بغداد: يبدو أن العراق دخل الموجة الرابعة من وباء كورونا، في ظل تصاعد الإصابات وتسجيل حالات إصابة بمتحور أوميكرون، مما دفع محافظة بغداد إلى خفض الدوام اليومي للنصف في معظم الدوائر الحكومية والإدارية فيها. وفي محاولة للحد من تفشي الوباء، عقدت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، الأربعاء الماضي، اجتماعا برئاسة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لمناقشة تطورات جائحة كورونا، والجهود الصحية المتوخاة لاحتواء الموجة الجديدة التي يشهدها العراق حاليا.
وبلغ العدد الإجمالي للإصابات المسجلة في البلاد منذ مطلع عام 2020 حتى الآن أكثر من مليونين و118 ألف إصابة، في حين بلغ عدد الوفيات 24 ألفا و252 حالة. أما عدد المطعمين ضد كورونا فقد تجاوز 14 مليونا، بحسب وزارة الصحة العراقية التي أكدت وجود وفرة في اللقاحات لمواصلة التطعيم. أمام هذه المعطيات، تُطرح التساؤلات حول واقع القطاع الصحي في بلاد الرافدين ومدى قدرته على مواجهة هذه الزيادة في الإصابات، حيث يترافق ذلك مع غياب للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قد تنعكس إيجابا على هذا القطاع.
واقع القطاع الصحي
لا شك أن الواقع السياسي الذي يعيشه العراق انعكس سلبيا على الواقع الصحي، فالدولة العراقية لم تتمكن من مواكبة الاحتياجات الصحية لمواطنيها، وهذا ما يُبينه تقرير البنك الدولي الذي أشار إلى انخفاض عدد الأسرة في المستشفيات للفرد بشكل فعلي بين عامي 1980 و2017. من 1.9 سرير لكل 1000 عراقي إلى 1.3 سرير لكل 1000 فقط، في حين أن بلاد الرافدين كانت تشهد زيادة سكانية حيث ارتفع عدد سكان العراق من 7.28 مليون في عام 1960 إلى 39 مليونا عام 2019.
كما ظهر الفشل في إدارة الملف الصحي في العراق بشكل واضح من خلال نشوب حريق في مستشفى ابن الخطيب المتخصص في علاج مصابي كورونا والأمراض الانتقالية الأخرى، في أبريل (نيسان) الماضي، والذي أودى بحياة 82 شخصا وجرح 120 آخرين. وقد أظهر هذا الحادث الفساد المستشري في القطاع الصحي حيث بيّن الافتقار إلى تدابير السلامة الأساسية.
في هذا الإطار، يرى المدير العام في وزارة الصحة جاسب الحجامي في حديث لـ«المجلة» أن «العراق يُعاني من أزمات كثيرة في جميع القطاعات ومن ضمنها القطاع الصحي، إذ إنه عانى من التعثر والتخلف، ولم تكن هناك محاولات جادة لإصلاح هذا القطاع لأسباب كثيرة، وفي مقدمتها الوضع السياسي والأمني والمالي، فضلا عن التغييرات المستمرة لقيادات الوزارة، فبعض الوزراء استمروا لأشهر أو سنة ويتم استبدالهم، وبذلك تراجع النظام الصحي في العراق بالمقارنة مع الأنظمة الصحية في الشرق الأوسط».
وأضاف الحجامي أن «هناك غيابا لاختيار الشخص المناسب، إذ إن التعيينات في القيادات العليا في وزارة الصحة تتم وفق التوافقية الحزبية والمحاصصة، وتدخل فيها صلة القرابة وغيرها من أوجه الفساد. كما نرى الكثير من المديرين في دوائر الصحة من حصة حزب معين أو قريب من مسؤول معين».
وتابع الحجامي: «فيما يتعلّق بكفاءة الكوادر الطبية فهي تتفاوت بحسب المحافظات والاختصاصات، ففي بعض المحافظات توجد كفاءات لا بأس بها في حين أن محافظات أخرى محرومة من هذه الكفاءات، والسبب يعود لسوء التخطيط والإدراة، وهذا الأمر يطال كذلك وزارة التعليم العالي، إذ إن هناك اختصاصات متوفرة في حين أن اختصاصات أخرى شحيحة جداً».
كما يلفت الحجامي إلى أن «هناك مشكلة متعلقة بموازنة وزارة الصحة، ففي عام 2019 تم تخصيص مبالغ مرتفعة للقطاع الصحي ولو استمر هذا الوضع لكان جرى تحديث للأجهزة والتقنيات، إلا أنه في عام 2020 لم تكن هناك موازنة إذ إنها لم تُقر من البرلمان، وفي العام التالي مرّ العراق بظروف سياسية واقتصادية وأمنية». وتابع: «75 في المائة من الخدمات الصحية تُقدم من القطاع الحكومي و25 في المائة من القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن المستشفيات الخاصة في العراق هي عبارة عن مستشفى صغير جدا يُقدم خدمات محدودة ومقتصرة على العمليات الجراحية وعمليات الولادة وعلى نطاق محدود».
