مع تفاقم الأزمة بين النيتو وروسيا واتجاه أنظار العالم إلى أوكرانيا واستمرار جائحة كورونا للعام الثالث على التوالي، وتناسي العالم للإسلام السياسي ولو مؤقتا، وانحسار ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى حين. فكان لزاما على المفكرين في العالم الإسلامي أن يقوموا بمراجعات فكرية عميقة ليس بغرض استعراض العضلات الفكرية لأن هذا ترف لا ينبغي لأمة الإسلام أن تتعاطاه في زمن الضعف والانحلال والهوان، بل يجب أن يكون الهدف هو إحياء أمة المسلمين والولوج إلى الحضاره الإنسانية من الأبواب الملكية عن جدارة. وهذا لا يتأتي إلا بصلاح النخبة بجميع أطيافها طالما توحد الهدف، فلا يهم ولا يصح أن نختلف على توزيع الغنائم قبل الحصول عليها، فمجموع أكبر عدد من الأصفار هو صفر، وبدلا من ذلك علينا ولو لمرة واحدة تبني الجدية في الهدف والواقعية في التنفيذ بلا إفراط ولا تفريط، والبعد عن الشعارات الحنجورية دون تفحيص وتمحيص. فكلنا سمع وتداول الشعار الخالد للإسلام السياسي بأن الإسلام هو الحل ولم يتعطف علينا أحد بشرح الكيفية ولكن ثبت بلا شك أنه كلام للاستهلاك الجماهيري.
فنعم الشعار صحيح في المجمل، ولكن دائما الشيطان يكمن في التفاصيل وهذا هو دور النخبة لترجمة الشعار إلى خطة عمل بمراحلها الثلاث من الإعداد والتكتيك والاستراتيجية مع الإغراق في تفاصيل التفاصيل حتى نحصل على شجرة مثمرة فروعها تطال عنان السماء وجذورها ضاربه في أعماق الأرض حتى لا تستطيع أن تهزها الرياح مهما كانت عاتية مثلما حدث في سبعينات القرن الماضي وقيام ما عرف بالصحوة الإسلامية التي تعلقت بقشور الدين وظنت أن المظهر أهم من الجوهر. فكان الحجاب والنقاب وإعفاء اللحية هي مسوغات النهضة الإسلامية والتي لم تحدث من الناحية الفكرية ولا الأخلاقية بل انحطت الأخلاق إلى الدرك الأسفل فزادت حالات الطلاق وتفكك الأسرة وزاد رصيد القضايا التي تنظر أمام المحاكم من سرقة ورشوة ونصب وتبديد... إلخ.
أما من الناحية الفكرية فحدث ولا حرج، زادت حالات الإلحاد والتجرؤ من صبيان العلم على الشيوخ والعلماء وتمادت الشطحات الصوفية لتحتوي بعض ضعاف النفوس كحماية من تعقيدات الحياة وسعى فريق آخر إلى الحكم باسم الإسلام السياسي وكل رصيدهم شعارات جوفاء.
وعندما امتحنهم الله بالحكم لم يكن بينهم سياسي واحد فذهبوا بغير رجعة وغير مأسوف عليهم ولكن تركوا خلخلة فكرية تؤذي الإسلام والمسلمين. فظهر أمراء الدم من «داعش» ليتبوأوا ذروة الإرهاب في العصر الحديث منذ مقتل القاضي الخازندار في القاهرة واحتلال الموصل وإقامة إدارة «داعش» مرورا بمحاولة التوطن في سيناء.
ثم هل لنا أن نتعجب من نظرة العالم لنا وتصنيفنا غير المعلن بين الأمم بأننا أمة إرهابية وبأننا خطر على السلام العالمي؟ وللأسف لا يفطن معظمنا لحقيقة باتت واضحة كالشمس أننا لسنا وحدنا وما كان يمكن التغطية عليه أصبح متداولا بأبسط كبسة زر فلا مجال هنا للإنكار. ولكي يحترمنا العالم يجب أن نحترم أنفسنا وديننا وأن يتُرجم ذلك إلى أخلاق ومعاملات أولا بين أنفسنا وسوف يتردد صدى هذا كله في العالم ليقابلنا بالتقدير الواجب لنا.
والبداية تكون باجتثاث الأدبيات الخرقاء التي اجتزأت من كتب صفراء وضعت منذ أزمنة سحيقة مع محاولة إسقاطها على الواقع مثل عقيدة الولاء والبراء التي كانت صالحة عندما كان الاختيار بين الإيمان والكفر، أو الأبيض والأسود. أما الآن مع تعدد الثقافات والاختلاط فيجب أن نعلي مبدأ التعايش السلمي الكفيل بحفظ كرامة المسلم ولا يعرضه لسخرية الناس لأن الله عز وجل خلقنا قبائل وشعوبا لنتعارف وليس لنقتتل ولا نتفاصل في المجتمع الواحد كما كان يدعي شكري مصطفى زعيم تنظيم التكفير والهجرة ولا مرحلة التمكين التي دشنها المهندس محمد عبد السلام قائد تنظيم الجهاد الذي قتل السادات نهارا جهارا بفتوى من الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن الذي مات داخل سجنه في أميركا.
فكل هذا الهراء ما كان لينتشر لو أن كل صفوة المجتمع تضافرت جهودهم لدحض هذا الانحراف الفكري وهو في المهد وكفى الله المؤمنين شر القتال! ولكن لأسباب لا يعلمها إلا الله تقاعسوا عن واجبهم بل بعضهم نافقوا هذه التيارات الفكرية طلبا للشهرة تبعا لمذهب كل غريب مرغوب. ثم بعد معالجة هذه الترهات الفكرية علينا بسؤال أنفسنا عن موقفنا من العلم وهذا سؤال لا يحتمل التأويل لأن أول آيه جاء بها الروح الأمين لسيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات هي «اقرأ» فكان يجب أن تكون دستورا للمسلمين ثم يجب أن نثق بأنفسنا لأن الله أعطانا القرآن الكريم فلا نقلق ولا نهتم بالشبهات الفكرية، ولن يحدث ذلك إلا بحرية الفكر والعقيدة. فقرآننا محفوظ إلى يوم الدين فلا خوف عليه من أي فكر بشري مع وجوب التنقية للأعمال البشرية التي أُلحقت تراثيا على القرآن مثل التفاسيرالمختلفة مع تجنب الأحاديث التي وضعت لأسباب سياسية أو دعوية وإعمال العقل كما طالب المعتزلة بذلك فنحن دين العقل مع احترام المنقول بعد تمحيصه ويكون شعارنا كأمة أسلامية زارعة للخير فنحن لا نزرع الشوك.