بغداد: سلمت وزارة الثقافة اللبنانية إلى العراق، الأحد الماضي، 337 قطعة أثرية قديمة كانت معروضة في متحف نابو الخاص في شمال لبنان. وأعاد وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى القطع التي تضمنت ألواحا طينية إلى سفير العراق في لبنان حيدر شياع البراك خلال حفل أقيم في المتحف الوطني في بيروت. وقال شياع البراك خلال الحفل: «نحتفل بتسليم 337 قطعة أثرية من عصور مختلفة من حضارات بلاد ما بين النهرين»، مشيرا إلى أن «هذا لن يكون آخر تسليم».
هذا التسليم أعاد إلى الواجهة قضية عشرات الآلاف من القطع الأثرية العراقية التي سُرقت ونُقلت إلى خارج البلاد خلال السنوات الماضية، فوفقا لوزير الثقافة العراقي حسن ناظم، فإن «هناك آلاف القطع الأثرية العراقية الموجودة في الخارج وما يمنع إعادتها هو أن القانون في تلك الدول يمنع ذلك لأنها مشتراة». ورغم سعي السلطات العراقية إلى استرداد الآثار المنهوبة إلا أن المواقع الأثرية في جميع أنحاء البلاد لا تزال مهملة لأسباب عدّة وفي مقدمتها نقص الأموال.
آثار متحف نابو
ومتحف نابو الذي سمّي تيمّنا بإله الحكمة والكتابة في بلاد ما بين النهرين، تأسّس في 2018 ويضمّ مئات من القطع الأثرية التي يصل عمر بعضها إلى آلاف السنين، وتعود ملكيته إلى اللبناني جواد عدرا وزوجته نائبة رئيس مجلس الوزراء السابقة زينة عكر. ومن بين القطع، اثنتان تحملان أهمية خاصة، حيث تذكر الأولى شجر الأرز لبناء هيكل في مدينة لغش (أو لكش) السومرية القريبة من البصرة وتعود إلى عام 2500 قبل الميلاد تقريباً. أما الثانية، فتكمن أهميّتها في الكتابة الواضحة التي تعود إلى عام 2350 قبل الميلاد تقريباً، وتكشف للمرّة الأولى أنّه كان هناك خلافات بين حاكمين معينين في جنوب العراق، أمرهما ملك أكاد نارام سين بوقف التحارب والالتزام بالحدود التي رسمها.
الغياب الرسمي عن ملف الآثار
يرى المحلل السياسي أحمد الياسري في حديث لـ«المجلة» أن «الحكومة العراقية دورها خجول في هذا الملف قياسا إلى نسب تهريب الآثار التي حصلت، وتحديدا في عام 2003 بعد كسر المتحف الوطني في بغداد، حيث حصل نوع من الانفلات الأمني أدى إلى عمليات تهريب الآثار». وأضاف الياسري أن «هناك عصابات منظمة تقوم بالتهريب، ونشاطها يعود إلى التسعينات ولكن ازداد هذا النشاط في ظل الانفلات الأمني».
وتابع الياسري: «هناك رغبة عراقية باستعادة الكثير من الآثار المُهربة ولكن ما زال العراق يعتمد على المنظمات الحقوقية وعلى عنصر المبادرة الذي تقوم به الدول الأخرى، بمعنى أن الحكومة العراقية لم تستطع صنع عنصر مبادرة ذاتي لاحتواء هذه الآثار المُهربة». ولفت الياسري إلى أن «العراق يحتوي على مواقع أثرية غير محمية حكومياً، مع الإشارة إلى أن المواقع الأثرية في البلاد يتراوح عددها بين 6 آلاف إلى 7 آلاف موقع، فالعراق يمتلك مخزونا كبيرا من الآثار، لكنه لا يمتلك حاكمية حكومية لتحويل هذا الملف إلى ملف سيادي وسياحي».
