هل تسير بريطانيا خلف نموذج ترامب لتعزيز النمو؟

هل تسير بريطانيا خلف نموذج ترامب لتعزيز النمو؟

[caption id="attachment_55256649" align="aligncenter" width="4500"]باص يمر من أمام البرلمان البريطاني (غيتي). باص يمر من أمام البرلمان البريطاني (غيتي).[/caption]

محافظو البنوك المركزية يأملون أن تخفف واشنطن عبئهم



محمد العريان

شهدت الأسواق المالية صعودا في أول أسبوعين من الشهر الماضي، في ترقب لإمكانية تنفيذ سياسات اقتصادية أكثر تحفيزا بعد حدوث عدد كبير من المفاجآت السياسية المعارضة للمؤسسات. يستعد محافظو البنوك المركزية على جانبي المحيط الأطلسي لإجراءات ربما تسفر عن ارتفاع معدلات النمو وسرعة التضخم، وإن كانت أكثر تقيُّدا.

بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، أكد ترامب ومستشاروه خططهم للتحرك السريع في عناصر تساعد على النمو في برنامجه ومنها زيادة الإنفاق على البنية التحتية وتخفيف الرقابة والإصلاح الضريبي. في الوقت ذاته، قلل من أهمية العناصر المعارضة للتجارة، وحدد تعليقاته حتى الآن بالانسحاب الأميركي من الشراكة عبر المحيط الهادي التي لم يتم التصديق عليها حتى الآن، بدلا من تطبيق التعريفات وحل الاتفاقيات القائمة مثل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

من المرجح أن تسير بريطانيا خلف نموذج ترامب. في بيان الخريف السنوي، من المتوقع أن يعلن وزير الخزانة فيليب هاموند عن صفقة كبرى بين الحكومة الجديدة والشركات، بهدف تعزيز النمو. وسوف يؤكد أيضا على الإنفاق على البنية التحتية وتخفيف الرقابة والإصلاح الضريبي.

تأتي هاتان المبادرتان المتعلقتان بالسياسات كنتيجة مباشرة ورد فعل على موجة الشعبوية التي اجتاحت معظم أنحاء العالم الغربي. لقد أسفرت تلك الموجة بالفعل عن انتصارات انتخابية مفاجئة لصالح البريكست – في الاستفتاء الذي عقدته بريطانيا في يونيو (حزيران) على الخروج من الاتحاد الأوروبي – والرئيس المنتخب ترامب. في كلتا الحالتين، حصل الحزب التنفيذي الحاكم على أغلبية تشريعية. ربما تلعب قوى مشابهة دورا في استفتاء إيطاليا المنتظر على تعديلات دستورية، بالإضافة إلى الانتخابات الفرنسية والألمانية المقررة في العام المقبل، على سبيل المثال وليس الحصر. وقبل كل ذلك، أشارت ألمانيا بالفعل إلى رغبتها في فرض قيود مالية أقل في أوروبا.

يواجه ما يحدث الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بوقوع المؤسسات في أزمة سياسات. تمثلت إحدى نتائج هذا الشلل في عدم وجود استجابة شاملة من السياسات على الضعف الاقتصادي، مع وضع أعباء أكبر مما ينبغي على البنوك المركزية لفترة طويلة للغاية. وبالتالي، سارعت الأسواق لتحديد الأسعار أملا في تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، لتصل أسواق الأسهم الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة جميعا إلى ارتفاعات قياسية. في الوقت ذاته، ارتفعت أسعار الفائدة بطول منحنى العائد، لتزيد احتمالية رفع الاحتياطي الفيدرالي للأسعار في ديسمبر (كانون الأول).

يلاحظ محافظو البنوك المركزية أيضا التغيير المحتمل في المستقبل الاقتصادي. سوف يحقق ذلك ارتياحا كبيرا لهم على الأقل في الوقت الحالي.
في خلال الشهور الـ12 الماضية، أعرب عدد متزايد من محافظي البنوك المركزية عن اعتراضهم على «متلازمة اللعبة الوحيدة في المدينة» – وهي السياسات التي تعتمد أكثر مما ينبغي على سياسة نقدية غير تقليدية والتي يجب أخذ أضرارها الجانبية المحتملة وتبعاتها غير المقصودة بجدية أكبر. كما أنهم تحدثوا كثيرا عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية ومحفزات مالية تدعم النمو، إذا كانت هناك مساحة لذلك.

وهكذا، يمكن فهم وتبرير ترحيبهم لوضع سياسات أشمل. ويظل التحدي الأكبر الذي يواجه الغرب هو تحقيق نمو أسرع وأكثر شمولا، ليس فقط لأغراض تتعلق بالرخاء الاقتصادي، بل وأيضا لأسباب مؤسسية وسياسية واجتماعية.

ومع كل ذلك، يوجد مبرر لحذر محافظي البنوك المركزية في المرحلة الراهنة، ليس فقط لأنها طبيعتهم. تحتاج التصريحات السياسية إلى أن تتبعها سياسات موضوعة بعناية وتنفيذ مستمر، وإلا قد تواجه كل من بريطانيا وأميركا خطورة الدخول في فترة طويلة من النمو البطيء وغير العادل في ظل ما هو أكثر ألما: الركود التضخمي.

ما سيحدث في الأسابيع القليلة التالية مهم للغاية، ليس فقط للبنوك المركزية ولكن أيضا للتحقق من طفرة السوق الأخيرة. تحتاج إدارة ترامب القادمة وحكومة تريزا ماي في بريطانيا إلى تقديم مجموعة محددة من الإجراءات التي تعزز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، الفعلي والمحتمل، عبر مزيد من التأكيد على النمو بالنسبة إلى التضخم. إنها مناورة سياسية خادعة، تأتي بعد عقد من التوقف بسبب الاستقطاب السياسي، وبعد فترة طويلة من الإفراط في الاعتماد على التمويل الخاص ثم تمويل البنوك المركزية لتعزيز النمو.
font change