العرب وأفريقيا: الجهود المنفردة.. هزيلة الفائدة

العرب وأفريقيا: الجهود المنفردة.. هزيلة الفائدة

لا يجب أن ينظر العرب إلى علاقاتهم مع الدول الأفريقية بنفس منظار رؤيتهم للعلاقات مع أي قارة أو مجموعة دولية أخرى، لأن القارة السمراء تمثل امتدادا جغرافيا طبيعيا للعالم العربي وعمقا استراتيجيا لأمنه القومي، ولأن ثلثي المواطنين العرب هم أفارقة يتوزعون بين عشر دول تمتد من شمال غربي القارة إلى أقصى شرقها.

 

لهذا من الطبيعي أن تكون العلاقات بين الطرفين (مع اختلاف خصوصيات مكونات كل طرف) قديمة ومتواصلة، وأن ترتدي عبر التاريخ كل أشكال تواصل الجيران وتفاعلهم مع بعضهم البعض. فهي أيضا شهدت بعض التوترات والنزاعات، ولكنها في أغلب الأوقات اتسمت بروح التسامح والتعايش السلمي، واتخذت أوجه تعاون متنوعة، تجارية وثقافية وروحية خصوصا بعد انتشار الدين الإسلامي في مناطق أفريقية شاسعة على أيدي عرب شمال القارة.

وإذا كان الاستعمار الغربي قد أحدث نوعا من القطيعة في علاقات الطرفين، فإن محاربته والتحرر منه لعبا دورا كبيرا في إعادة نسج علاقاتهما مجددا على المستوى الثنائي بين دول من هذا الطرف ومن ذاك، إذ ساهمت دول عربية كمصر بعد ثورة يوليو (تموز) 1952، والمغرب بعد تحرره بدور كبير في مساعدة معظم حركات التحرير الأفريقية لنيل استقلال بلدانها، كما تم بمبادرة مغربية ودعم مصري عقد اجتماع أقطاب الدار البيضاء في يناير (كانون الثاني) 1961، الذي كان أول خطوة عملية في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1963.

إن التضامن السياسي الذي وضع اللبنات الأولى لعلاقات التعاون بين دول عربية وأخرى أفريقية بعد الاستقلال تجسد أكثر من خلال الدعم الذي قدمته معظم الدول الأفريقية للعرب في صراعهم مع إسرائيل. ففي خطوة تضامنية لافتة قامت جل دول القارة السمراء بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بعد عدوان يونيو (حزيران) 1967.

وقد كان للمواقف الأفريقية الداعمة للموقف العربي خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أثر فعال في توجه الطرفين نحو السعي إلى توسيع تعاونهما إلى مجالات أخرى اقتصادية وتجارية واستثمارية وثقافية وتعليمية وغيرها، وتوفير إطار جماعي لذلك من خلال إحداث آلية مشتركة للتشاور والتنسيق بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي بعد سنة 1999).

في هذا السياق وتجاوبا مع الدعوات المطالبة بإحداث إطار التعاون المأمول انعقدت القمة العربية الأفريقية الأولى في القاهرة في مارس (آذار) سنة 1977؛ تلك القمة التي تجاوزت الاكتفاء بإصدار البيانات الطموحة إلى تأسيس مجموعة آليات لمتابعة وتنفيذ ما يتم الاتفاق حوله من قرارات سياسية ومشاريع إنمائية. وأبرز هذه الآليات بعد القمة المشتركة للقادة، المجلس الوزاري بين وزراء الخارجية، ثم اللجنة الدائمة المؤلفة من 24 عضوا بالتساوي بينهما.

لكن سرعان ما فتر الحماس الذي تلا قمة القاهرة نتيجة مجموعة من المزايدات السياسية من أطراف عربية حاولت إما ممارسة نوع من الوصاية على الجانب الأفريقي واحتكار التحدث باسمه كما كان حال نظام العقيد القذافي أو استغلال المؤسسات المشتركة كساحة لممارسة الكيد من دول عربية ضد أخرى مثل محاولة إقحام البوليساريو وفرضها ضمن ممثلي الجانب الأفريقي نكاية في المغرب، وضد قرارات جامعة الدول العربية الرافضة للاعتراف بهذه الحركة الانفصالية.

انعكس هذا الفتور على انتظام اجتماعات آليات التعاون العربي والأفريقي، إذ لم تنعقد اجتماعات القمة المشتركة منذ سنة 1977 بالقاهرة لغاية سنة 2010 بطرابلس، ثم انتظمت في الاجتماع كل ثلاث سنوات بعقد الدورة الثالثة في الكويت سنة 2013، والرابعة في غينيا الاستوائية سنة 2016، ولكنها لم تنعقد منذ ذلك الوقت. وبدورها توقفت لجنة المتابعة عن الاجتماع منذ سنة 1986 إلى سنة 2001 بعد التخلي عن أوهام إقحام البوليساريو عنوة في اللقاءات العربية الأفريقية.

جرى تعويض هذا الخمول الذي اعترى الآليات الجماعية المشتركة بين الطرفين وأصاب أيضا برامج التعاون المقترحة بتطوير الكثير من العلاقات الثنائية بين دول الطرفين. وقد عرف هذا التوجه زخما كبيرا بعد ما لوحظ من تهافت دولي على التمدد اقتصاديا وتجاريا في أفريقيا من طرف دول كبرى كالصين، ودول مجاورة للعالم العربي استعملت- إضافة إلى الأبعاد التجارية والاستثمارية- ما لديها من قواسم مشتركة دينية مع دول أفريقية كما فعلت كل من إيران وتركيا.

ورغم ضخامة الجهود المبذولة بشكل منفرد من معظم الدول العربية مع دول القارة السمراء إلا أن نتائج التعاون بين الطرفين تظل دون مستوى التطلعات. فالتبادل التجاري بين الطرفين لا يتجاوز 5 في المائة من حجم التجارة الخارجية لأفريقيا، ولم تتجاوز قيمة الاستثمارات العربية في الدول الأفريقية غير العربية 4 مليارات دولار سنة 2015 ؛ فيما لا يتردد الجانب الأفريقي في انتقاد ما تتلقاه بعض دوله من معونات وهبات عربية معتبرا إياها ضئيلة.

لا شك في أن جزءا من هزال التبادل التجاري بين الطرفين يعود إلى الطبيعة التنافسية لاقتصاد عدد من الدول الأفريقية مع اقتصاد نظيرتها العربية خاصة الدول التي تعتمد على تصدير المواد الأولية، ولكن معظم الأسباب تكمن في عدم نجاعة الآليات الموضوعة للتعاون الجماعي، الذي يتطلب التخلي عن الحسابات الضيقة والتسلح بالإرادة الصادقة من أجل البحث جديا عن صيغ جديدة لتعاون متكامل في العديد من المجالات. فمثلا يمكن للقارة السمراء أن تكون مصدر أمن غذائي لعدد من الدول العربية بتوفرها على حوالي 60 في المائة من أراضي العالم الخصبة، التي لا يستغل منها إلا حوالي 10 في المائة نتيجة غياب الاستثمارات الكفيلة بتطوير باقي الأراضي وجعلها منتجة. 

font change