القاهرة: مع إصدار «غلوبال فاير باور» لتقريره السنوي للجيوش الأكثر قوة في العالم في العام 2021. والذي أفرد مساحة لترتيب الجيوش الأكثر قوة في منطقة الشرق الأوسط، وجاء فيه الجيش المصري، في الترتيب الثاني عشر عالميا، كما جاء في الترتيب الأول في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا، ليتفوق بذلك على الجيش التركي الذي جاء في المركز الثاني «أوسطيا» والثالث عشر عالميا، والجيش الإيراني الذي جاء في الترتيب الثالث «أوسطيا» والرابع عشر عالميا، والجيش الإسرائيلي الذي احتل الترتيب الرابع «أوسطيا»، والثامن عشر عالميا، ليصبح بذلك الجيش المصري سيدا لجيوش الشرق الأوشط وأفريقيا، والأول عربيا.
ترتيب الجيش المصري، والذي يدلل على مدى جاهزيته، وقوته يفتح الباب للتساؤلات حول مدى تأثير وقدرة الجيش المصري على حسم الملفات العالقة، في منطقة تموج بالتوترات، والاضطرابات، والصراعات، سواء الصراعات الإقليمية أو الدولية على بقعة تعد الأهم في العالم بما تملكه من قدرات بشرية وتنموية، وموارد اقتصادية وثروات طبيعية يأتي البترول العربي كأهم مواردها، ما يكسب المنطقة أهمية كبرى فوق أهميتها الجغرافية والتي تتوسط قلب العالم، ما يجعل من القوة العسكرية عاملا مهما للدفاع عن مقدرات هذه المنطقة والتي يأتي الجيش المصري كأكبر قوة عسكرية في المنطقة تملك قوة الردع، ومجابهة جميع التحديات التي تهدد الأمن القومي المصري على كل الاتجاهات الاستراتيجية للدولة المصرية، والحفاظ على الاستعداد القتالي الدائم والكفاءة الفنية العالية، بما يمكنه من تحقيق المهام التي توكل إليه، والدفاع عن أمن وسلامة الدولة المصرية والحفاظ على وحدة ترابها، ومواجهة كافة التحديات، والمتغيرات التي تطرا على المنطقة.
ما سبق يدفع للتساؤل حول قدرة الجيش المصري على فرض السلام عن طريق الردع، وحل وحسم الملفات العالقة والشائكة، التي تأتي قوة الجيش المصري كأحد العوامل التي لا بد أن توضع في الاعتبار عند مناقشة هذه الملفات مثل ملف مياه النيل، وأزمة سد النهضة الإثيوبي، والأزمة الليبية التي تعد قنبلة موقوته على الحدود الغربية للدولة المصرية، إضافة إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، ومساندة الأشقاء من دول مجلس التعاون الخليجي، في مواجهة المخاطر المحتملة التي تهدد الأمن القومي العربي، بما يمثله من قدرة على الردع، وهو ما تؤكد عليه القيادة المصرية دائما، بأن قوة الردع الممثلة في الجيش المصري تسبق دائما عملية الانخراط في الحرب، لأن مصر لا تضع ضمن أولوياتها الانخراط في أي حروب إقليمية مباشرة، وتسعى دائما لإرسال رسائل حاسمة بأن لديها جيشا قويا قادرا على خوض أي حروب إقليمية والخروج منها منتصرا بما لديه من قدرات عسكرية كبيرة، وسعيه الدائم لتنويع مصادر السلاح وعقد صفقات قوية كان أهمها خلال السنوات الماضية صفقة طائرات الجيل الرابع، من طراز «رافال» الفرنسية، والتي تعاقدت مصر على 24 طائرة منها، ثم أتبعتها بالتعاقد على صفقة قوامها 30 طائرة أخرى من طراز «رافال» أيضا، وفرقاطات بحرية متعددة المهام من طراز «فريم» أصبحت تصنع في الترسانة البحرية بالإسكندرية، وحاملتي طائرات مروحية من طراز «ميسترال» للعمل في نطاق الأسطول الشمالي في البحر المتوسط، والأسطول الجنوبي في البحر الأحمر.
