القاهرة: انضمت مصر، أخيرًا، لبنك التنمية الجديد الذراع المصرفية لمجموعة «بريكس»، الذي يتخذ من شنغهاي مقرًا له، في خطوة تزيد ارتباط اقتصادها بالاقتصادات الناشئة، وتفتح أمامها أبوابا أوسع للتعاون الاقتصادي مع مؤسسة مصرفية مولت 80 مشروعًا بجميع الدول الأعضاء، بحافظة إجمالية تبلغ 30 مليار دولار تتركز بقطاعات النقل والمياه والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والتنمية الحضرية.
يقول طارق حلمي، الخبير الاقتصادي والعضو المنتدب لبنكي المصرف المتحد والتنمية والائتمان سابقًا، في حوار مع «المجلة»، إن انضمام مصر إلى بنك التنمية الجديد يعطي الاقتصاد المصري شهادة جديدة من تجمع يضم دولا قوية تجاريًا مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي تشكل معًا قرابة 50 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي... وإلى نص الحوار:
* كيف تستفيد مصر من انضمامها أخيرًا لبنك التنمية الجديد؟
- انضمام مصر لأي تجمع اقتصادي يفتح لها مجالا نحو الاستفادة على المستويات الاستثمارية والصناعية والتجارية وإفادة تلك الكيانات أيضًا، فبنك التنمية الجديد يضم 5 دول يعادل حجم اقتصادها مجتمعة 23 في المائة من الاقتصاد الدولي وعدد سكانها يمثلون 42 في المائة من سكان العالم، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لها 17 تريليون دولار، ما يفتح مجالا واسعا أمام الصادرات المصرية، خاصة المنتجات الزراعية إليها.
* ما أوجه الاستفادة التي تحققها دول البريكس من انضمام مصر لبنك التنمية الجديد خاصة أن بها دولا صناعية كبرى؟
- مصر حالًيا بوابة العالم لأفريقيا ومحطة أساسية للنفاذ لسوق تضم 1.373 مليار نسمة يمثلون 17.5 في المائة من سكان العالم.. صحيح أن دولة مثل الصين لها وجود بالقارة السمراء منذ عقود على المستوى الاستثماري، لكن روسيا والهند تريدان أن تكون لهما علاقات تجارية واستثمارية وثيقة مع القارة ومصر، وبالنسبة لها البوابة التي يجب الولوج منها.
* يملك البنك سجل أعمال طويلا في مشروعات البنية التحتية.. كيف يفيد مصر في مشروعاتها الحالية؟
- مصر تركز، حاليا، على التصنيع، بعدما توسعت بصورة واسعة على البنية التحتية باستثمارات تربو على 2.3 تريليون جنيه على مدى السنوات السبع الماضية، وتتضمن مشروعاتها جميع المجالات التي يحتاجها الاستثمار من الطرق والنقل بالسكك الحديدية وتطوير الموانئ والصرف الصحي، وتستهدف مصر بعد توفير تلك المقومات في الدخول للتصنيع بقوة، بعدما وفرت البيئة المناسبة لعمل القطاع الخاص، والاستثمار الأجنبي فتحديث الطرق ضروري لنقل السلع إلى الأسواق، والموانئ التي تمكِن الوصول إلى الأسواق الخارجية.
* إذن كيف تستفيد مصر من سجل البنك الواسع في مجال البنية التحتية؟
- مصر لديها تحديات مائية وتتوسع بقوة في محطات تحلية المياه، ومياه الصرف المعالج التي تتطلب استثمارات ضخمة، كما أن الحكومة لديها خطة واعدة في مجال الطاقة المتجددة والوصول للحياد الكربوني وقيادة جهود مكافحة التغير المناخي الذي يؤثر بشدة على أفريقيا، رغم قلة مساهمتها في الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وكلها مجالات يمكن أن تتعاون فيها بقوة مع مجموعة «البريكس».
* هل توجد مشروعات محددة في مجال البنية التحتية تتوقع أن يساهم فيها بنك التنمية الجديد بالسوق المصرية؟
- لدى مصر مشروعات في طاقة الرياح بمنطقة «الزعفرانة- جبل الزيت»، بجانب مشروع للطاقة الشمسية مثل بنبان غربي محافظة أسوان بجنوب مصر، لكن لديها مشروعات أخرى للطاقة الخضراء في ظل خطة تستهدف إنتاج 42 في المائة من احتياجات الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، بحلول 2030.
