القاهرة: مع تأجيل الانتخابات الليبية التي كان مزمعا إجراؤها يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وتحديد 24 من يناير (كانون الثاني) الجاري موعدا جديدا لإجرائها، في ظل الخلافات القائمة، والتي حالت دون إتمام العملية، ومطالبة العديد من القوى الداخلية في ليبيا بالتسريع بإجراء الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية معا، والتي كان آخرها تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، والتي طالبت الليبيين بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية معا في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وبما يضع الفرقاء أمام مفترق جديد، حيث يطالب البعض بضرورة تعديل قوانين الانتخاب الحالية، وعدم إجرائها في ظل القانون الحالي الذي اعتبره البعض «قانون تفصيل»يتوافق مع مصالح بعض المرشحين دون الآخر، حسب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، والذي أعلن مقاطعة العملية الانتخابية «ناخبا، ومرشحا»، فيما أعلن البعض الآخر انخراطه في العملية الانتخابية، بل وترشحه والمنافسة على المقعد الرئاسي. فيما تثور بعض التساؤلات حول موقف الفرقاء من تصريحات المبعوثة الأممية، خاصة من أعضاء البرلمان الحالي، وهل سيسعى أعضاء هذا البرلمان إلى وضع عراقيل جديدة تمنع إجراء انتخاب أعضاء مجلس النواب، خشية إقصائهم عن المشهد السياسي والذي يعتبر أعضاء البرلمان الحالي «الموجود في الشرق»لاعبا أساسيا فيه؟ خاصة بعد اعتمادهم في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المنصرم للقانون الحالي الذي ينظم الانتخابات التشريعية، والذي اعترض عليه المجلس الأعلى للدولة، والذي يعد بمثابة هيئة ثانية للبرلمان ومقره طرابلس، ليقوم البرلمان بعدها بتعديل مواعيد التصويت على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2021، لتأتي المفوضية العليا للانتخابات وتطلب تأجيل العملية برمتها لمدة شهر بسبب الخلافات حول القواعد الأساسية الحاكمة لها، والتي يأتي ضمنها أهلية المرشحين، ودور القضاء في الطعون، خاصة بعد فتح باب التقدم للترشح، واشتعال الصراع القانوني بعد إعلان كل من سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي معمر القذافي، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، والذي يسيطر على الشرق الليبي، ترشحهما للانتخابات ليشتعل الصراع القانوني بعد إعلان المفوضية عدم تأهلهما لخوض السباق الانتخابي، وتقديم الطعون التي أعادتهما مرة أخرى إلى قائمة المرشحين.
وعلى الرغم من الدعوات الإقليمية والدولية المتواصلة بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية وتجاوز العقبات التي تحول دون إتمامها، إلا أن الشكوك في إمكانية إجراء الانتخابات أكبر بكثير وهو ما يشير إليه قرار المفوضية العليا للانتخابات بتأجيلها إلى الرابع والعشرين من يناير، وهو ما يدعو للتساؤل حول مدى إمكانية الأمم المتحدة في التأثير على أطراف العملية السياسية في ليبيا، والضغط عليهم من أجل تحقيق هذا الإنجاز وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معا، في ظل شكوك حول الدور الغربي في ليبيا خاصة بعد تصريحات ستيفاني ويليامز حول ترشح سيف الإسلام القذافي، معتبره أن حسم موقفه في يد القضاء الليبي، وهو ما يسحب بساط الضغوط التي تضعها المحكمة الجنائية الدولية عليه، في الوقت الذي تطلق فيه التصريحات حول عدم أحقية رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة للترشح، مؤكدة أن أعضاء الحكومة والمجلس الرئاسي أقروا كتابيا بعدم ترشحهم في السباق الانتخابي، وهو ما يطلق التساؤلات حول مدى دعم الغرب، والولايات المتحدة الأميركية لسيف الإسلام القذافي في العملية الانتخابية في مواجهة الأطراف الأخرى، وهو ما ينظر إليه البعض على أنه انحياز لطرف دون الآخر، وأن الدور الذي تلعبه الممثلة الأممية يتجاوز دور الوساطة.
عراقيل جديدة بأبعاد دستورية وقانونية وسياسية
من جانبه قال مسؤول ليبي رفيع في الحكومة الليبية رفض ذكر اسمه، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: لا أعتقد أن الأمم المتحدة ستعمل على إجبار الأطراف الليبية على إجراء الانتخابات، فذلك كان دفعا أميركيا وزال هذا الدفع عندما تبين لهم ضعف اختيارهم لمرشح أو اثنين في السباق الرئاسي، وبعدما أصبح في حالة نكوص تركوا خطتهم بشكل مفاجئ.
