القامشلي: شهدت محافظة الحسكة السورية الواقعة شمال شرقي البلاد، اشتباكاتٍ مسلّحة بين عناصرٍ من تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ«قسد» المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده ضد التنظيم المتطرّف في سوريا والعراق المجاور، وذلك قبل أيام عقب محاولة عناصر من التنظيم الفرار من سجنٍ يخضع لسيطرة «قسد» ويقع في حي غويران بالحسكة والذي يعرف كذلك بسجن «الصناعة».
ومع اندلاع تلك المواجهات التي تستمر منذ أيام، والتي تزامنت مع مواجهاتٍ أخرى بين عناصر من تنظيم داعش من جهة وقوات النظام السوري من جهة أخرى في بادية الرقة، جدد مسؤول في «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها والتي تضم مناطقها كامل محافظة الحسكة التي شهدت تلك المواجهات، دعوته الدول التي ينحدر منها معتقلو داعش إلى إعادتهم أو محاكمتهم في المناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية» التي تضم مناطقها أيضا أجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور، إضافة إلى حلب.
على المجتمع الدولي مساندة الإدارة الذاتية
وقال لقمان أحمّي المتحدّث الرسمي باسم «الإدارة الذاتية» لـ«المجلة» إن «أولئك الإرهابيين القابعين لدينا في السجون يجب محاكمتهم في محاكم خاصة في مناطقنا ليلقوا جزاءهم»، مضيفا أن «الإدارة الذاتية تطالب في الوقت نفسه الدول المعنية باستعادة رعاياها من مخيم الهول»، والذي يضم آلاف الجهاديات الأجنبيات اللاتي ينحدرن من مختلف الجنسيات الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
وأضاف أن «المجتمع الدولي ينبغي عليه مساندة الإدارة الذاتية عسكريا وأمنيا ولوجستيا واقتصاديا، لمنع تكرار هجماتٍ مشابهة كالتي حدثت في سجن الصناعة، فهي تشكّل خطرا على الأمن والسلم الدوليين»، منوّها أن «الوضع بعد هجمات مجموعاتٍ من تنظيم داعش الإرهابي على ذلك السجن، بات تحت السيطرة الكاملة لقوات سوريا الديمقراطية»، التي تعد بمثابة «جيش» الإدارة الذاتية في مناطق نفوذها.
ولم يذكر المسؤول الكردي أعداد عناصر تنظيم داعش الذين تمكّنوا من الفرار من سجن الصناعة الذي يضم آلاف العناصر الأجانب من التنظيم المتطرف والذين وقعوا في قبضة «قسد» قبل سنوات عندما كانت تشن تلك القوات المدعومة من واشنطن هجوما واسع النطاق على بلدة الباغوز السورية الواقعة على الحدود مع العراق، للقضاء على التنظيم المتطرّف في آخر معاقله وهو ما أعلنت عنه «قسد» في أواخر شهر مارس (آذار) من عام 2019.
وقال المسؤول في هذا الصدد إنه «لا يمكننا معرفة أعداد الفارين إلا بعد الانتهاء الكامل من عملية إعادة السيطرة على السجن والقيام بالإحصائيات المطلوبة، لكن باعتقادي ليست هناك حالات فرار من سجن الصناعة»، ملمّحا إلى أن العناصر التي فرّت من محيط السجن هي تلك التي كانت تهاجمه وهي خلايا نائمة للتنظيم المتطرّف بدأت هجومها على السجن من خارجه باستخدام عرباتٍ مفخخة.
استخدام المدنيين كدروع بشرية
اتهم أحمّي، المجموعات التي شنّت هجوما على السجن باستخدام بعض المدنيين، كدروعٍ بشرية، وهو ما منع نزوح السكان المحليين من حي غويران الذي يضم السجن الذي يحوي آلاف الجهاديين الأجانب، إلى مناطق أخرى.
وعلى خلفية تلك المواجهات، أعلنت «الإدارة الذاتية» قبل أيام عن منعٍ للتجوّل في كامل محافظة الحسكة وعدد من المناطق الأخرى، سوف يستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل: «لمنع المجموعات المهاجمة من التحرّك بحرّية وتسهيل عمليات القبض عليهم أو قتلهم»، على ما أفاد أحمّي لـ«المجلة».
