التقيت سامي كلارك مرتين؛ الأولى من خلال إذاعة صوت لبنان؛ حيث أن «الراديو» لم يكن ليصمت ولو لبرهة في منزلنا، كما منازل أخرى كثر بسبب متابعة الأهل لتطورات حرب لبنان الأهلية ومصير معارك المنخرطين بها وأخبار أهداف القصف العشوائي من منطقة إلى أخرى وعدد ضحاياه.
كان الراديو همزة الوصل الفورية بين الناس والأحداث، فتنقل بيانات لسياسيين أو زيارات لموفدين كما نشرات أخبار على مدار الساعة وموجزات إخبارية بوتيرة أعلى.
كان هذا الجهاز حينها أهم قطعة في المنزل.
ولكن إلى جانب قتامة الأخبار والتحليلات التي كانت ترافقها كانت إذاعة «صوت لبنان»- صلتنا مع الأحداث في بيتنا- تحاول الترفيه عن الناس قدر الإمكان. وأذكر أنها كانت أفردت مساحة لبرنامج فني أعدته لسامي كلارك نفسه، وهو فنان شاب ابن عصره من خلال مظهره وأدائه في أكثر من لغة، صاحب صوت جميل وجذاب. حمل برنامجه اسم «غالا 78» حيث كان يغني بعضا من أغانيه وغالبا ما كان ينقطع أداؤه ليحل مكانه صوت الموسيقى المتوترة التي تنبئ المستمع بخبر «عاجل»، فيسود صمت غريب في الغرفة بانتظار ما يحمله المذيع من خبر كان في أكثر الأوقات سيئا. هكذا تعرفت للمرة الأولى إلى سامي كلارك من خلال الراديو وإذاعة «صوت لبنان»، في غرفة كانت تحمينا من غدر القذائف أو هكذا ظن الأهل بعد استشارات ونقاشات مع الجيران تتعلق بمواقع المدافع التي تستهدف المنطقة، وموقع المبنى الذي نقطنه وعدد الجدران التي تقوم بيننا وبين الأماكن الأقل أمانا في المنزل. كان سامي كلارك حاضرا بأغانيه وسيظل هذا الرجل يرتبط اسمه في ذاكرتي بالحرب الأهلية، وبإذاعة «صوت لبنان» التي كانت تدعي في شعارها نقل صوت «الحرية والكرامة».
لقائي الثاني مع سامي كلارك كان في مصر، حيث كنا منتخبا للناشئين نشارك في البطولة العربية لكرة السلة. حينها وقبل سفرنا خضعنا لتدريبات مكثفة على مدى أسبوع واحد فقط بما أن الحرب كانت تمنعنا من مواصلة التدريبات بشكل دوري. كنا نتدرب مرتين في النهار، وكان الأهل يوصلوننا إلى مركز التدريب في الصباح الباكر ثم يعودوا في فترة بعد الظهر لاصطحابنا إلى المنزل.
يوم السفر ذهبنا بباخرة انطلقت من جونيه إلى قبرص ومنها بالطائرة إلى مصر. العاصمة آنذاك كانت مقطعة الاوصال، والانتقال من بيروت «الشرقية» أي البقعة التي تسيطر عليها القوى المسيحية إلى بيروت «الغربية» البقعة التي تسيطر عليها القوى «المسلمة»، كان من دونه مخاطر.
وصلنا إلى مصر ولعبنا البطولة وأذكر أننا أحرزنا المركز الرابع بعد أن كنا تغلبنا على حامل اللقب السعودي. قبل المباراة النهائية وفي ختام البطولة أقام الاتحاد المصري عشاء على شرف الفرق المشاركة في البطولة. أذكر الحماسة التي أخذت بعضنا عند سماع أغنية سامي كلارك الجميلة «قومي تنرقص يا صبية» وصوت مصري ودود يقول: «عايزين حاجة من لبنان لمصر يدفعنا إلى المسرح لنرقص الدبكة». وهكذا صار.
إذن لقائي مع سامي كلارك الأول كان في غرفة تصدح بصوته وأغانيه علها تخفف من معانات المستمعين الذين قرروا أن يبقوا في هذا الأتون مقتنعين بأن الحرب لن تدوم. في المرة الثانية في مصر حيث أخذنا فرصة رياضية من صعوبة أوضاعنا في لبنان، فرقصنا وحيدين من دون «صبية» على صوت كلارك الجميل ونسينا أننا لبرهة عائدون إلى بلادنا الحزينة لا محالة.
متأخرا عرفت أن سامي كلارك كان يؤدي أيضا أغنية رسومي المتحركة الحماسية المفضلة أيام الطفولة: غرندايزر وهو بطل من كوكب فليت يحارب الأشرار. وما زلت عند سماع هذه الأغنية تتملكني الحماسة وأتمنى لبرهة لو أتحول غرندايزر، و«أناضل لأجل سلام» في لبنان.
ولكن سرعان ما أعود إلى أرض الواقع الذي يذكرني بأن أمين عام حزب الله اليوم أقوى من «بطل فليت».