كما أن تحركات الأمم المتحدة للأسف تتجاوز حدود الوساطة الدولية بين الأطراف المتصارعة، وبكل تأكيد فإن فرض نسق الملفات الثلاثة (السياسي والاقتصادي والعسكري) يوحي بأن العملية سوف تأخذ وقتا أطول من الموعد المعلن عنه. كما أنه وللأسف فإن الأطراف الموجودة على الساحة الأن هي أطراف ضعيفة ولا تهتم بالمصلحة الوطنية، بل تهتم بالوصول للسلطة بأي ثمن وهم على استعداد لتقديم الكثير من التنازلات للغرب، ولكنهم غير مستعدين لتقديم تنازلات للوطن وهذا أمر مؤسف للغاية. كما أن العراقيل الجديدة سوف تأخذ إطارا دستوريا وقانونيا وبعدا سياسيا. وأن قوة الضغوطات الدولية باتت خفيفة بعد تغيير الولايات المتحدة الأميركية موقفها من الانتخابات، حتى إن المجتمع الدولي ضد الانتخابات ويتلون في مواقفه كي يحمل المسؤولية للأدوات المحلية، وفي كل مرة تتم إضافة الماء للماء ويريدون الحصول على نتيجة مختلفة.
انعكاسات للصراع الروسي الأميركي على ليبيا
تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز ما هي إلا تصريحات لإبراء الذمة، فالأمم المتحدة، ومعها الولايات المتحدة الأميركية لا يملكان أدوات ضغط على أي من الأطراف الليبية، ولكن على العكس الولايات المتحدة الأميركية لديها عقدة من ليبيا منذ اغتيال سفيرها هناك جي كريستوفر ستيفنز، وذلك حسب مساعد وزير الخارجية الأسبق، الدكتور عبد الله الأشعل في تصريحات خاصة لـ«المجلة»قال فيها: الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في ليبيا يؤدي إلى عرقلة أي اتفاق، خصوصا مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النارية، وتحذيراته للرئيس الأميركي بأن العلاقات بينهما سوف تصل إلى أسوأ مستوى، وذلك على خلفية الأزمة الأوكرانية وهذا الأمر له انعكاسات على كل الملفات بما فيها الملف الليبي، وعدم وجود توافق في ليبيا بين الطرفين الروسي والأميركي، معناه أن جميع الأطراف لن تتفق على شيء، فقد تم تحديد يوم 24 يناير 2022. بدلا من 24 ديسمبر 2021 لإجراء الانتخابات، ولكن ليس هناك اعتقاد بأن هذا الموعد الجديد ستتم فيه الانتخابات، وليبيا فيها أطراف دولية وإقليمية كثيرة جدا، لذلك فإن التصارع في ليبيا، وعلى ليبيا، يؤدي إلى أن الأطراف الليبية نفسها ليست لديها إرادة، وكل الأطراف الليبية تابعة لطرف ما من الأطراف الإقليمية، والدولية، ومن المعلوم أن الأطراف الإقليمية تلعب لصالح الأطراف الدولية، ولا يمكن التصديق بوجود طرف إقليمي مستقل.
كما أن مسألة تصريحات ستيفاني ويليامز التي قالت فيها إن ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات الرئاسية، هو شأن داخلي، تقضي فيه المحاكم الليبية، وأن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وأعضاء المجلس الرئاسي، وقعوا كتابيا بعدم الترشح في الانتخابات، لا يعتبر تحيزا من الغرب، أو الولايات المتحدة، لسيف الإسلام القذافي في مواجهة الأطراف الأخرى، ومعنى ذلك أن هذا التصريح هو ضرب لكل الجهود الدولية الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، لأن إحالة القضية للقضاء الليبي، وهو غير مستتب، هو ضرب بجهود المحكمة الدولية، والسؤال هو: أي قضاء ليبي تتحدث عنه ويليامز؟ هل هو قضاء طرابلس؟ أم قضاء بنغازي؟
قطعا هو قضاء بنغازي، وبالتالي عمليا هناك دولتان في ليبيا: دولة في الشرق، ودولة في الغرب. كما يوجد انقسام بين مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ولا يمكن التقريب بينهما، والموقف الأميركي معناه التقليل من شأن المحكمة الجنائية الدولية، واستمرار الموقف الأميركي المعادي للمحكمة، وليس انحيازا لسيف الإسلام القذافي في مواجهة الأطراف الأخرى ولذلك لا بد أن تؤخذ جميع التصريحات في إطار سياقاتها المختلفة، وستيفاني ويليامز لم تقصد بتصريحاتها ضرب أحد الأطراف الليبية بالطرف الآخر، ولكن القصد هو ضرب المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف الأشعل، الأطراف الليبية محكومة بالأطراف الأخرى الخارجية التي تعمل لحسابها، فالأطراف الليبية ليس لديها استقلال، ولا إمكانات خاصة بها، كي تكون لديها إرادة للتقارب فيما بينها، لذلك فالمشهد الليبي لا يبعث على التفاؤل، فقطعا ستحاول الأطراف الليبية وضع العراقيل أمام إجراء الانتخابات، كما أنه من الممكن أن يقوم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر بمهاجمة طرابلس مرة أخرى، في ظل الدعم الروسي، وقوات فاغنر الروسية له، كما أن المشير خليفة حفتر يقف ضد المصالح الأميركية على الرغم من أنه يحمل الجنسية الأميركية، ولعبة السياسة في ليبيا هي لعبة واسعة جدا، ولكن الخلاصة أنه من المفترض أن يترك للأطراف الليبية الخيار للاتفاق، برغم أنها لا تملك الإرادة ولا تملك الإمكانيات الذاتية، وحفتر يستند إلى أطراف إقليمية ودولية أخرى، كما أن طرابلس مدعومة من أطراف أخرى تأتي تركيا على رأسها، ولذلك نرى أن المشكلة الليبية لا تزال معقدة، والرؤية فيها لا تزال غير واضحة، فكلما اقتربنا من موعد 24 يناير سنجد أنه ربما يكون هناك ضباب، لأنه من غير المتوقع أن تحدث انتخابات أصلا في شهر يناير سواء انتخابات رئاسية أو برلمانية، ومن المفترض فصلهما عن بعضهما البعض كي تسير الأمور إلى الأحسن.