الردع دون استخدام القوة أو التلويح بها
تصنيف مؤسسة «غلوبال فاير باور» المنوط به تقييم القدرات العسكرية لدول العالم سنويا، والذي صنف الجيش المصري كأقوى جيوش المنطقة، ووقوعه في المرتبة 12 عالميا هو حسب الخبير العسكري والمفكر الاستراتيجي، اللواء أركان حرب سمير فرج، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، رسالة ردع إيجابية لبقية الدول، حيث إن كل هذه التقديرات تمنع أي قوة من الاقتراب من الدولة المصرية، ومصالحها، لأن الجيش المصري قادر على حسم جميع الملفات وهذا من خلال الواقع، مؤكدا على أن الجيش المصري هو جيش دفاعي في المقام الأول ولم يسع أبدا للاعتداء على أحد، فليس من عقيدة الجيش المصري الاعتداء، أو التلويح باستخدام القوة برغم قدرته على ذلك، وقد وضح ذلك من خلال تعامل مصر مع أزمة السد الإثيوبي حيث مارست مصر سياسة النفس الطويل، والسعي الدائم لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، للوصول إلى اتفاق قانوني وملزم للجانب الإثيوبي يحفظ حقوق مصر المائية في نهر النيل، وهو ما يتضح من خلال تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تؤكد دائما على منهجية مصر في التعامل مع الملفات الحيوية والحساسة بروح من الحكمة والعقل، رغم امتلاك مصر للقدرات العسكرية التي تؤهلها عند الضرورة للوصول إلى الأراضي الإثيوبية والتعامل مع السد في حال وصول الأزمة إلى طريق مسدود، حيث إن استخدام القوة هو الخيار الأخير بعد استنفاد كل الجهود الدبلوماسية والسياسية دون الوصول لاتفاق، وكذلك الوضع في الملف الليبي، فالقدرة المصرية كانت حاسمة في مواجهة مهددات الأمن القومي المصري التي تأتي من المحور الاستراتيجي الغربي من الداخل والعمق الليبي عندما تدخلت الإرادة المصرية بوضع خطوط حمراء ممثلة في الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس عبد الفتاح السيسي «خط سرت- الجفرة» والذي كان حاسما وله آثاره التي انعكست على الأوضاع هناك، كذلك برزت أهمية الردع في القطاع الاستراتيجي الشرقي من خلال مواجهة التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، وهو ما يؤكد قدرة الجيش المصري على المساهمة في حسم الملفات الشائكة التي تتطلب إظهار قوة الردع دون استخدام القوة أو التلويح بها، مشيرا إلى أن الجيش المصري يعد أكثر جيش في العالم يجري تدريبات مشتركة مع جيوش الدول العربية، والصديقة والتي تحرص على الاستفادة من خبرات الجيش المصري التي اكتسبها في الحروب.
لا علاقة بين الترتيب وحسم الملفات
تصنيف الجيش المصري كأكبر جيوش الشرق الأوسط والعالم العربي، وأفريقيا، والذي كان بمثابة الكاشف عن مدى الخبرات الكبيرة في خوض الحروب النظامية وإمكانياته التقنية والميدانية التي أظهرها في مواجهة التنظيمات الإرهابية خاصة في سيناء، أصبح مثار التساؤلات حول قدرة الجيش المصري على حسم الملفات الشائكة والعالقة، وهو ما صححه الخبير العسكري والاستراتيجي مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، اللواء أركان حرب عادل العمدة، في تصريحات خاصة لـ«المجلة» بقوله لا يمكن ربط التصنيف وترتيب الجيش المصري بحسم الملفات العالقة، ولكن يجب طرح السؤال بصيغة، هل تصنيف الجيش المصري القوة 12 على العالم يعبر عن حقيقة واقعة؟ أو أمر واقع؟ فتكون الإجابة نعم، ونستطيع أن نسوق الأدلة على ذلك، ولكن الترتيب ليس له علاقة بحسم الملفات، لأن الجيش المصري يملك من القدرة على حسم أي ملف قبل هذا التصنيف وبعده، كما أن تطوير القدرات المصرية يسير دون أن يستطيع أي طرف إملاء توجه بعينه على قرارات واتجاهات القوات المسلحة المصرية التي تملك عقيدة راسخة تبنى على تأمين الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة للدولة، ولا تتورط في صراعات لا طائل منها، مؤكدا في ذات الوقت أن الدولة المصرية وخلال إدارة أزمة سد النهضة مع الجانب الإثيوبي «قاربت على عشر سنوات من التفاوض» لم تصرح ولو لمرة واحدة أو تلوح باستخدام القوة، وإنما تؤكد الدولة المصرية دائما على سعيها للوصول إلى صيغ للتفاهم من خلال اتفاق قانوني ملزم يحافظ على الحقوق المائية لمصر، وكذلك بالنسبة للأزمة الليبية فقد حققت القوة المصرية الردع من خلال إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي «خط سرت- الجفرة» خطا أحمر، وهو ما كان له الأثر البالغ في الحفاظ على الأمن القومي المصري، وإظهار الاستعدادات القصوى والقدرة الشاملة على الدخول في حرب مع الأطراف الإقليمية المعادية في ليبيا، كما أن توظيف القوة العسكرية المصرية ظهر من خلال المشاركة في عاصفة الحزم لتأمين مضيق باب المندب من التهديدات الإيرانية، وقدرة مصر على تعديل الملحق الأمني بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وانتشار القوات المسلحة على كافة الأراضي في شبه جزيرة سيناء.
