بيروت: شهد يوم الخميس الماضي الذكرى السنوية الأولى لاغتيال المفكّر والناشط السياسي لقمان سليم، وتتخلّل مراسم هذه السنوية وقفة صامتة رافقها ارتجال موسيقي، ومن ثم ألقى العديد من الشخصيات الرسمية والسفراء كلمات بهذه المناسبة، وكذلك جانب من أفراد عائلة لقمان وأصدقائه، بالإضافة الى تقديم جوائز تحمل اسمه «غار لقمان سليم» الذي صُنع من صخرٍ و شمسٍ و زويلة بعبارة صفر خوف، كما تم افتتاح معرض يضم جُملا وعبارات كتبها سليم على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان قد عُثر على سليم في 4 فبراير (شباط) 2021، مقتولا برصاصات عدة داخل سيارته في قرية في الجنوب، غداة بلاغ من أسرته حول فقدانها الاتصال به خلال عودته من زيارة صديق له في المنطقة التي تعد من أبرز معاقل حزب الله، وخاضعة للقرار الدولي 1701. وعرف سليم المولود لأب كان محاميا لامعا وأم مصرية باحثة وصحافية أنه كان رافضاً للطائفية، ومعارضاً شرساً لحزب الله حيث عبّر أكثر من مرّة عن رفضه لقيام حزب الله بأخذ لبنان رهينة لإيران.
ويصنف سليم على أنه ناشط سياسي جريء وباحث حيث عمل على توثيق ذاكرة الحرب الأهلية (1975-1990) وتعزيز قيم المواطنة والمساواة، وقد أثار اغتياله صدمة في لبنان. ونددت به الأمم المتحدة ودول غربية عدة شارك سفراؤها في مشهد نادر في مراسم تأبين أقيمت في دارته في حارة حريك، بعد أسبوع من مقتله.
ووجه سياسيون وإعلاميون أصابع الاتهام في الاغتيال إلى حزب الله. وتقول العائلة إن الحزب هدد سليم أكثر من مرة أبرزها في ديسمبر (كانون الأول) 2019، حين تجمّع أشخاص أمام منزله في حارة حريك مرددين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على سور حديقته بينها: «المجد لكاتم الصوت».
وبمناسبة الذكرى السنوية، أجرى الأستاذ في جامعة القديس يوسف في بيروت الدكتور نصري مسره بحثاً حول «شبكة الكراهية» التي واجهها لقمان في حياته وتتابعت بعد مماته، فتبيّن أن عدد متابعيه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لم يتجاوز 2894 متابعاً أما هو فتابع 1979 مغرّداً. لقمان، أنشأ حسابه في أبريل (نيسان) 2013، ومن حينها حتى مماته، غرّد 2362 مرة، بمعدل تغريدة واحدة يومياً. ومن التغريدات التي تم جمعها، يُستنتج أن لقمان ذكر سبع مرات حساب الجيش اللبناني على «تويتر» في إشارة إلى حقّ المواطنين في التظاهر السلمي من دون التعرض للأذى. كما سأل سبع مرات شرطة التحكم المروري عن أوضاع الطرقات. وهو تفاعل مع موقع «syria_true» الذي يدعو إلى بناء دولة سورية علمانية. كما كان يتفاعل غالباً مع النائب السابق فارس سعيد.
كما أصدرت العديد من الجهات السياسية بيانات إدانة لعملية الاغتيال بعد عام على وقوعها، حيث اعتبر المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان أنّ اغتيال لقمان سليم هو «قضية وطنية، الشهيد لقمان سليم قُتل غيلةً لإسكات صوته الصارخ في برية الحرية».
وعبّر محامو المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان عن «التضامن مع العائلة ومع جميع اللبنانيين الأحرار الذين ينتصرون للصوت في مواجهة كاتم الصوت الذي أفرغ رصاصات حقده بجسد رفيقنا وصديقنا لقمان سليم الذي نحيي اليوم ذكرى اغتياله السنوية الأولى».
ولطالما عانى لبنان من عدم الوصول إلى الحقيقة في عمليات الاغتيال، فقد أحصت شركة «الدولية للمعلومات» للأبحاث والإحصاءات 220 اغتيالا ومحاولة اغتيال منذ استقلال لبنان عام 1943 حتى اغتيال سليم. والسبب الرئيسي في عدم اكتشاف المجرمين هو النقص في الأدلة حيناً أو التدخلات السياسية في عمل القضاء حيناً آخر.
وفي مواكبة للذكرى السنوية الأولى، أجرت «المجلة» مقابلة مع شقيقة لقمان سليم، السيدة رشا الأمير.
* أين وصلت التحقيقات فيما يتعلّق بجريمة اغتيال لقمان سليم؟
- التحقيق سرّي، ولا أملك أي صلاحية للإدلاء بالتفاصيل حوله. ولكن مجمل الأحوال، فإنه من الصعب الحديث عن القضاء في لبنان كحالة منفصلة عن الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد، وأنا أطمح لرفع يد السياسة عن القضاء وأن يكون قضاء مستقلا وشجاعا ويمكنه زج المجرمين في السجن.
* هل تخشين من عدم الوصول إلى المسؤولين عن عملية الاغتيال؟
- هناك الكثير من القضايا التي تمكنت فيها الأجهزة الأمنية من الوصول إلى المسؤولين عن عمليات الاغتيال، منذ عملية اغتيال كامل مروة وصولاً إلى عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من تحقيق دولي، وأنا لدي أمل كبير بأن نصل إلى القتلة ومن أرسل هؤلاء القتلة، أي الذين حرضوهم.
* بعد عام على اغتيال لقمان سليم.. ماذا بقي من ذكراه؟
- لقمان حي في قلبي وأنا لم أفقده بل إنه موجود أكثر من ذي قبل، فهو حاضر في حياتي ويومياتي، وأستمد منه الشجاعة والقوة من أجل استمرار الفكرة التي كان لقمان يُدافع عنها وهي فكرة العدالة والقضايا المحقة، فهذا البلد يستحق أن يكون هناك أناس يدافعون عنه.
* لماذا لم تفكروا في مغادرة المنطقة أو لبنان بعد عملية الاغتيال؟
- هذا البلد وهذه القرية التي ننتمي إليها هي مكاننا النهائي، ونحن باقون هنا حتى نتحول إلى تراب.
* هل تستكملين ما بدأه لقمان سليم على صعيد القضايا التي آمن بها؟
- نعم ولست وحدي، فاللبنانيون الذين يؤمنون بأن لبنان بلد نهائي معي، وأنا لا أشعر أنني وحيدة، فصحيح أن هناك حزبا حاكما ومنتصرا، ولكنه منتصر على دماء شعبه. وأنا بودي رفع الظلم عن الناس المظلومين، ونحن ندافع عن القيم وسنبقى ندافع عنها.
لقمان كتب رسالة عندما هُددنا على مدخل المنزل اتهم فيها قوى الأمر الواقع، وأنا من جهتي أتهم الناس الذين حاصروه ببغضهم منذ أكثر من 17 عاما بالتغريدات والمظاهرات والتهديدات ويُحاصرون لبنان ببغضهم.