استعادة الآثار المهربة
ولفت الياسري إلى «عدم وجود مبادرة رسمية عراقية جادة لاستعادة الآثار المهربة يعود إلى تغيير سُلم الأولويات، إذ إن الأولوية في ضياع الثروة والصراعات الأمنية ومحاربة الفساد الذي يُعاني منه العراق، فوفقا للإحصاءات الدولية تتجاوز الأموال العراقية المُهربة 340 مليار دولار، أي إن ثلث الناتج القومي العراقي هو عبارة عن أموال مسروقة ومنهوبة ومهربة بحسب دراسة قام بها المركز العربي- الأسترالي. وهكذا لم يعد ملف الآثار يأخذ الحيز والاهتمام الذي يجب أن يأخذه». كما رأى الياسري أن «وزارة الآثار تم دمجها بوزارة الثقافة، وهذا ما يُشكل خطأ كبيرا، إذ إن بلدا مثل العراق يمتلك مواقع أثرية كبيرة جدا ومتعددة يجب أن يكون لها وزارة آثار، في حين أن الحكومة العراقية غير مكترثة لهذا الملف».
البُعد الاقتصادي
من ناحيته، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحسن الشمري في حديث لـ«المجلة» أن «تهريب الآثار العراقية إلى الخارج أمر قديم يعود إلى عام 1991. وبعد عام 2003 استمر التهريب بسبب تدهور الوضع الأمني مما أدى إلى هجمة كبيرة على الآثار العراقية سواء الموجودة في المتاحف أو في المواقع الأثرية». وأضاف الشمري: «هذا التخريب أثر سلبا على البلاد، إذ إن قيمة الآثار المادية تُساوي أموالا طائلة جداً، مما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي، فضعف الحفاظ على الآثار يعني عدم الحفاظ على الثروات الوطنية الأخرى». وأشار الشمري إلى أنه «عندما يتم تهريب الآثار التي تعتبر من أهم ما تملك الدولة فذلك يعني أن الثروات الأخرى تم تهريبها من قبل أشخاص أو شركات أو جهات محسوبة على العراق مما أدى إلى خلق مشاكل كبيرة في الاقتصاد العراقي في هذه المرحلة».
وأشار الشمري إلى أن «الفساد يلعب دورا سلبيا في هذا الملف، إذ إنه ينعكس على القطاعات الاقتصادية بشكل عام، وعلى قطاع الآثار بشكل خاص، لأن عدم الاستفادة من المواقع الأثرية يؤدي إلى عدم النهوض بالعراق». وتابع: «العراق غير قادر على الخفاظ على آثاره الوطنية إذ إن الأمن دائما ما يكون غير مستتب في البلاد، وهذا ما يجعل هذه الآثار عرضة للسرقة، كما أن الحكومة العراقية لا تقوم بما يجب لاستعادة الآثار المهربة والدليل أن الموازنات العراقية الضخمة لا توجد بها تخصيصات كافية لهذا القطاع ولهذه المناطق».
إهمال المواقع الأثرية
وفي السياق عينه، يؤكد الشمري أن «العراق يُعاني من مشكلة كبيرة منذ الأربعينات متمثلة في عدم الاهتمام بالآثار والمواقع الأثرية على الرغم من أنها ثروة وطنية ضخمة جداً، فعلى سبيل المثال فإن بيت النبي إبراهيم الموجود في أور يعتبر من المواقع الأثرية المهمة جدا والتي زارها بابا الفاتيكان خلال زيارته للعراق في العام الماضي، ولو تم استغلال هذا الموقع بشكل صحيح لكان جذب آلاف السائحين إلى البلاد».
وتابع الشمري: «هناك مواقع أثرية للحضارة الآشورية والسومرية والبابلية يمكن أن تستقطب السائحين، لكن لا توجد خدمات سياحية في تلك المواقع كالفنادق والمطاعم ودليل سياحي، وهذا ما يمكن اعتباره خطأ كبيرا من قبل الحكومة العراقية، إذ يمكن لذلك تشغيل آلاف الشباب، فضلا عن أن فائدة العراق من هذه الآثار يُعادل النفط».
من جهته، رأى الياسري أن «إهمال المواقع الأثرية يعود إلى عدم الاستقرار السياسي، فلو أن العراق بلد مستقر سياسيا وأمنيا فبكل تأكيد سيتم الاهتمام في هذا الجانب، كما أن الآثار كانت جزءا من الحرب في العراق، إذ إن تنظيم داعش الإرهابي استولى على مواقع أثرية مهمة في محافظة الموصل التي تحتوي على مدن أثرية، وتم استهداف الكثير من هذه المواقع الأثرية».