مستقبل العلاقات الأميركية - الروسية تحت رئاسة ترامب

مستقبل العلاقات الأميركية - الروسية تحت رئاسة ترامب

[caption id="attachment_55256613" align="aligncenter" width="814"]لوحة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضعتها حركة معارضة بمقاطعة دانيلوفغراد في أوكرانيا(غيتي) لوحة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضعتها حركة معارضة بمقاطعة دانيلوفغراد في أوكرانيا(غيتي)[/caption]

عدد القضايا المثيرة للنزاع بين البلدين يتجاوز قتال «داعش» في سوريا
• الرئيس المنتخب ونائبه بعثا برسائل متضاربة إلى الناخبين الأميركيين بشأن ما ستبدو عليه سياسة واشنطن تجاه موسكو في ظل قيادتهما



موسكو: مايا أوتاراشفيلي

أثار انتخاب دونالد ترامب ليكون رئيس الولايات المتحدة الأميركية رقم 45 شكوكا كبيرة في النقاش الدائر حول مستقبل العلاقات الأميركية الروسية. في وقت سابق من العام الحالي، أصبحت روسيا متهمة بالتدخل في العملية الانتخابية الأميركية بالاتصال مع حملة ترامب، والاشتراك في هجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة.

بعد تتبع أحدث الحالات الشهيرة التي تم فيها نشر وثائق اللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي بالإضافة إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون أثناء توليها وزارة الخارجية والتي نشرها موقع «ويكيليكس»، تم اكتشاف أن مصدرها المباشر في روسيا. بالإضافة إلى ذلك، تدل مجموعة واسعة من القضايا المثيرة للنزاع بين أميركا وروسيا على أن الإدارة القادمة ستحتاج إلى الصرامة في التعامل مع روسيا. ولكن السيد ترامب ونائب الرئيس المنتخب مايك بنس بعثا برسائل متضاربة إلى الناخبين الأميركيين بشأن ما ستبدو عليه سياسة أميركا تجاه روسيا في ظل قيادتهما. ويبدو أن الاثنين يتخذان موقفين مختلفين.
وأعرب مسؤولون روس، من بينهم الرئيس بوتين، قبولهم الحذر وأيضا تأييدهم الكامل لترامب في فترات مختلفة طوال الحملة الانتخابية. يبدو أن هناك استعدادا في روسيا للعمل عن قرب مع إدارة ترامب على حل قضايا عالمية تشترك فيها كل من الولايات المتحدة وروسيا. كيف ستبدو العلاقات الأميركية الروسية تحت رئاسة ترامب؟ من الصعب للغاية توقع ذلك نظرا للغموض العام لخطط ترامب في السياسة الخارجية، ولكن كما تشير الدلائل المتاحة يجب توقع ذوبان حالة الجمود الراهنة بين البلدين والتي تسببت بها العقوبات.

موقف ترامب من روسيا



يبدو أن موقف دونالد ترامب من روسيا يدعو إلى تسوية العلاقات التي يطغى عليها التوتر في الوقت الراهن بسبب أمرين يؤمن بهما ترامب: أولا أن روسيا قوة نووية كبرى، وثانيا أنها تحارب «داعش» في سوريا. ويبدو أن هذين الأمرين، بالإضافة إلى العلاقات التجارية، شكلا نهج ترامب «البرغماتي» في السياسة الخارجية.

في مناظرته الرئاسية الثانية مع كلينتون في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، أوضح ترامب فكرته عن روسيا فيما يتعلق بسوريا: «لا أحب الأسد مطلقا، ولكنه يقاتل (داعش)، وروسيا تقاتل (داعش)، وإيران تقاتل (داعش)، وثلاثتهم اصطفوا معا بسبب ضعف سياستنا الخارجية». في المناظرة الرئاسية الثالثة مع كلينتون في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما واجه ضغطا للحديث عن دور روسيا في حملته الانتخابية، أجاب ترامب: «لا أعرف بوتين. إنه قال أشياء لطيفة عني، وإذا تفاهمنا سيكون ذلك جيدا، إذا تقاربت روسيا والولايات المتحدة وحاربتا (داعش)، سيكون ذلك جيدا». ومرة أخرى ظهر إدراك ترامب القوي لما تمثله روسيا كتهديد نووي محتمل في هذه المناظرة، حيث كرر أن روسيا قوة نووية «متنامية» على عكس الولايات المتحدة، نظرا لامتلاكها «1800 رأس نووي».

ولكن عدد القضايا المثيرة للنزاع بين الولايات المتحدة وروسيا كبير، ويتجاوز كثيرا قتال «داعش» في سوريا. ضمت روسيا القرم إلى أراضيها، وتورطت في الصراع الانفصالي في شرق أوكرانيا، كما أنها تتحدى الناتو بمعارضتها لتوسعه شرقا وتهدد بإثارة صراع في منطقة بحر البلطيق. لا يبدو أن تلك القضايا في أجندة السياسة الخارجية التي يتبناها ترامب، ولكنها مهمة لبوتين. لذلك يمكن أن يتوقع المرء أن شرق أوروبا، إن لم يكن الناتو، سوف يكون ورقة مساومة في الوصول إلى اتفاق بشأن سوريا. فكيف سيكون شكل الاتفاق الأميركي الروسي بشأن سوريا. الأمر غير واضح على الإطلاق، ولكن من المرجح أن تتقدم فيه روسيا.