وتابع أن «التنظيم الإرهابي يستخدم المدنيين كدروعٍ بشرية، فهو يتخفى بينهم، ولذلك تمّ فرض منع التجوّل لمدّة أسبوع وسوف يستمر إلى حين انتهاء إجراءات السيطرة الكاملة على سجن الصناعة».
وأضاف المسؤول الكردي: «كذلك تقدّم السلطات السورية في دمشق تصوّرا على أن سجناء داعش الإرهابيين هم مدنيون، وهذا غير صحيح، لكن الهدف هو إفشال جهود الإدارة الذاتية والتحالف الدولي في محاربة داعش، وتقديم أنفسهم كبديل لإدارة المنطقة، لكنهما فشلا في ذلك».
وعلى خلفية ذلك الهجوم الذي يعد الأعنف للتنظيم المتطرف منذ خسارته لآخر معاقله في سوريا قبل أقل من 3 سنوات، فقدَ 27 مقاتلا من قوات «سوريا الديمقراطية» حياتهم، علاوة على 5 مدنيين، على ما أفاد مسؤول إعلامي في «قسد» لـ«المجلة».
كما خرج المئات من أهالي الحسكة لحراسة بيوتهم وممتلكاتهم في مداخل الأحياء التي يقطنونها، بينما أظهرت الصور ومقاطع الفيديو الواردة من هناك، وجود أسلحة خفيفة بحوزتهم، وذلك استعدادا لأي هجماتٍ قد يشنها تنظيم داعش.
الرواية الكاملة للهجوم
وقال سيامند علي، المنسّق الإعلامي لوحدات حماية الشعب وهي جماعة مسلّحة كردية تعد من أبرز التشكيلات العسكرية المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية التي تشكّلت في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2015 إن «الهجوم على سجن الصناعة بدأ بثلاث عرباتٍ مفخخة استهدفت الأبواب الرئيسية للسجن، مع مشاركة ما يتراوح بين 100 و120 عنصرا من خلايا تنظيم داعش النائمة والذين استهدفوا السجن من أربعة محاور».
وأضاف لـ«المجلة»: «بعد التفجيرات التي حصلت، قام سجناء داعش باستعصاء داخل السجن بعدما حرقوا المهاجع، فخرج السجن لمدّة قصيرة عن السيطرة، لكن بعد التدخل السريع من قبل قوات مكافحة الإرهاب تمت إعادة السيطرة عليه، حيث فرضت طوقا أمنيا على السجن، وأيضا في الحي المجاور للسجن المؤلف من بضعة أبنية حكومية وكليات جامعية. هذا الطوق الأمني منعهم من توسيع وجودهم، وكل من سعى للهروب لم يستطع تجاوز تلك المناطق».
وتابع: «منذ بداية تلك الهجمات عندما دخل عناصر داعش إلى داخل السجن، تمكن بعضهم لاحقا من الفرار في غضون تلك الاشتباكات، لقد هرب المهاجمون من الخلايا النائمة إلى حي قريب وصغير، لكن السجناء لم يتمكنوا من تجاوز أسوار السجن، وقد ألقينا القبض على 110 من عناصر التنظيم عندما كانوا يحاولون الفرار وهم في قبضة قواتنا الآن. بتقديري من المحتمل أن أعدادا صغيرة منهم وصلت إلى الحي المحيط بسجن الصناعة».
كما كشف سيامند علي عن وجود 175 جثة لمقاتلي داعش في قبضة القوات التي ينسّق شؤونها الإعلامية وذلك بعد 4 أيامٍ من المواجهات المسلّحة، بالإضافة لاحتجاز المئات من عناصر التنظيم مجددا خلال محاولتهم الفرار من السجن، بينهم 13 عنصرا من تنظيم داعش كانوا أعضاءً في خلايا نائمة ولم يكونوا معتقلين سابقا لدى «قسد».
وأردف أن «الأماكن التي يتحصّن فيها أعضاء الخلايا النائمة لتنظيم داعش تقع خارج السجن ضمن مساحة تقدر بنحو كيلومترين، لكن بعد العمليات التي قمنا بها بدعمٍ جوي من التحالف الدولي أرغموا على التراجع باتجاه بعض المهاجع التي يسيطرون عليها حتى الآن».
وبحسب المنسق الإعلامي للوحدات الكردية، فقد كان التنظيم المتطرّف يحضّر لهذه الهجمات منذ 6 أشهر وفق الاعترافات التي حصل عليها «قسد» من المهاجمين الذين ألقت القبض عليهم في عملياتٍ حظيت بدعمٍ جوي من التحالف الدولي.