هيئة أممية دون أظافر.. وموقف ليبي معقد
الأمم المتحدة هي آلة من دون أظافر، ولا يملك هذه الأظافر في الأمم المتحدة سوى مجلس الأمن، الذي يمكنه إصدار قرار فيما يخص الشأن الليبي، وذلك حسب مساعد وزير الخارجية السابق السفير جمال بيومي، الذي أكد في تصريحات خاصة لـ«المجلة»أن إصدار مثل هذه القرارات يحتاج إلى وجود أحداث وأفعال من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين، لذلك لا ننتظر قرارا من مجلس الأمن يخص الانتخابات الليبية، ولا بد أن ننظر إلى تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، على أنها تمثل رغبة، أو نصيحة فقط، وليس أكثر من ذلك، وأنها تمثل أيضا إحراجا للأطراف اللاعبين في الأزمة الليبية، والمبعوثة الأممية هي بمثابة مراقب، أو مستشار، وليس لها سلطة أو قرار أكثر من ذلك، كما أن قرارات الأمم المتحدة ليست ملزمة، وقيمتها المعنوية السياسية أكبر منها من ناحية الواقع، ولكن نحن لدينا مشكلة حقيقية في ليبيا، فكل طرف دولي يشجع الأطراف الداخلية الموالية له على العصيان، لأن الجميع يسعى ويريد الانفراد بالسلطة وتلك هي المشكلة الحقيقية وليس في استطاعة أحد الآن إقناع الليبيين بأن من مصلحتهم جميعا وجود دولة واحدة تحت علم واحد، ولكن الجميع يريد دولة واحدة ليس فيها مشاركة في الحكم، وهي مشكلة سوريا، ومشكلة السودان، فالقبيلة عندهم تعلو على الوطن.
كما أن الجهد الذي يبذل يجب أن يكون من جميع الأطراف، فمثلا تركيا هي طرف فاعل، وأصيل وهي تشجع بعض الأطراف على الانفصال، ومصر بحكم أنها وجه مقبول من كل الأطراف، إضافة إلى فرنسا وروسيا، والولايات المتحدة، فلو أجمعت الأطراف الرئيسية على عدم تشجيع الأطراف الليبية على الانفصال فمن الممكن أن يتوحد الليبيون ولكن الخطورة أن كل طرف داخلي يعتمد على طرف أجنبي، وهنا يصبح الحل في يد الطرف الأجنبي، وليس في يد الطرف الوطني، وهو نفس الشيء الذي يهدد كافة الأطراف على هذا النحو.
كما أن من سيحكم بانضمام سيف الإسلام القذافي للسباق الرئاسي هو «المحاكم الليبية»وقد حكمت لصالحه، في نفس الوقت هناك تعهد كتابي يقول بعدم ترشح أعضاء الحكومة والمجلس الرئاسي، وهذا يعني وجود مخالفة، في ترشح رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ومن حق المراقب القول بذلك، كما أن أعضاء البرلمان (مجلس النواب) لا يرغبون في إجراء الانتخابات بشكل حقيقي بسبب الرغبة في البقاء في السلطة، وتحقيق مكاسب وتلك مصيبة الانقسام، والأطراف التي ليس لها مصلحة في إجراء الانتخابات سوف تعارض هذا الاتجاه، كما أن الأطراف التي لها مصلحة ستدافع عن الانتخابات، وهذا يعني أن الموقف المعقد في ليبيا لن يحله سوى الليبيين أنفسهم. وهناك ضغوط تتم ممارستها على الأطراف السياسية، وأشهر هذه الضغوط هو الضغط المالي، وليبيا ليست دولة فقيرة، وهذا يساهم في عمل وضع عكسي، وهو أن كل طرف يريد السيطرة على الأجزاء التي يوجد بها آبار البترول والخروج منها بغنيمة، ولكن الضغط الوحيد اليوم على الأطراف الليبية هو أن تسحب تركيا ميليشياتها، (وهي لن تسحبها)، وأن تهدد الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل المباشر، ولا أظن أنها ستتدخل، إنما التدخل من دول بحجم مصر، والمملكة العربية السعودية وهما طرفان ليس لهما مصالح انفصالية من الممكن أن يأتي بنتيجة، والخطر الأكبر هو أن كل طرف دولي، أو إقليمي له تدخلات في الملف الليبي، يتصرف حسب مصالحه وهواه.