في المقابل، روسيا حليفة لإيران والصين. وتظهر الدولتان في صدارة أجندة ترامب. في خطة ترامب ذات النقاط السبع لإعادة بناء الاقتصاد الأميركي، ذُكرت الصين في ثلاث نقاط. يقول ترامب إنه يعتزم إعلان الصين كمتلاعبة بالعملة، عن طريق «رفع قضايا تجارية ضد الصين.. (بسبب) سلوك دعم غير عادل» و«استخدام كل السلطات الرئاسية المشروعة لحل النزاعات التجارية إذا لم توقف الصين أنشطتها غير المشروعة، بما فيها سرقتها لأسرار التجارة الأميركية». علاوة على ذلك، وصف ترامب الاتفاق النووي الإيراني بأنه «أسوأ اتفاق على الإطلاق» ولم يخف بغضه لإيران. وفي مقابلة أجريت معه مؤخرا، سُئل ترامب عن التهديد النووي القادم من كوريا الشمالية، فأجاب بأن «الصين تسيطر على كوريا الشمالية»، وأن «أقرب شريكة لكوريا الشمالية هي إيران».

وهكذا في عالم من المتوقع أن يواجه حلفاء روسيا صعوبات مع الولايات المتحدة، هل ستتمكن روسيا من إعادة العلاقات بنجاح معها؟ ربما لا يكون ذلك مستحيلا، نظرا لتعبير ترامب عن إعجابه ببوتين. وحتى الآن تشير الدلائل إلى أن روسيا ربما تستطيع إقامة علاقة خاصة مع إدارة ترامب وأن تتلقى معاملة مميزة.

موقف مايك بنس والحزب الجمهوري لا يزال صارمًا تجاه روسيا



تواجه احتمالية حدوث تقارب وتسوية مع روسيا تعارضا حادا مع مواقف العديد من خبراء السياسة الخارجية الأميركية وسِجل السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري. وبالفعل واجه ترامب تشكك الكثيرين من خبراء السياسات الخارجية الجمهوريين. بالإضافة إلى ذلك، ينتمي مايك بنس نائب الرئيس الذي اختاره ترامب إلى مدرسة الحزب الجمهوري السائدة. في أثناء مناظرة نائبي الرئيس، اتخذ بنس موقفا صارما بشأن روسيا، بل وتحدث عن حقيقة أن روسيا متورطة في هجوم إلكتروني ضد الولايات المتحدة. ولم يتجنب بنس إطلاق تصريحات جريئة عن روسيا قائلا: «يجب أن تكون هناك تداعيات شديدة على روسيا أو أي دولة ذات سيادة تُعرض خصوصية أو أمن الولايات المتحدة للخطر».

هل تم حل تلك الخلافات داخل فريق ترامب؟ هذا غير واضح حتى الآن. ولكن من غير المرجح أن يؤيد الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، معاملة مميزة لبوتين، وقد يمنع ترامب من المبالغة في مودته لروسيا.

ردود أفعال روسيا



رحبت روسيا بنتائج الانتخابات الأميركية. وفي خطاب بوتين لتهنئة ترامب بفوزه، قال إن طريق إصلاح العلاقات بين البلدين سيكون صعبا إذا وضعنا في الاعتبار «حالة تراجع العلاقات الراهنة بين الولايات المتحدة وروسيا» وكرر أن ذلك ليس خطأ روسيا.

وأكد بوتين على استعداد روسيا لعودة التعاون مع الولايات المتحدة، وقال إن ذلك سيكون مهما من أجل «المناخ العام للشؤون الدولية، ومن أجل المسؤولية الخاصة التي تتحملها روسيا والولايات المتحدة بالحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي». التصريح الأخير مهم لما يكشفه من أن بوتين سوف يطالب الولايات المتحدة بالتعامل معه بجدية كشريك مهم ومتساو معها، ويجب أن يكون على طاولة صناعة القرار عندما تُناقِش القوى العظمى الشؤون الدولية. هذا طموح يبديه الكرملين بين وقت وآخر، ويعتقد بوتين أن رئاسة أوباما قوضته.

وفي حين رحب بوتين بحذر بانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، لم يخجل مسؤولون روس آخرون من الابتهاج. صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قائلا: «إنه حدث استثنائي أن يتشابه بوتين وترامب في أسلوبهما الفكري في السياسة الخارجية»، كما ظهر في خطاباتهما الأخيرة. وأشار بيسكوف أيضا إلى أن ترامب قد يصل إلى إعادة بناء العلاقات الأميركية الروسية عن طريق إبطاء أو إيقاف عملية توسع الناتو بالقرب من الحدود الروسية.

ومنذ فوز ترامب، أكد مسؤولون روس (من بينهم نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف) على أن خبراء الحكومة الروسية أقاموا اتصالات مع فريق ترامب أثناء الحملة الانتخابية. ولكن في الصيف الماضي، قال بيسكوف إن «الرئيس بوتين لم يتصل بترامب مطلقا، ولم يتحدث معه مطلقا، ولا حتى عبر الهاتف. وكذلك الأمر بالنسبة لجميع العاملين معه».

يبدو أن ترامب يعتزم أن يكون زعيما برغماتيا يتخذ نهجا برغماتيا في العلاقات الدولية. وفي الأجل القريب، ربما تساعد «إعادة العلاقات» بقيادة ترامب على تخفيف بعض التوترات المباشرة مع موسكو، ولكن لا ينطبق هذا التوقع على العلاقات الأميركية الروسية على المدى البعيد. إذا نفذ ترامب جميع وعوده المتعلقة بالسياسة الخارجية، فلن تكون العلاقات مع موسكو الشيء الوحيد الذي سيشهد تحولا هائلا. من المرجح جدا أن يشهد عام 2017 عصرا مختلفا تماما للنظام العالمي بعد أن يتولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
font change