القامشلي: تشهد محافظة إدلب السورية الواقعة شمال غربي البلاد تصعيدًا عسكريًا منذ أيام بعدما استهدفت قوات النظام أرياف المحافظة وبلداتٍ وقرى أخرى تقع على أطرافها وتتبع إداريًا لمحافظات حماه وحلب واللاذقية، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى من مدنيين وعسكريين على حدٍّ سواء في تلك المناطق جراء الغارات الجوية التي يشنها الطيران الروسي.
وشنّت الطائرات الحربية الروسية غاراتٍ على محافظة إدلب وأريافها، بالتزامن مع إجراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتصالٍ هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان بحلول العام الجديد وناقشا معًا «تسوية الأزمة السورية»، بحسب ما أفاد بيان صادر عن الكرملين يوم الأحد الماضي.
وسبق للرئيس الروسي ونظيره التركي أن أبرما عدة اتفاقياتٍ بشأن محافظة إدلب التي باتت تعرض بمنطقة «خفض التصعيد» على خلفية اتفاق بوتين وإردوغان على وقف إطلاق النار في تلك المحافظة التي تخضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام» وتتواجد فيها جماعات من المعارضة السورية المسلّحة المدعومة من أنقرة. لكن مع ذلك يتجدد التصعيد العسكري في هذه المحافظة بين الحين والآخر.
وقال أندريه أونتيكوف المحلل السياسي الروسي المعروف إن «روسيا لا تتخلى عن فكرة محاربة الإرهاب في سوريا، وبطبيعة الحال لا تزال محافظة إدلب تشكل معقلاً أساسيا للإرهابيين»، في إشارة منه إلى عناصر «هيئة تحرير الشام» التي تعد ذراع تنظيم القاعدة في سوريا وجهاديين آخرين منهم من ينتمي لتنظيم «حراس الدين» المتشدد.
وأضاف أن «الطيران الروسي يستهدف من وقتٍ لآخر مواقع الإرهابيين في إدلب، لكن هذه المرة يأتي هذا التصعيد بعد مرور أيامٍ من اجتماع الرئيس بوتين مع نظيره التركي في آستانة». وإليكم النص الكامل للمقابلة التي أجرتها «المجلة» هاتفيًا مع أونتيكوف:
* ما أسباب التصعيد العسكري مؤخرًا في محافظة إدلب؟
- كانت هناك مفاوضات في آستانة بين الرئيس بوتين ونظيره التركي قبل نحو أسبوعين، والمثير للانتباه ما تلاها لاحقًا من تصريحاتٍ لمبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف والتي قال فيها إن موسكو اقترحت على الجانب التركي المساعدة في القضاء على الإرهابيين في إدلب وهو اقتراح لافت، سيما وأن هناك بُطئا في التخلص من الإرهابيين في إدلب.
* هل تقصد أن ما يجري في إدلب من تصعيد عسكري هو عملية روسيةـ تركية مشتركة؟
- لقد كانت هناك عملية عسكرية واسعة في بداية عام 2020 وتلتها أيضًا تفاهمات بين موسكو وأنقرة في شهر مارس (آذار) من العام نفسه، ولكن مع ذلك لم يكن هناك أي تحرك جذري للقضاء على الإرهابيين، ولذلك روسيا تهدف لمكافحة الإرهاب في تلك المناطق، ولهذا تشن طائراتها غاراتٍ على مواقع الإرهابيين في إدلب ومحيطها بين الحين والآخر سيما وأن موسكو دخلت سوريا لمكافحة الإرهاب.
*هل يمكن أن يستمر هذا التصعيد العسكري، بمعنى أن يكون هناك هجوم واسع النطاق على إدلب؟
- لا يمكن أن نتحدث في الوقت الحالي عن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب، لكن في نفس الوقت هذا الخيار مطروح على الطاولة، وبالتأكيد بالتنسيق مع الجانب التركي، ولا أعني بذلك أن أنقرة ستستمر بالمماطلة في مسألة القضاء أو التخلص من الإرهابيين في إدلب، فهي في نهاية المطاف محافظة سورية ويجب أن تعود لسيطرة السلطات السورية ومن ثم إيجاد الظروف الملائمة لانسحاب القوات التركية منها ومن المناطق المجاورة لها.
* إذن، ماذا سيكون مصير «هيئة تحرير الشام» إذا ما حاولت قوات النظام السيطرة على كامل إدلب؟
- بخصوص مصير المسلحين في إدلب، هناك فرق بين المجموعات الإرهابية والمعتدلة إن جاز التعبير، لكن «المعتدلين» عددهم صغير ولا نفوذ قويا لهم على الأرض، ولذلك سيكون مصير كل طرف من هذين الطرفين مختلفًا عن الآخر. المجموعات الإرهابية بمعزل عن «هيئة تحرير الشام»، سيتم القضاء عليها نهائيًا. أما المجموعات المعتدلة، فسيكون لديها خيار المصالحة مع السلطات في دمشق، وحينها سيتم إجراء تحقيقاتٍ مع عناصرها للتأكّد إذا ما كانوا قد ارتكبوا جرائم حرب، وبالتالي محاكمتهم، وربما العفو عنهم لاحقًا إذا ثبت للسلطات عدم تورطهم في ارتكاب جرائمٍ وحشية.
* وماذا عن الموقف التركي من هذا التصعيد المحتمل؟ - روسيا لا تتصرف بشكلٍ أحادي أو فردي، فهي تنسق باستمرار مع الجانب التركي سواءً في إدلب أو في غيرها من بعض المناطق السورية الأخرى، وهذا لا يعني أن موسكو مستعدة أو ستسمح لأنقرة بالمماطلة في مسألة إدلب إلى أجلٍ غير مسمى. وبالتالي، ستلتزم أنقرة أخيرًا بمبادئ موسكو التي تتمثل بشكلٍ أساسي في إعادة سيطرة السلطات السورية إلى تلك المحافظة.