وتابع: «كانت التحضيرات تتم من مناطق سورية تحتلها أنقرة، بالإضافة لبعض المناطق الأخرى بالتعاون مع خلايا نائمة للتنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرة قواتنا، ومن الواضح أيضا أن داعش يعمل بالتنسيق بين عناصره في سوريا والعراق، لكن بالتزامن مع تلك الهجمات شنّت تركيا هجماتٍ على مناطقنا في خطوط التماس مع قواتها بعدما استهدفت عرباتٍ لـ«قسد»، وبالتالي تجتمع أنقرة مع دمشق ضدنا».
كما حذّر علي من تداعيات عودة تنظيم داعش، مطالبا المجتمع الدولي بتغيير استراتيجيته في مواجهة التنظيم المتطرّف، فهو بحسب وصفه: «يشكل خطرا أكبر» من الفترات الماضية التي تلت سقوط بلدة الباغوز التي كانت آخر معاقله.
كذلك ناشد المجتمع الدولي، بتحمّل مسؤولياته في التعاطي مع مسألة سجناء داعش فهي ليست مهمة «قسد» و«الإدارة الذاتية» لوحدهما، على ما ذكر خلال تصريحاته لـ«المجلة».
وقال في هذا السياق أيضاً: «يجب إيجاد حلول لهذه المشكلة، فهي تتجاوز إمكانيات الإدارة الذاتية وقسد، ولذلك يجب أن يكون هناك حلول دولية».
تقدّم بطيء
وكانت قوات سوريا الديمقراطية، قد جرّدت عددا من مقاتليها من هوياتهم العسكرية وطردتهم من صفوفها، وذلك عقب تداول صورٍ ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد إلقاءهم القبض على عناصرٍ من تنظيم داعش بعدما حاولوا الفرار من سجن الصناعة.
وذكر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية أنها قررت تجريد عدد من مقاتليها من هوياتهم العسكرية وطردهم من صفوف قواتها، وإحالتهم للقضاء المختص بسبب إخلالهم بالقيم والمبادئ الأخلاقية والعسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، على حد وصف المركز بعد تداول صورٍ ومقاطع فيديو تظهر عناصر تنظيم داعش مجرّدين من بعض ملابسهم.
وبالتزامن مع هذه التطورات، أعلنت قوات الأسايش (وهي بمثابة قوى الأمن الداخلي في مناطق الإدارة الذاتية)، عن إلقاء القبض على ثلاثة عناصر من تنظيم داعش في أحد أحياء محافظة الحسكة. وتشارك هذه القوات في عمليات التمشيط التي تنفذها «قسد» في محيط سجن الصناعة.
وكشف مصدر من قوات الأسايش لـ«المجلة» أن «فرقها الأمنية توصلت لخلية إرهابية مؤلفة من ثلاثة أشخاص، في أحد الأحياء المحيطة بسجن الصناعة، حيث تم إلقاء القبض عليهم جميعاً»، منوها إلى أن «كمياتٍ كبيرة من السلاح ضُبِطت بحوزتهم وكانوا يساندون الإرهابيين عبرها».
ووفقا لمعلوماتٍ حصلت عليها «المجلة»، فإن بقايا عناصر التنظيم الجهادي الذين هاجموا سجن الصناعة بحي غويران يتخّذون من مئات الأطفال المحتجزين الذين يُعرفهم التنظيم بـ«أشبال الخلافة»، دروعا بشرية داخل أحد المهاجع لإعاقة سيطرة «قسد» على السجن مجدداً.
وطبقا للمصادر، فإن قوات سوريا الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي تتقدم بشكلٍ بطيء باتجاه المهاجع داخل السجن خشية عمليات الإعدام الميدانية التي قد ينفذها التنظيم بحق مقاتليه السجناء أو أطفال «أشبال الخلافة» الذين تم اتخاذهم كدروع بشرية.
وكان المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية قد أشار أيضا في وقت سابق إلى حدوث «موجة من التصفيات الداخلية» بين من وصفهم بـ«مرتزقة داعش» في سجن غويران بالحسكة، حيث قتلت مجموعة من داعش سبعة من عناصرها على الأقل كانوا ضمن صفوفها، بعدما حاولوا التقدم باتجاه قوات سوريا الديمقراطية لتسليم أنفسهم.