية الدكتورة إنصاف عثمان الزاكي الحسن فهي ترى في الجدل الحادث حول ترشح التونسي العجرودي بالجدل الذي حدث قبيل ترشح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بين عنصري أبيض رافض وأسود متحمس وحالم، ورغم أن دخول أوباما البيت الأبيض لم يحدث تغييرا يذكر في صعيد المؤيدين خاصة أوضاع السود الأميركان وكذلك في العلاقات والسياسة الخارجية لأميركا، معتبرة أن الدول الكبرى هي دول مؤسسات تحكمها منظومة تراعي المصالح العليا للدولة.
ورأت في حديث مع «المجلة»أن ترشح العجرودي التونسي الأصل الفرنسي الجنسية لن يحدث تغييرا يذكر وفقا لشخصه ولكن يمكن أن يكون فوزه مؤشرا على تغييرات قادمة في شكل العلاقات الخارجية والمرتبة بمصالح فرنسا في أفريقيا والشرق الأوسط وعندما يدخل العجرودي قصر الإليزيه.. سيدخله رجلا فرنسيا يراعي المصالح العليا للدولة الفرنسية حتى لو تعارض ذلك مع مصالح تونس مسقط رأسه لكن على العرب والمهاجرين في فرنسا أن يعملوا على تكوين مجموعات ضغط خاصة وأن أعدادهم كبيرة وهنا يمكن أن يحدث تغيير إذا تبنى هذا الخط المرشحون.
مؤشر قوي
يقول حسن دنقس الباحث في مجال الشؤون الاستراتيجية في القارة الأفريقية إن الانتخابات الفرنسية المقبلة تأتي في ظروف دولية بالغة التعقيد نظرا للمتغيرات التي يشهدها المجتمع الدولي من نواح سياسية وصحية، لكن ذلك لن يؤثر على شراسة التنافس الانتخابي خصوصا في وجود مرشحين من أصول أفريقية وعربية مسلمة لكنه في حاجة إلى أصوات كبيرة من ممثلي الدوائر الانتخابية لضمان الترشح وهذا مما يصعب المهمة في ظل الصراع الانتخابي الشرس ما بين الكتل الانتخابية وفي ظل الهجمات المعادية للإسلام والقوانين الفرنسية التي تضيق على المسلمين التي تكيف الشارع الفرنسي عليها لكن ربما أراد المرشح رجل الأعمال العياشي العجرودي تحريك الساكن فيما يتعلق بقضايا المسلمين وتهيئتهم لانتخابات 2027.
ويرى دنقس في حديث مع «المجلة»أنه إذا قدر فوز العجرودي في الانتخابات تبقى السياسة الداخلية والخارجية لفرنسا هي الحاكمة والموجهة له فليس باستطاعته تغيير الهوية الفرنسية لأي هوية أخرى، لكن يبقى دخوله لسباق الانتخابات مؤشرا قويا في المستقبل بأنه سيكون للمهاجرين عموما والأفارقة بصورة خاصة دور كبير في الحياة السياسية الفرنسية.
وحسب دنقس فإن إن ترشح فرنسي من أصول أفريقية لسباق الرئاسة ينبغي أن يجعل فرنسا تغير من طبيعة علاقتها بالقارة الأفريقية من علاقات تكتيكية إلى علاقات استراتيجية قائمة على الاستقلالية وليست الاستغلالية إنما على تبادل المصالح بما يخدم مصلحة الطرفين واحترام سيادة الدول الأفريقية.