لإيران قبّعات كثيرة تستعملها كوسيلة إرهابية تخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، من حزب الله إلى الحشد الشعبي إلى الجهاد الإسلامي والحوثيين على سبيل المثال لا الحصر. آخر تلك العمليات كان هجمات الحوثيين على الإمارات بالصواريخ والمسيرات.
وقد جاء استهداف الإمارات العربية المتحدة مفاجئا بعض الشيء من حيث توقيته ومن حيث إمكانية تنفيذه أيضا من دون أن يحيد عن طريقة مواجهة إيران مع خصومها عبر وسيط يتكفل بتنفيذ توجيهاتها وأوامرها.
كثيرون تساءلوا كيف استطاعت الصواريخ والمسيرات اختراق الدفاعات الإماراتية؟ وهو ما سينكب عليه المسؤولون الإماراتيون من أجل سد هذه الثغرة في المستقبل قدر الإمكان، خاصة أن هناك مسافات كبيرة قطعتها تلك الأسلحة الهجومية قبل أن تصل أهدافها. توقيت الهجوم جاء بعد إشاعة عن رغبة إيران في انفراج العلاقات مع المملكة العربية السعودية خصوصا والكلام هنا عن إعادة فتح السفارات واستعادة العمل الدبلوماسي بين البلدين رغم خسارة ميليشياتها في معارك مأرب الأخيرة مواقع استراتيجية.
يأتي هذا الهجوم أيضا فيما أروقة الدبلوماسية العالمية تنشر معلومات عن قرب التوصل إلى اتفاق في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران ولم يكن تحرير 7 مليارات دولارات محتجزة في كوريا لصالح النظام الإيراني بإيعاز كبير مفاوضي الأميركيين روبرت مالي سوى إشارة في هذا الاتجاه.
من هنا رغم الاتجاه السائد نحو تبريد الساحات الساخنة التي تملك إيران الكلمة الفصل فيها كاليمن مثلا، استفاق العالم على خبر الهجوم الحوثي على الإمارات.
هذا الهجوم يحمل بصمات إيران التي تفتخر بقيادة محور الممانعة الممتد من لبنان إلى سوريا فاليمن والعراق والتي تتحرك في فلكها كل الفصائل المتواجدة في عواصم تلك البلدان التي تفتخر بالسيطرة عليها.
من الواضح أن الأداء الهجومي لإيران ضد خصومها في المنطقة بدأت وتيرته بالتصاعد منذ تولي جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأميركية. لم تخف تلك الإدارة أبدا ميلها إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وهي عينت مفاوضا (روبرت مالي) من أكثر المتحمسين لتوقيع اتفاق مع نظام الملالي. وهو يدفع الولايات المتحدة إلى تقديم التنازلات تلو الأخرى لإرضاء إيران التي لم يعد يرضيها رفع العقوبات عنه بالكامل وهو أمر قد وعد مالي الإيرانيين به، بل تريد إرغام الولايات المتحدة على إيجاد آلية تلزمها بعدم الانسحاب من الاتفاق- أي اتفاق- في المستقبل كي لا تتكرر حادثة الرئيس ترامب، ما حدا بجو بايدن إلى القول- عبر تغريدة على «تويتر»-إن هذا الأمر ليس بيد البيت الأبيض.
إيران تصرفت بنفس الشكل الاستفزازي مع إدارة أوباما قبل توقيع الاتفاق، ونشرت صورا مذّلة لجنود أميركيين احتجزتهم يجثون على ركبهم من دون أن يكون لهذا التصرف وغيره من التصرفات الاستفزازية أي تأثير على مسار المفاوضات والاتفاق. حتى اليوم أميركا تفاوض رئيسا إيرانيا مطلوبا بجرائم ضد الإنسانية، من دون أن يكون لهذا التفصيل أي تأثير على التفاوض.
تبدو إيران مرتاحة ومقتنعة بأنه لن تكون هناك عواقب لما تقوم به مباشرة أو غالبا من خلال ميليشياتها. وقد تبدو على حق، فالهجوم الذي تعرضت له الإمارات البارحة لم يدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى إدانة من يقف وراء هذا الهجوم، إنما تعمدت على لسان وزير خارجيتها اتهام الحوثيين الذين للتذكير أزيلوا على عهد إدارته من قائمة الإرهاب. من سلّح الحوثيين ومن دربهم هو أمر لا يعني إدارة بايدن اليوم، لأن الإجابة عن تلك الأسئلة لا تتناسب وسياسة الانفتاح على طهران.
نادرا ما كانت السياسة الخارجية الأميركية بهذه الركاكة وإن لم تكن دائما على صواب، خاصة عندما تسيد العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. إنما رغم أخطائها كانت مهابة من العالم. هذا الأمر ومنذ رئاسة أوباما وفترتيه الرئاسيتين وفترة الرئيس بايدن الأولى إذا ما استثنينا فترة الرئيس ترامب في طريقه أي التلاشي. الرئيس بايدن يواجه تحديات من كل حدب وصوب وهو لا يبدو قادرا على معالجتها. روسيا وموضوع تهديدها اجتياح أوكرانيا إن لم تستجب الولايات المتحدة لطلباتها، الصين وتهديدها لتايوان، الشرق الأوسط وتعاظم نفوذ إيران وخطر حصولها على السلاح النووي، حتى في موضوع سوريا الأسد وقانون قيصر تتجه إدارة بايدن إلى إسقاط إعفاءات عليها من أجل أن ينعم لبنان ببعض من تيار كهربائي.
من هنا نرى أن بعض دول الخليج بدأت تتوجه شرقا ووسعت من مروحة التعاون مع الصين في أكثر من مجال، تكنولوجي وعسكري... إلخ، تحديدا لانطباع الضعف الذي توحي به بلاد العم سام.
إدارة بايدن لا تبدو راغبة أو حتى باستطاعتها كبح جماح النظام الإيراني، وهذا ستكون له تداعيات على شكل منطقة الشرق الأوسط في نهاية المطاف، فأرض النزاعات الدائمة يبدو أنها متجهة إلى سيطرة مثلثة الأضلاع: (إيران من ناحية، وتركيا، وإسرائيل). وهذا لن يخفض من حدة التوترات، لأن من يعرف نزعات نظام طهران يدرك أن المنطقة لن تنعم بالسلام.