هجوم لندن تذكير بمخاوف التعاون الأمني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

هجوم لندن تذكير بمخاوف التعاون الأمني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

BRITAIN-POLITICS-ATTACK-PARLIAMENT

قبل ساعات من هجوم لندن، أمس (الأربعاء)، حذَّر رئيس وكالة شرطة الاتحاد الأوروبي (يوروبول)، من أن عدداً كبيراً من الأفراد الذين تحولوا إلى التشدد يشكلون تهديداً مستمراً لبريطانيا وأوروبا.

وكتب روب وينرايت، وهو بريطاني، في مدونة بالذكرى السنوية لهجمات بروكسل التي قتل فيها 32 شخصاً في 22 مارس (آذار) 2016: «بعض هؤلاء من المحتمل أن ينجحوا في المستقبل».

ويقول مسؤولو الأمن الأوروبيون إن تبادل معلومات المخابرات بشأن التهديدات المحتملة زاد عشرة أضعاف في العام الفاصل بين تلك الهجمات والهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص وأصاب العشرات قرب البرلمان البريطاني.

ووفقاً لوكالة «رويترز» الإخبارية يجري عمل المزيد لتشديد الأمن من خلال تنظيم قواعد البيانات واتخاذ إجراءات صارمة ضد تزوير الهوية وجعل الإبلاغ عن الأفراد المشتبه بهم إلزامياً.

وبريطانيا أحد أكثر ثلاثة مستخدمين لبيانات «يوروبول». لكن بينما تستعد لمغادرة الاتحاد الأوروبي يوجد خطر بأنها ستحرم هذا التعاون لتصبح أكثر عرضة لهجمات الإسلاميين المتشددين الذين قتلوا 300 شخص في أنحاء أوروبا على مدى الأربعة وعشرين شهراً الماضية.

والمشتبه به في هجوم لندن مولود في بريطانيا، وهي ليست عضواً في منطقة «شينغن» للحدود المفتوحة. لكن لندن لا تزال تشارك نظراءها في الاتحاد الأوروبي المخاوف والمعلومات بشأن إسلاميين، يتحولون في الغالب إلى التشدد عن طريق الإنترنت، ويعودون إلى بلادهم بعد الذهاب للتدريب أو القتال مع متشددين في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو أفغانستان.

وحذر مسؤولون أمنيون بريطانيون، البرلمان، العام الماضي، من مخاطر الخروج من يوروبول ونظام أوامر الاعتقال الأوروبي الذي يلزم جميع حكومات الاتحاد الأوروبي بالقبض على المشتبه بهم المطلوبين في دولة أخرى في الاتحاد.

*تسليم خمسة آلاف شخص



قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي العام الماضي عندما كانت وزيرة للداخلية إن العلاقة المخابراتية الوثيقة بين بريطانيا والولايات المتحدة «لا تعني أننا سنكون آمنين (خارج الاتحاد الأوروبي) كما لو أننا بقينا فيه».

وأضافت ماي أن أمر الاعتقال مكًن بريطانيا من تسليم أكثر من خمسة آلاف شخص في السنوات الخمس الماضية.

ويقول مسؤولون سابقون إن الخروج من يوروبول سيجعل بريطانيا أكثر اعتماداً على الروابط الفردية مع كل من الحكومات السبع والعشرين الأخرى في الاتحاد الأوروبي.

وتأسس يوروبول في 1998 للمساعدة في مكافحة الجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية والجماعات المتشددة عبر الحدود.

وقال بيل هيوز، المدير العام السابق لوكالة مكافحة الجريمة المنظمة الخطيرة التي لم تعد قائمة الآن إن التنسيق قبل وجود يوروبول كان يتم «على أساس من تعرف ومن يمكن أن تتصل به»، وأبلغ البرلمان أنها كانت «ممارسة كالمتاهة».

