بين إيران وكلام تشرشل لتشامبرلين

بين إيران وكلام تشرشل لتشامبرلين

يقول المثل إن بعض الناس يظنون أن التفاؤل هو انتظار خروج وردة دون أن يزرعوها بعد، وكذلك صار وضع بعض السياسيين والمحللين، ترى بعضهم يتحدث عن انتصارات وبطولات دون أن يخوض المعركة.

 

مما لا شك فيه أن إيران تكبدت في الأعوام الماضية ضربات عدة موجعة، من الانسحاب الأميركي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، إلى اغتيال مهندس الحروب الإيرانية على العرب قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إلى الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقع تابعة لميليشياتها أو مخازن أسلحة لها في سوريا، إلى التقدم السريع مؤخرا لقوات الشرعية بدعم من قوات التحالف في اليمن ضد ميليشيا الحوثي الموالية لطهران، مرورا بنتائج الانتخابات العراقية، وصولا إلى الأوضاع اليائسة التي يعيشها لبنان والتي يحمل جزء كبير من اللبنانيين مسؤوليتها لحزب الله وإلحاقه لبنان كاملا بالمحور الإيراني.

ولكن هذه الخسائر وحدها لم تكن كافية للحد من نفوذ إيران في المنطقة ولا من وقف مشاريعها التوسعية، ويعود ذلك لأسباب عدة بعضها يتعلق بوجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض وتحديدا رئيسا كالرئيس جو بايدن الذي كان شخصا أساسيا في إدارة أوباما، والذي لا تزال المنطقة العربية تدفع ثمن تخاذله وخذلانه بل وتخليه عن كثير من القيم الأميركية كرمي توقيع الاتفاق النووي الشهير مع طهران. أما السبب الثاني فيعود إلى غياب مشروع عربي موحد أو استراتيجية موحدة أو حتى حد معقول من التنسيق بين الدول المتضررة من المشروع الإيراني التوسعي.

اليوم وأكثر من أي وقت مضى صار واضحا للجميع انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة رغم كل التطمينات التي تحاول واشنطن بين فترة وأخرى إرسالها ورغم كل التأكيدات بأنها لا يمكن أن تتخلى عن حلفائها التقليديين، فإن كانت إسرائيل الحليف المدلل والأقرب لإسرائيل ترى «تغييرا مقلقا» في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، فكيف الحال مع دول الخليج العربي والمنطقة ككل. فوفقا لما ذكره التقرير السنوي لباحثي معهد بحوث الأمن القومي حول وضع الدولة الاستراتيجي، والذي رفع إلى الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، فإنه وعلى الرغم من أن «تعلُّق إسرائيل بدعم الولايات المتحدة مستمر، لكن المساعدة التي يمكن لواشنطن أن تقدمها لإسرائيل تتآكل بسبب الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة، وبسبب تركيز الاهتمام الأميركي على المشاكل الداخلية والصراع مع الصين».

وخلص الباحثون إلى أن إسرائيل لا تستطيع التعامل وحدها مع التحديات التي تطرحها إيران، وأن على إسرائيل تعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة بغض النظر عن نتائج المحادثات في فيينا.

وذكر الباحثون في تقريرهم: «إن إسرائيل منذ عقود لم تضع سياسة لوقف البرنامج النووي الإيراني، وأنها تعاملت فقط مع تأخير المشروع».

فإن كان هذا حال إسرائيل، فكيف هو الوضع في المنطقة العربية ودول ما صار يعرف بدول المحور الإيراني، ففي العراق وبعد خسارة نسبية للميليشيات الإيرانية للانتخابات، إلا أن إعادة الرهان على أحصنة خاسرة تبدو نتيجته كأن الانتخابات لم تكن، وأن أي تغير لن يؤثر بنيويا على سيطرة إيران على العراق ومقدراتها. أما في لبنان فإصرار بعض الفرقاء ولحسابات ضيقة جدا من التلهي عمليا بتصفية حلفائهم ولفظيا بفتح معارك دونكشوتية مع حزب الله كانت نتيجته، وإن كان البعض لا يزال يكابر ليراها ويعترف بها، هي خسارة ليست فقط وحدة الصف سياسيا بل وحتى على مستوى اللبنانيين بين بعضهم البعض، ولم يعد الشرخ بين مشروع «لبنان أولا» ومشروع ولاية الفقيه، بل بات بين مشاريع زعامات فردية وشخصيات طامحة وبين مشروع ثابت لم يتزحزح، بل على العكس ورغم كل ما يتعرض له لبنان من أزمات، يستمر مشروع إيران بخطوات ثابتة وواثقة من فرض المزيد والمزيد من الهيمنة على ما تبقى، إن تبقى، من لبنان.

أما على الصعيد السوري، فبعد حرب مستمرة منذ عشر سنوات، وبعد تضحيات قدمها السوريون قل مثيلها، للتخلص من نظام ديكتاتوري دموي وللتحرر من الاحتلال الإيراني المباشر وغير المباشر، لا تزال المعارضة غير قادة حتى على المحاولة للارتقاء إلى مستوى الحدث، فتراهم يركضون ويتخبطون إن سمعوا فقط بنية عقد اجتماع وهم غير مدعوين، أما ما يحصل على الصعيد السوري والعربي والإقليمي والدولي فهم أبعد ما يكون.

إن كان التقرير الإسرائيلي خلص إلى أن «إسرائيل لن تكون قادرة وحدها على التعامل مع التحديات التي تشكلها إيران»، فكيف الحال ونحن مجموعات متناحرة فشلنا حتى في ترتيب أولوياتنا ووضع خطة للحد الأدنى من التنسيق بعد أن ضاع العراق وضيعنا سوريا وسلمنا أن حزب الله قدر لبنان.

لقد بات همنا أن نمنع إيران من التمدد عبر إعطائها الشرق الأدني كجوائز لكنها ستأخذ الجائزة وستستمر في تمددها ونهجها التصعيدي.

إن المنطقة تعيش لحظة فاصلة تشبه ما عاشته أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية عندما علم جميع القادة في أوروبا نوايا هتلر وعرفوا أنه لا يمكن استرضاؤه ومع ذلك ذهب كل منهم في محاولة لإعطاء هتلر بعض الجوائز فغضوا الطرف عن اجتياح بولندا ثم التشيك حتى كادت أوروبا كلها تذهب إلى غير رجعة، لقد قالها تشرشل لتشامبرلين: «لقد خُيّرت بين المهانة والحرب، فاخترت المهانة، وستفرض عليك الحرب».

font change