دمشق: مشاهد كثيرة ولوحات مختلفة تظهر على شاشة الهواتف في سوريا، والمرجحة من مواقع التواصل الاجتماعي بحسب أعداد المشاهدة والتفاعلات، بعضها لمسلسلات منتجة ومعروفة جرى تقطيعها، وأخرى بذات الطريقة لكن بأفكار تحقق مشاهدات أعلى وجذابة.
مقاطع الفيديو التي لا تختفي عن شاشات الأجهزة المحمولة، لقدرتها على كسب جمهور يستثار من العناوين الموضوعة بعناية لكسب المشاهدات فالمال، حيث صناع هذه المقاطع لا فرق عندهم سوى كسب المشاهدات ليس إلا.
حيدر عبود شاب سوري، يعمل حلاقاً، ذكر أن المقاطع التي تظهر له، لا يتفاعل معها ويكتفي بالمشاهدة فقط، ولكن لكثرة مخالفة المحتوى مع ما يعرض اكتفى بمتابعة التصفح دون أن يتوقف عندها ثانية.
يقول حيدر: في البداية كنا نشاهد مقاطع من مسلسلات عرفناها ونحب أن نراها مجددا لقوة تأثير اللقطة علينا، لكن مع الوقت بدأت تظهر مقاطع أخرى ولم أعلم ما هي إلا أن العنوان المكتوب جذبني على سبيل المثال.. (قتلها بعد أن رفضت إدخاله لمنزلها)، فأدخل وأرى شخصيات لا أعرفها أو قد تكون معروفة لكن بشيء بسيط.
ويتابع: فجأة ومن غير سابق إنذار بدأت مقاطع الفيديو تنتشر كما النار في الهشيم وصفحات كثيرة تبنت هذه المقاطع وبدأت عمليات التصوير لعدة مقاطع تعرض النساء أو تثير الغريزة لجلب المتابعين.
في منشورات كثيرة على صفحات التواصل الاجتماعي انتقد الكثير هذه المقاطع وطالبوا بوجود قرار ملزم بضبط هذه النوعية من الفيديوهات الصفراء، الهادفة لكسب المال فقط دون اهتمامهم بجدوى ماذا يقدمون، ومن سيشاهد هذه المقاطع.
غير أن القرار الذي أصدرته لجنة صناعة السينما، تعرض لهجوم من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، على اعتبار أنه يقيد المعلومات الفنية بالمجمل ووضع ضوابط معيقة، في حين وجد أنها تعدٍ على أموال الناس العاملين في هذه الصناعة التي لا تختلف عن المسلسلات المعروفة.
الخلط في الإنتاج
علي غالب عنيز نائب رئيس المنتجين العرب ورئيس لجنة صناعة السينما والتلفزيون في تصريحه لـ«المجلة»يقول: يجب عدم الخلط بين حالتين أساسيتين هما حالة الهواة لوسائل التواصل الاجتماعي والعاملين لصفحتهم الشخصية، وهنا ليس لدينا أي علاقة بهذا الموضوع.
أما عندما تتحول الحالة إلى امتهان وفريق عمل وتصوير، فهنا يمتهنون الإنتاج، وعلى سبيل المثال لا يمكن لأي شخص أن يمارس مهنة الطب دون أن يكون لديه شهادة، ذات الشيء إذا كنت تريد ممارسة مهنة الإنتاج يجب أن يكون لديك أطر قانونية لتمارسها، وفي هذا القرار الصادر عن لجنة صناعة السينما والتلفزيون، فإنه موجه وملزم لكل شخص يريد تصوير «اسكتشات»، وكل ما يندرج تحت الدراما.
ومن يريد أن يُنشئ محتوى دراميا عبر وسائل التواصل يجب أن يتقدم للجنة الصناعة حاملا سكريبت المحتوى أو العمل، وتطلع عليه اللجنة وإذا كان متوافقا مع المعايير الأخلاقية والفكرية، يُعطى كتابا لتسهيل مهمته.
ويتابع العنيز أن القرار صدر عن لجنة صناعة السينما لا عن وزارة الإعلام لأن الأخيرة تُنظم وتُرخص المنصات الاجتماعية، أما حالة الإنتاج فاللجنة هي المسؤولة عما يتم إنتاجه عبر التلفزيون أو أي وسيلة أخرى، وهو لا يعتبر تقييدا للمجتمع بل جاء لأجل محتوى الفيديوهات التي تتضمن إسفافا وترخيصا.
العداء الكامن مع الرقابة
وسام كنعان صحافي سوري وناقد فني، يقول إن أي شخص يعمل في الفن عموما يواجه مشكلة مع الرقابة بالمطلق، لأن أي قرار وأي خطوة تهدف لتضييق الحريّات، أو وضع خطوط حمراء، ورقابات إضافية على الرقابات الموجودة مسبقا في المجتمع، والمفروضة على الفن تعتبر أمرا مرفوضاً.
