• أبو شجاع محرر بعض السبايا من «داعش» يكشف لـ«المجلة»عن معلومات حول الإيزيديين
المحتجزين في الموصل ويبلغ عددهم نحو 500 مختطف من النساء والأطفال بخلاف عدد من الرجال
• إيزيديون يبعثون بنداءات للمجتمع الدولي: الحل ما بعد الموصل «هو إقامة إقليم سهل نينوى..ونطالب كل العالم بتوفير حماية دولية أو محمية لكي لا نتعرض مرة أخرى إلى الإبادة وهتك الأعراض»
• نسرين إحدى سبايا «داعش» تروي لـ قصة تحريرها وحكايتها ومخاوفها بعد اختطاف التنظيم الإرهابي لها مع زوجها وعائلته
• الدواعش يحتجزون البنات الصغيرات والجميلات الأبكار ويعرضونهن على قادة التنظيم ويفصلونهن عن المتزوجات وأطفالهن
«أنا أخاف على الحلم من أن يتحول إلى كابوس، أخاف أن ينال القصف أو مقصلة داعشي من حلمي في أن يعود ونلتقي من جديد»، مستدركة: «هم سرقوا منا حياتنا، سرقوا منا عوائلنا، أحلامنا وأرضنا وكل ما نملك، هم الآن أيضًا يأسرون ما تبقى من عرضنا وأحبابنا، من أشقائنا وأطفالنا، يأسرون ما تبقى من حلمنا»، والكلام لنسرين حسن رشو إيزيدية من قرية تل بنات التابعة لقضاء شنكال غرب محافظة نينوى شمال العراق، قضت سبية لدى «داعش» نحو 8 أشهر، تعيش حاليا في بيت ناري قرية صغيرة في قضاء شيخان، أما باقي أهلها وإخوتها فهم مشتتون بين مخيمي آشتي في محافظة السليمانية ومخيم دوبز في محافظة دهوك.
تسرد نسرين لـ«المجلة» حكايتها ومخاوفها قائلة: «في تاريخ 3 أغسطس (آب) 2014 وقعنا بيد (داعش) الإرهابي أنا وزوجي وعائلته من إخوته وأخواته، حاولنا الهرب ليلتها، إلا أنه في سيطرة أم الشبابيك اعترض (داعش) سياراتنا، أوقفونا وأخذوا منا الأسلحة والجوالات وكل ما نملك من الذهب والنقود، عزلونا عن الرجال، أخذوهم بعيدا وبينهم زوجي ولحد الآن لا نعلم إلى أين اقتادوهم، أما النساء والفتيات فقد وضعونا في غرفة كانت في سابق نقطة عسكرية، بقينا هناك يوما كاملا ثم أخذونا إلى تلعفر (قضاء تابع للموصل) بقينا أربعة أيام بمدرية تلعفر وبعدها أخذونا إلى سجن بادوش، حيث كانت أشكالهم وهيئتهم ترعبنا، خصوصًا الأطفال، كانوا وحوشا، لم يكن هناك أكل ولا شرب وإن جاءوا بشيء من الطعام فما كان يكفي لربع عددنا، الأطفال كانوا يبكون من الجوع والعطش».
وتضيف: «كانوا يختارون البنات الصغيرات والجميلات، بقينا في ذلك السجن أيامًا عدة. عزلوا المسنات والأطفال ما بين 7 و15، الفتيات اللواتي تم أخذهن، وجميعهن كن أطفالاً، لم نرهن مرة أخرى، ولكني أتذكر أصوات بكائهن ورجاءاتهن أن يبقين مع أمهاتهن، إلا أنه كان يتم ضربهن وصفعهن وركلهن، ويُؤخذن عنوة ونفس الشيء فيما يخص الأطفال، حيث كانوا يُنتزعون من صدور أمهاتهم، وصراخ الأمهات يشق السماء، إلا أن الغائب في كل ما كان يجري لنا كان الرحمة، لم يرحموا الأمهات أخذوا الصبية.. أخذوا الفتيات الصغيرات».
[caption id="attachment_55256123" align="alignleft" width="225"] نسرين سبية (داعش) التي التقت بها المجلة في لقاء حصري (المجلة) [/caption]
ذاكرة السبي
وتتابع: «في تلعفر أخذوا النساء والبنات الصغيرات بالسن وكنت إحداهن، أخذونا إلى الموصل، بقينا أربعة أيام بالموصل، وُضِعنا في بيت 3 طوابق، كنا 500 امرأة، ومن اليوم الأول أخذوا الأبكار، وأبقوا على المتزوجات وابنة أخت زوجي التي لم تبلغ بعد 15 عاما، كانت بينهن ولا نعرف عنها أي شيء حتى الآن»، مستأنفة سردها: «أعادونا إلى تلعفر بقيت شهر بمدرسة تلعفر كان أمراء (داعش)، يأتون يوميًا ويختارون الفتيات والسيناريو نفسه يتم اقتياد الفتيان غصبًا وعنوة إلى أن نقلونا على كسر المحراب، وهي قرية مهجورة تقع جنوب تلعفر قرية بقيت شهرًا هناك كان يأتي أمير ينادونه بـ(الخليفة) أبشعهم على الإطلاق وعلى ما يبدو فإنه كان مسؤول النساء أو السبايا».