* يقول البعض إن تجمع بريكس قد يمثل فرصة لمصر أكثر من التحالفات الاقتصادية الأخرى.. لماذا؟
- أولا، تلك الدول كانت لها مواقف مؤيدة لمصر منذ 30 يونيو (حزيران) 2013. وبينها دولة مثل روسيا التي وفرت لمصر احتياجاتها من التسليح في أوقات صعبة ودخلت في مشروعات عملاقة بمصر أهمها محطة الضبعة للطاقة النووية وتلك الدول أيضا لديها رغبة في نقل تكنولوجيا التصنيع على عكس بعض الدول المتقدمة التي تحتفظ بها وتصدر منتجا نهائيا فقط، كما أن تلك الدول تستورد من مصر الكثير من الحاصلات الزراعية دون اشتراطات مبالغ فيها مثل كثير من الدول الأوروبية. ومصر تعد رابع دولة تنضم لعضوية البنك من خارج التجمع.
* ما أوجه الاستفادة التي حصلت عليها مصر من الانضمام للكيانات المصرفية الدولية؟
- هناك مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي كان التعاون في مجال إصلاحات هيكلية رئيسية ترسخ مسار التعافي المستمر مع تحقيق نمو أعلى، والاستفادة من برامج التمويل بفائدة ميسرة وفق حقوق السحب الخاصة بها.. وهناك مؤسسات أخرى يكون التعاون في مجال التدريب والتأهيل وفئة ثالثة يكون محورها الدعم الفني..
* يواجه العالم حاليا أزمة شحن طاحنة بعد تضاعف أسعار نولون النقل البحري بنسبة 730 في المائة وارتفاع سعر الكيلو بالشحن الجوي أيضا.. كيف يمكن لمصر الاستفادة من تلك النقطة؟
- مصر تتوسط العالم حاليا ولديها منطقة قناة السويس القريبة من أوروبا ومع ارتفاع تكاليف الشحن والنقل قد تصبح تلك المنطقة حلا سحريًا للتصنيع في مصر والتصدير للخارج خاصة أن القاهرة تربطها علاقات تجارية بغالبية التكتلات الاقتصادية، تمنح البضائع المنتجة فيها مزايا مغرية، مثل الكوميسا التي تضم في عضويتها 21 دولة أفريقية، بجانب اتفاق التجارة الحرة بين مصر وتجمع الميركسور حيث تصل السلع المعفاة تمامًا من الرسوم الجمركية في إطارها نحو 3200 سلعة، وغيرها.
* وزارة المالية تحدثت عن إمكانية استفادة مصر كثيرا من الاقتراض عبر بنك التنمية الجديد لتمويل مشروعاتها القومية العملاقة.. ما تعليقك؟
- لا أعتقد أن مصر تسعي لتلك النقطة تحديدا، فلديها الكثير من الشرايين التمويلية الأخرى، ويكفي أن السندات المصرية أيا كانت عملة الطرح سواء الدولار أو اليورو تتم تغطيتها بأضعاف المبالغ التي تطلبها الحكومة المصرية، فمصر حينما أعلنت عن أول طرح على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال السندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار لأجل 5 سنوات، وصلت جملة طلبات الشراء إلى أكثر من 3.7 مليار دولار ما ساعد في تقليص سعر العائد إلى 5.25 في المائة.
لدى مصر استراتيجية في إحلال الديون القصيرة بأخرى طويلة الأجل.. فهل توجد مكاسب من تلك الاستراتيجية؟
مصر كان هدفها في بعض الفترات من الاقتراض من أجل الحصول على شهادة ثقة بقوة الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، فالمستثمر يبحث دائمًا عن التقارير الصادرة من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد قبل اتخاذ قراره الاستثماري بدخول سوق بعينها.
* هل يمثل الدين العام لمصر خطورة أم لا يزال في الحدود الآمنة؟
- حجم الدَين الخارجي لمصر ما زال في الحدود الآمنة فالمعيار هو مقارنة نسبة الدين بالناتج المحلي الإجمالي، وليس النظر له كرقم في حد ذاته، ومؤسسات التصنيف الائتماني العالمية أكدت على الحفاظ على التصنيف السيادي للدولة المصرية والنظرة المستقبلية المستقلة لها رغم جائحة كورونا وتداعياتها على العالم بأسره.