أهداف خبيثة وراء وضع التصنيفات
فيما أكد الخبير العسكري والاستراتيجي بأكاديمية ناصر العسكريا العليا اللواء حمدي بخيت، أن هناك ما يشي بوجود أهداف وأبعاد خبيثة تقف خلف هذا النوع من التقييمات، فالتصنيفات تركز على مظاهر الكفاءة القتالية دون أن تراعي القوة القتالية على الأرض، ما يجعل هناك تشكيكا حول ما يتم طرحه من تقييمات عسكرية من قبل «غلوبال فاير باور»، «فليس من المعقول أن يكون الجيش المصري الذي لا يملك سلاحا نوويا متقدما على قوى تملك هذا السلاح في المنطقة مثل إسرائيل».
ويضيف الخبير العسكري اللواء نصر سالم أن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط قابلة للانفجار في أي لحظة مع استمرار الأزمات التي امتدت لسنوات طويلة، دون آفاق لحل هذه الصراعات التي تعتمل داخل المنطقة، لذا فإن القوة العسكرية المصرية تتحسب لذلك، في ظل وجود تقديرات تشير إلى إمكانية الحسم العسكري في ملفات قد تطال شرارتها الأمن القومي المصري مثل الأزمة الليبية لذا فهناك استعدادات لمثل هذه الاحتمالات التي قد تكون بعيدة عن التحقق، والجيش المصري لديه القدرة على خوض حروب إقليمية متى كانت هناك حاجة إلى ذلك، غير أن اتخاذ مثل هذا القرار على مستوى قادة الجيوش لا يرتبط بمدى قوة كل جيش وفقا لتصنيفات نظرية ومعلومات قد لا تكون دقيقة في كثير من الأحيان لأنها تتوقف على ما تقدمه الجيوش وتسمح بالتعرف عليه، وذلك- حسب الخبير العسكري اللواء نصر سالم- الذي أكد أن تصنيفات «غلوبال فاير باور» تؤكد على قدرة الجيش المصري على ذلك،
ويضيف: إلا أن القاهرة تبعث رسائل وإشارات طمأنة للداخل والخارج من وراء عملية التسليح المستمرة بأن لديها إمكانات تؤهلها للدفاع عن أمنها القومي المصري والعربي، وقوة ردع جاءت بنتائجها الإيجابية خلال السنوات الماضية بعد أن أوقفت أطماع قوى تولدت لديها رغبة في اختراق العمق المصري، وأن تزايد الاهتمام بالتصنيفات الدولية في العقد الأخير حقق أهدافا إيجابية على مستوى الردع وفتح الباب أمام الجيش المصري للدخول في تدريبات مشتركة مع قوى إقليمية ودولية عديدة لتبادل الخبرات، وانعكس الأمر على إظهار القوة العسكرية لأطراف معادية راجعت مواقف تعاملها مع الدولة المصرية مؤخرا، وهو ما يشير إليه إعلان الجيش المصري مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري من تنفيذ 41 تدريبا مشتركا بينها 29 تدريبا داخل الحدود عام 2021، وشمل ذلك تدريبات جوية وبحرية وبرية باستخدام أحدث الأسلحة والتكنولوجيا، وقبلها بعام تم تنظيم 33 تدريبا مع قوى إقليمية وعربية، كما أن توالي التدريبات وتنوعها مع جهات عديدة في الشرق والغرب والجنوب والشمال يؤكد على أنه ليس هناك توجه عدائي يمكن أن يشكل مؤشرا على الدخول في حرب نظامية، وبرهن تنوعه في اتجاهات استراتيجية مختلفة على عدم وجود تركيز على جبهة بعينها وتحول بعضها إلى استعراض قوى وحمل تأكيدات على وجود شراكات عسكرية مع قوى متباينة. كما أن التسليح المصري يدخل في إطار تعزيز التحالفات السياسية مع دول الخليج العربي على سبيل المثال، والحفاظ على محور اعتدال عربي لديه قدرات عسكرية قادرة على مجابهة المشروعات الإقليمية المعادية القادمة من إيران.