واعتبر كنعان أن «مهمة لجنة صناعة السينما هي مهمة تنظيمية وليست رقابية، وإذا أردنا النظر للقرار بعين إيجابية يمكن رؤيته على أنه قرار تنظيمي بحت وليس من شأنهم فرض خطوط حمراء، أو خفض سقف التعبير عند صنّاع المحتوى، ويجب الانتباه على المحتوى الذي يتم نشره على الصفحات، فإذا كان مسفا لا بد من تدخل، ولكن حبذا لو كان هذا التدخل على يد وزارة الإعلام».
وتساءل كنعان: من يستطيع أن يحكم على مستوى المحتوى أو سوية هذه «الاسكيتشات»المصورة بشكل درامي؟، يجب أن تكون اللجنة مكونة من أشخاص عصريين، أي من هذا الجيل لتنظيم عملية النشر، لكن إذا كانت اللجنة من المتحف، وهذا غالبا ما يحدث، فسيتم إغلاق هذا العالم الذي وُجد حرا فلماذا تُريد أن تغلقه؟
وبرأي وسام فإن إدارتي «فيسبوك»، و«إنستغرام»، هي من تحدد القواعد والضوابط التي تُفرض على المحتوى، وكنت أتمنى أن تساهم وزارة الإعلام وتدخل على الخط من أجل أن تمنع المواد التي تسبب الإساءة، وهذا دورها، وهي المسؤولة.
منصف أم لا؟
الباحثة الاجتماعية حنان ديبي، قالت إن أي قانون يصدر يجب أن لا يحد من حرية المرء في هذا العالم المفتوح خصوصا في سوريا، فالشاب الذي لديه محتوى هل يجب عليه أن يعرض محتواه وأفكاره على لجنة كاملة من أجل أن يتحدث؟
وتابعت: محتوى السوشيال ميديا ليس تابعا لقنوات إعلام رسمية، هي منابر للتعبير عن الذات، فهل أصبح التعبير عن الذات أيضا مُقيدا؟
وأشارت أن هناك محتوى يُقدمه أطفال، فماذا يفعل الطفل، من يحاسبه عن تصويره لمحتواه؟ مضيفة أن الكثير من الأفلام والاسكيتشات يتم تصويرها بالموبايل.
من جهته، قال محمد غرّة طالب في المعهد العالي للفنون السينمائية (اسم مستعار)، إن القرار الذي صدر من قبل لجنة صناعة السينما والتلفزيون، ليس منصفا، فمن جهة هو مقيّد لأصحاب المحتوى المتدني أخلاقياً، وفكرياً، ولكن ماذا عن الموهوبين، والذين يدرسون هذا المجال؟ هل أصبح عليهم أن يتتبعوا أفكارهم في الدوائر الحكومية كأي معاملة أخرى.. «لم نسمع بقرار مشابه في دولة أخرى، والجميع اليوم يقدم محتوى على السوشيال ميديا، وكل فرد يعبر عن ذاته وفكره، وهذا العالم بات للجميع، أنا أنشر ما أريد، وأنت ترى ما تريد، فلماذا القواعد؟».
وتابع محمد: «من يريد أن يشاهد محتوى متدنيا فليفعل، ومن يبحث عن رسالة ومضمون سيمضي نحو ذلك دون أن يقف أو أن يطلب من الجهات المعنية حذف الفيديوهات المتدنية، لذلك لا أعتقد أنه قرار صائب، إنه قيد جديد».
ورأى أن الصعوبة ليست في القرار فقط بل في التطبيق، ومجرد الحديث عن القرار وصدوره وانتشاره، خلق حدا وحاجزا للفكر عندي وللجميع، وكأنهم يقولون لا تفكروا خارج الصندوق، فكيف حين يطبق؟
قتيبة عبد الحفيظ الخوص مخرج سوري وأحد مؤسسي مشروع سينما درويشة أكد لـ«المجلة»أنالقرار إيجابي بجانب من الجوانب، لأن الفيديوهات التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مضمونها الأخلاقي والفكري متدن وبشكل فني رديء، وبالتالي فإن هذا القرار سوف يضبط المحتوى المنشور..«أما بالنسبة لنا كصنّاع أفلام مستقلين، وهواة، فقد أصبح لدينا باب جديد للتعامل مع الموافقات، ونحن في مشروع سينما (درويشة)، عندما كنا نريد الحصول على موافقة لتصوير تجاربنا، كان هناك شرط تعجيزي بالنسبة لنا وهو أن يكون لدينا شركة بسجل تجاري، فأعتقد أن هذا القرار ربما سيلغي ذلك».
وتمنى الخوص أن تكون كلمة «الجهات المعنية»في القرار محدودة فقط ضمن لجنة صناعة السينما والتلفزيون، أو أن تكون هناك جهة مختصة واحدة للاعتبارات الأمنية، ويبقى السؤال الذي يدور الآن هو: هل الأمر بهذه البساطة، نقدم الفكرة ونأخذ الموافقة ونمضي؟ أما إنها معاملة طويلة الأجل؟