انتشر موخرا مقطع من بودكاست لدكتور روبرت مالون وهو عالم فيروسات ومناعة أميركي أدى إلى تعليق حسابه على «تويتر» بسبب ترويجه كما زعم مسؤلو تلك المنصة لمعلومات يعتبرها الجسم الطبي الأميركي خاطئة تتعلق بسلامة وفعالية لقاحات الكوفيد مرشحا أنها قد تفاقم الآفة. وتحدث روبرت مالون عن تعرض المجتمع الأميركي إلى هوس جماعي- وهو اضطراب عقلي شديد يؤدي إلى فقدان الاتصال بالواقع الخارجي- يجعلهم أسرى نظرية الإدارة الأميركية بشقها الطبي التي تقول إن اللقاح هو الحل الوحيد لتلك الآفة.
يقول الدكتور مالون إن الهوس الجماعي يعود إلى عوامل عدة أهمها تباعد المجتمع بعضه عن بعض، كما حصل مع العزل الذي فرضته الحكومات في أنحاء العالم نظرا لانتشار الجائحة، بالإضافة إلى قلق كبير يتحكم به وتركيزه بالتالي على أزمة واحدة تعصف به ومن ثم نزعة المجتمع إلى التعلق بفكرة أن هناك حلا واحدا ووحيدا للأزمة وفي حالتنا هو اللقاح. وكل من يشكك في هذا الحل أو يناقشه يشيطن تلقائيا من قبل هذه المجموعة التي أصابها الهوس الجماعي، حسب الدكتور مالون.
هذه المقابلة شهدت أخذا وردا في الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن النقاش اليوم يدور حول إلزامية اللقاح ضد فيروس كورونا والتدابير التي تتخذها الحكومات تجاه الأشخاص الذين يرفضون تلقي اللقاح، كمنع دخولهم إلى الأماكن العامة من دون بطاقة تؤكد تلقيهم اللقاح، أو منعهم من الذهاب إلى مكاتبهم إلا إذا أبرزوا فحصا يثبت عدم إصابتهم بالفيروس كل 48 ساعة وإلى ما هنالك من تدابير يعتبرها البعض تعديا على الحريات الفردية بحيث يحد من إمكانية هؤلاء الأشخاص الاستمرار بحياتهم الطبيعية.
من هنا أصبحت شرائح المجتمع التي تلقت اللقاح تنظر بشكل عدائي إلى الذين لم يتلقوه محملين إياهم مسؤولية استمرار انتشار الجائحة وبالتالي كل السلبيات التي تنتج عن هذا التصرف «الأناني» حسب تعبير البعض، خاصة فيما يتعلق بتعطيل اقتصادات البلاد.
امتناع بعض الناس عن تلقي اللقاح يعزوه المسؤولون الحكوميون والخبراء إلى التضليل المتعمد الذي يعتمده أشخاص كالدكتور مالون مثلا. بدورهم يتهم جماعة «الأنتي فاكس» أو الممتنعون عن تلقي اللقاح الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منعهم من التعبير عن آرائهم. فقد عمد محرك «غوغل» عندما انتشر مقطع فيديو الدكتور مالون لتوضيح أن البحث عن معنى الهوس الجماعي يخضع إلى تدقيق من قبل القيمين على الشركة ولاحقا عمد المحرك إلى تغيير الخوارزميات بشكل يبرز أولا الأخبار التي تنتقد تعليقات ومواقف الدكتور مالون من اللقاح.
تعاظمت المشكلة أكثر عندما اكتشف الناس أنه حتى الذين تلقوا اللقاحات الثلاثة معرضون للإصابة بالمحور الجديد أوميكرون. النقاش الحاد ما زال دائرا في الإعلام وعلى منصات التواصل ومقطع فيديو الدكتور مالون يلقى انتشارا واسعا بين رواد الإنترنت.
للأسف من قاد سياسة اللقاح فشل عندما أوهم الناس، وذلك لإجبارهم وتشجيعهم وتحفيذهم على تلقيه أنه هو الحل، خاصة أن أصواتا كثيرة شككت بفعاليته مع بدء تسويقه. فاللقاح ليس الحل السحري وهذا ما برهنه المتحور الجديد أوميكرون الذي أصاب عددا ليس بالقليل من الملقحين.
مجددا نرى أن المشكلة الأساسية تكمن اليوم في التعاطي مع الاختلاف. فهناك منحى لشيطنة كل من يعارض الرأي السائد وهذا ما نراه اليوم؛ ممن يؤيد أخذ اللقاح ومن يعارضه. أصحاب نظرية إلزامية تلقي اللقاح يتهمون الفريق المعارض بأنهم «مجرمون» تجب معاقبتهم، بينما فريق «الأنتي فاكس» يتهمون المجتمع الأميركي بإصابته بالهوس الجماعي.
للأسف تبرز عند كل نقاش مهما كان نوعه سياسيا اجتماعيا طبيا عدة مشاكل، أولها تعرض الأشخاص الذين ينتقدون الفكر السائد إلى نوع من الإعدام المعنوي، وفي كثير من الأحيان إلى تهديد بالقتل، كما حصل مع الكاتبة العالمية ج. ك. رولينغ التي أعربت عن مخاوفها بشأن تأثير السماح للنساء المتحولات بدخول أماكن مخصصة للنساء.
ثاني المشاكل التي تهدد التواصل بين الناس هي بروز نزعة شيطنة الاختلاف باعتباره إثماً تجاه الفكر السائد. ثالثا من المشاكل التي تبرز عند كل نقاش السعي من قبل أغلبية قادة الرأي اللعب على مخاوف الناس واستغلالها.
هذا يصح في موضوع كلقاح الكوفيد أو أي موضوع آخر سياسي أو اجتماعي. للأسف هذا التوجه يدفع بعض الناس إلى تبني نظرية المؤامرة ويدفعها إلى التمسك بأفكار تنشر حلولا بسيطة لمشاكل معقدة. وبين هذه وتلك يضيع العقل والعلم في متاهات الخرافات.