وإلى جانب يوروبول تشارك بريطانيا أيضاً في بروتوكولات لتبادل معلومات المخابرات منبثقة عن اتفاقية «شينغن» وفي اتفاق لتبادل بيانات ركاب الطائرات بين أجهزة الأمن في الاتحاد الأوروبي.

ورفض دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي مناقشة مستقبل التعاون الدفاعي والأمني مع بريطانيا إلى أن تفعل لندن رسمياً إجراءات الخروج، لكن دبلوماسياً بريطانياً بارزاً قال إن الحكومة ستسعى على الأرجح إلى «علاقة خاصة».

وأضاف الدبلوماسي قائلاً: «الاتحاد الأوروبي ليس جيداً في إشراك أطراف ثالثة ويتعين علينا أن نكون قادرين على التحدث بشكل حميمي».
وتقول ماي، التي من المتوقع أن تبدأ يوم الأربعاء المقبل إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، إنها تريد أن تحتفظ بعلاقة وثيقة مع الاتحاد في الأمن والدفاع وعبر الاتحاد عن مشاعر مماثلة لكن التوتر واضح.

وقالت ماي في يناير (كانون الثاني) إن قدرات بريطانيا في مجال المخابرات «فريدة من نوعها في أوروبا»، وإن مواردها العسكرية وفي مكافحة الإرهاب يجب أن تساعدها في الحصول على اتفاق خروج أفضل.

لكن ميشال بارنييه، مفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من التكتل، رفض ما ذهبت إليه ماي. وقال في خطاب في بروكسل، أمس (الأربعاء): «لا يمكن قياس الأمن بمصالح اقتصادية وتجارية».

*حدود التعاون



ولبريطانيا بالفعل اتفاقات أمنية ثنائية إضافية مع قرينتيها في الاتحاد الأوروبي فرنسا وألمانيا وأيضاً اتفاق «العيون الخمس» القائم منذ وقت طويل لتبادل معلومات المخابرات مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

لكن التفاوض على اتفاقات التعاون بين يوروبول ودول ليست أعضاء بالاتحاد الأوروبي مثل روسيا وتركيا وأوكرانيا استغرق سنوات، وهناك حدود لما يمكن تبادله من معلومات.

وبموجب اتفاقيات الاتحاد الأوروبي يمكن أن يستغرق نقل البصمات وبيانات الحمض النووي دقائق. لكن مركز أبحاث مؤشرات المخاطر العالمية يقول إن ذلك قد يستغرق أشهراً في ظل وجود بريطانيا خارج الاتحاد.

ويشير بعض المنتقدين بالفعل إلى أن تبادل المعلومات داخل الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيداً كل البعد عن أن يكون مثاليا. ففي حين أن لدى فرنسا وألمانيا أجهزة مخابرات كبيرة ومليئة بالكفاءات فإن تفجيرات المطار والمترو التي وقعت العام الماضي في بروكسل، كشفت عن سنوات من الإهمال من جانب أجهزة الأمن البلجيكية.

وكان المتشدد أنيس العامري، الذي قتل 12 شخصاً في سوق لعيد الميلاد في برلين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن قوائم الترقب لكنه تمكن مع ذلك من تفادي الرصد باستخدام 14 اسماً مستعاراً مختلفاً في دول مختلفة.

بيد أن الهجمات التي وقعت أخيراً دفعت الاتحاد الأوروبي إلى محاولة سد الثغرات بمقترح في ديسمبر يلزم الدول بإصدار تحذيرات بشأن الأفراد الذين يشكلون تهديداً محتملاً، وطرح خطة لبناء قاعدة مشتركة للبيانات الحيوية مثل بصمات الأصابع.

وقال كلود مواريس، وهو بريطاني يرأس لجنة الحرية والعدالة والشؤون الداخلية بالبرلمان الأوروبي، إن المخاطر كبيرة بالنسبة لبريطانيا. وأضاف قائلاً: «نحن بحاجة لأن يكون لدينا نقاش أكثر قوة بشأن ما نحن بصدد أن نفقده».
font change