سوء الإدارة والفساد
ومن ناحيتها، ترى الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم في حديث لـ«المجلة» أن «الواقع الصحي في العراق منهار على الرغم من أن أكبر التخصيصات في الموازنة العامة تذهب إلى وزارة الصحة والقطاع الصحي، كما أن هناك كل الكوادر البشرية المطلوبة، إذ إن المتخرجين من كليات الطب يجدون وظائف داخل الدولة ويتم تعيينهم، إلا أن المشكلة تكمن في إدارة هذا الملف، سواء إدارة الأموال أو الإدارة البشرية».
وأضافت سميسم: «ثمة فساد مستشرٍ في القطاع الصحي، فمديرو المستشفيات والمديرون العامون في وزارة الصحة يخضعون إلى المحاصصات الحزبية». وتابعت: «هناك غياب لتطبيق مبدأ تعارض المصالح في المجال الصحي، فنرى احتكارات سوق الدواء لأشخاص معينين من أصحاب النفوذ، ويتبعون لجهات سياسية تقدم لهم الحماية. كما أن الكثير من الممرضين في القطاع الصحي من غير الجامعيين ومن غير المؤهلين إذ إن الجهات السياسية تقوم بتوظيف أنصارها دون أي امتحانات».
وتلفت سميسم إلى «صدور قرار قبل سنتين يُفيد بأن خريجي كليات التحليلات المرضية وأقسام علوم الحياة والأحياء المجهرية سيعينون ضمن وزارة الصحة نظرا للحاجة إلى هذه الاختصاصات مع تصاعد إصابات فيروس كورونا، إلا أن ما حدث هو تعيين خريجي الجامعات الأهلية فقط لأن هذه الجامعات مملوكة للقوى السياسية المختلفة، أما خريجو الجامعات الحكومية فلم يشملهم التعيين». وتابعت: «لذا، يمكن القول إن الفساد السياسي يسيطر على القرار في القطاع الصحي، كما أن ظاهرة الموظفين الوهميين منتشرة في هذا القطاع، حيث يتقاضون رواتب دون ممارسة أي عمل، وهناك فئات اغتنت من هذا الفساد».
الاستجابة لوباء كورونا
منذ بداية انتشار فيروس كورونا أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن معالجة أزمات فيروس كورونا ستشكل أولوية الحكومة. ورغم ذلك، عانى العراق من نقص المستشفيات والمعدات والمختبرات، فحسب بعض التقديرات، يحتاج العراق إلى المزيد من الأسرّة اللازمة للعناية المركزة. كما أن العديد من الأصوات ارتفعت منتقدة الظروف التي يُعاني منها الطاقم الطبي والتي أدت إلى إصابة نسبة كبيرة من الأطباء بالعدوى.
ترى سميسم أن «الأطباء في المستشفيات والمراكز الصحية يعملون ويتعرضون للخطر بشكل كبير، كما أن الكادر الطبي ما زال يُسجل إصابات ضمن صفوفه على الرغم من تلقيهم للقاح، ورغم ذلك فهم لا ينقطعون عن الواجب». وأضافت: «لكن المشكلة في الإدارة والفساد، فقد تم الكشف عن شبكات تقوم بإعطاء شهادات تطعيم رسمية مقابل مائة دولار للشهادة، في حين أن الحاصل على الشهادة لم يأخذ اللقاح».
أما فيما يتعلّق بعمليات التطعيم، فتُشير إلى أن «مسيرة التطعيم كانت بطيئة لأسباب عديدة، إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت الأمور تأخذ منحى آخر حيث ارتفعت نسب التطعيم، ويمكن ملاحظة زيادة الطلب على اللقاح في المراكز الصحية». وتؤكد سميسم أن إصلاح القطاع الصحي «يحتاج إلى إبعاده عن المحاصصة السياسية، وتفعيل قانون التأمين الصحي وربطه بقانون العمل، أي أن يصبح أي موظف مشتركا في التأمين الصحي مقابل استقطاعات بسيطة من مرتبه، وهذا ما سيعزز المنافسة بين المؤسسات الصحية التي ستؤدي إلى تحسين هذا القطاع».
ومن جهته، يرى الحجامي أن «وزارة الصحة نجحت نجاحا كبيرا في الاستجابة لفيروس كورونا رغم زيادة الإصابات وعدم التزام المواطنين وعدم تعاونهم، إلا أن نسبة الوفيات قليلة قياسا إلى الكثير من الدول المتقدمة، وخلال العامين الماضيين وفرت الوزارة الكثير من المستشفيات المؤقتة والأجهزة ومواد الفحص والمختبرات الخاصة بفيروس كورونا».
إذن، يبدو أن القطاع الصحي في العراق عانى من الظروف السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضيةـ وهذا ما يستدعي تحقيق شرطين أساسيين للنهوض به، الأول هو مكافحة الفساد المستشري في هذا القطاع، والثاني هو زيادة الكفاءة. ودون القيام بهذه الخطوات الجدية لإصلاح النظام الصحي سوف يبقى الشعب العراقي يُعاني من الأزمات الصحية وسيزداد معها تردي النظام الصحي.