الأوضاع السياسية في مصر وقضية التوريث

الأوضاع السياسية في مصر وقضية التوريث


فنظام الحكم في مصر قائم على حكم الفرد الذي يتمتع بصلاحيات وسلطات غير محدودة. نعم هناك مؤسسات : تشريعية وقضائية وتنفيذية‘ لكن هذه الأخيرة متغوِّلة على كلتا المؤسستين التشريعية والقضائية.


ويزعم النظام أنه يتمتع بديمقراطية تاريخية لم تحدث في مصر من قبل، غير أنها بشهادة الجميع؛ ديمقراطية شكلية مظهرية، فالتعددية السياسية غير حقيقية، ولا يوجد تداول للسلطة، بل غير مسموح بها، وتزوير إرادة الأمة من خلال الاستفتاءات والانتخابات النيابية تجري على قدم و ساق.


يوجد في مصر 24 حزبًا ، لكنها أحزاب ورقية لا يكاد يعرف عنها أحد شيئاً؛ لا أسماؤها ولا عناوينها، وبالتالي برامجها، حتى الأحزاب المعروفة ـ الوفد و العربي الناصري  والتجمع ـ لا تأثير ولا وجود لها في الشارع المصري . وربما يرجع ذلك لتضييق نظام الحكم عليها ومنعها من التواصل مع الجماهير، ولأنها لا تمثل معارضة حقيقية للنظام  وتسعد بما تلقاه من فُتات، فضلاً عن مشكلاتها الداخلية وصراعاتها التي لا تتوقف، وبرامجها التي لا تتناسب مع تطلعات  وطموحات الناس، إضافةً إلى عدم وجود قيادات ذات كاريزما.


إن نظام الحكم من خلال لجنته التابعة لحزبه والمسماه بلجنة شئون الأحزاب، لا توافق أصلاً على منح الرخصة "القانونية" لأي حزب ترى فيه منافساً، أو منتظر أن يكون له وجود في الشارع السياسي.


لذلك رأينا أحزاباً ـ تحت التأسيس ـ فشلت في الحصول على هذه الرخصة على مدى 13 عاماً، ولا تزال تلهث وراءها ، وليس من المتوقع أن تنالها في ظل الأوضاع الراهنة. ومن المعروف أن نظام الحكم حين يشعر أن هناك حزباً بدأ يجمع شتات نفسه ويرتب صفوفه وأوراقه لا يدعه حتى يفجره أو يخربه من داخله، مستخدماً في ذلك سيف المعز أو ذهبه أو هما معاً، وبذلك قضى نظام الحكم على الحياة الحزبية تماماً .


لقد ظل حزب السلطة في الحكم لحوالي ثلاثة عقود، ولم يحدث أن جرى تداول للسلطة خلال هذه الفترة، وليس هناك أمل في المستقبل المنظور أن يتنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف.


إن تعديل نص المادة 76 من الدستور، والخاصة باختيار رئيس الجمهورية بهذا الشكل المعيب، الذي وصفه أحد فقهاء القانون الدستوري بالخطيئة الدستورية، ثم ما أصابها من عيب آخر خلال التعديلات الدستورية لـ" 34" مادة في منتصف عام 2007م، بحيث جعل الترشح لهذا المنصب الرفيع يكاد يكون مقتصراً على شخص واحد، هو ابن رئيس الجمهورية ـ فيما يعرف بالتوريث ـ شيئا أقرب إلى المأساة ، وهو ـ أي التوريث ـ إن كان مرفوضاً من النخبة المصرية فهو أيضاً مرفوض من الشعب بعامة.


لقد رفض "الإخوان المسلمين" التوريث جملةً وتفصيلاً، على اعتبار أن هذا يُخِل بسمعة وكرامة مصر، إذ بينما تتقدم دول كثيرة نحو الديمقراطية نجد نظام الحكم في مصر يريد أن يعيدنا إلى الوراء لأكثر من نصف قرن.


هذا فضلاً عن أن الوريث الذي؛ يشغل منصب أمين لجنة السياسات وأمين مساعد حزب السلطة سوف يأتي على ترسانة من الإجراءات الاستثنائية ضد المعارضة وعلى الأخص الإخوان المسلمين وتشكيل محاكم عسكرية لقياداتها و كوادرها، علاوة على التحالف القائم بين الثروة والسلطة و الذي انعكس سلباً على الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تآكلت الطبقة الوسطى تماماً وأصبح المجتمع مكوناً من شريحة "عليا" قليلة تملك المال والسلطة وكل شيء ، وشريحة دنيا مسحوقة ـ تمثل أغلبية الشعب المصري ـ لا تملك أي شيء ، الأمر الذي أدى إلى ظهور مئات، بل آلاف من الحركات الاحتجاجية خلال العامين الأخيرين. وبالطبع فإن الأمور ستكون مرشحة للازدياد في حال إتمام عملية التوريث.


إن المجتمع المصري الآن يعاني حالة من السخط  والتوتر ، ويكفي أن ننظر في وجوه المصريين في المركبات العامة وفي الطرقات واللقاءات والمنتديات، فسوف تلحظ على الفور شعوراً باليأس والإحباط.


إن مصر تواجه الآن أفقاً سياسياً مسدوداً ترتبت عليه حالة من التخلف العلمي والتقني والحضاري، فضلاً عن الإخفاق في التعاطي مع المشكلات الحياتية التي يعاني منها المواطن المصري (كأزمة الخبز، والبطالة، والارتفاع الجنوني في الأسعار، وتدني الأجور، ومشكلات التعليم والصحة والتلوث البيئي والإسكان و النقل والمواصلات .. إلخ )، علاوة على تهميش دور مصر المحوري والإستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي .


إن هذه الأزمات هي في الواقع تجليات وعرض لمرض أصلي يتمثل في أزمة الحكم. لذلك نرى أن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي والطبيعي لجميع أنواع الإصلاح الأخرى. ولأن نظام الحكم في مصر ليست لديه نية صادقة أو رغبة جادة في الإصلاح، ولأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد تردَّت إلى الحد الذي لا يمكن أن يتصدى لمعالجته فصيل سياسي بمفرده مهما كان حجمه أو وزنه ، فإن الأمر يتطلب تضافر جميع الجهود وتكاتف كل القوى.



أ.د. محمد السيد حبيب ـ  النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين.

font change