وتقول متابعة: «بعدها أخذونا إلى سوريا في خمس (فانات) كبيرة، وما إن وصلنا إلى الرقة وضعونا في بيت غير مفروش، الأطفال كانوا يبكون من البرد والعطش والجوع وبعد 15 يوما عزلونا عن بعضنا، أنا وتسع بنات أخذونا إلى مقر كان تحت الأرض وفيه نحو 700 مقاتل داعشي يبدو أنه كان مقرًا عسكريًا من جميع الجنسيات، وهناك رأينا الويل من التعنيف الجسدي والجنسي وبعد أربعة أيام نقلونا إلى منطقة أخرى تبعد عن الرقة 175 كيلومترًا، وهناك جمعونا في بيت يبدو أن الطائرات قصفته أخيرًا، حيث كنا نرى السماء بوضوح من الفتحة الكبيرة في الصف التي نتجت عن القصف، وكان قد حل الشتاء ولم تكن هناك أي بطانيات حتى نغطي أطفالنا بها، الذين كانوا يرتجفون من البرد».
وتضيف: «جاء داعشي تونسي وضع المسدس في راسي مهددا بأخذ طفلتي، وفي الحقيقة لم تكن طفلتي، بل كانت ابنة إحدى قريباتي تبلغ 3 سنوات أبقيتها معي وادعيت أنها طفلتي ظنا مني أنهم عندما يعرفون أني متزوجة ولدي أطفال يكفون بلاءهم عني، إلا أنه هددني بأخذ الطفلة مني إن لم أطاوعه وأذهب معه، وذهبت مرغمة اصطحبني من ريف حماه إلى طبقة، وكنت في شقة، تركنا هناك، حاولت الهرب مرارا وتكرارا ولكني فشلت لم أستطع الهرب إلى أن تمكنت من الاتصال بأهلي، وأخبروا أبو شجاع الاتصال بي، وبالفعل اتصلت به وقام بتحريري في 19 أبريل (نيسان) 2015»، وتختم قائلة: «أنا من مواليد 1995. لكن (داعش) أخذ حيلتي وكل قوة تجعلني أستمر في الحياة، ما أريده هو أن أرى زوجي، ومنذ بدء معركة الموصل باتت الآمال تتجدد في أن ألتقيه، لكني أخاف أن تقضي معركة التحرير على حلمي».
مساعٍ مستمرة
أبو شجاع دنايي، رجل يتكرر اسمه مع ذكر قصص المختطفات السبايا، وكانت «المجلة» أول وسيلة إعلامية عربية دولية، التقته، وأجرت معه حوارا حول تحريره السبايا، بعد مرور أكثر من سنتين نعود ونحاور الرجل الذي خاطر بكل ما يملك لإنقاذ الإيزيديات، الذي أطلق شعار «العرض قبل الأرض».
وعلى أبواب تحرير معقل «داعش» في العراق، التي دخلها أبو شجاع مرات عدة متحديا أخطر تنظيم إرهابي، عابرا حدود الرعب، يبدأ حواره مع «المجلة» وقد أنهكه حرق الأعصاب وكمائن التنظيم الذي هدر دمه وأصبح المطلوب الأول لديه، «في صباح الثالث من أغسطس (آب) وجد الإيزيديون أنفسهم وحيدين، في مواجهة الموت، لماذا لم تتم حمايتهم، هل هم في اعتبارات معركة تحرير الموصل، هم ينتظرون الإجابة، ينتظرون أن تعود الثقة التي فقدوها بالعيش على أرضهم، هل كان بالإمكان أن لا يحدث هذا القتل والسبي في شنكال؟! هل كان ممكن أن لا يموتُ طفل عطشا ولا يقتل رجلا ذبحا ولا تؤسر امرأة وتصبح سبية؛ فمن أين بدأت حكايتنا مع داعش وكيف ستنتهي؟!!!» الكلام لأبو شجاع.
ويكشف أبو شجاع عن معلومات حول الإيزيديين الذين من المتوقع وجودهم في الموصل وعددهم 500 مختطف من النساء والأطفال باستثناء الرجال، أما الرجال فكان هناك عدد كبير في موصل والمناطق التابعة لها، ولكن قبل شهر تم نقلهم إلى مكان مجهول»، لافتا إلى أن «وضع المختطفات (السبايا) في جميع المدن التي يسيطر عليها (داعش) في العراق وسوريا لا يفرق حيث يعانون كل لحظة من أعمال الإجرامية من الاغتصاب وغيرها».
ويشير إلى أنه «كلما قامت القوات التي تحارب (داعش) بالهجوم إلى منطقة ما تحت سيطرة (داعش) يقوم (داعش) بنقل المختطفات إلى مناطق آمنة لهم بعيدا عن المناطق القريبة من الجبهة»، لافتا إلى أن «(داعش)، وحسب معلومات قام بنقل المختطفات من مناطق خط الجبهة مع الجيش والبيشمركة والحشد، خصوصًا جبهات في أطراف موصل من الشرق والجنوب والشمال».
ويؤكد على أنه ما زالت المساعي مستمرة وحثيثة، وإيصال النهار مع الليل في العمل لتحرير المختطفات الإيزيديات وغيرهن من «داعش»، كاشفًا أن «الحكومة والبيشمركة والجيش تعاهدوا بأنهم يعملون لإنقاذ المختطفات أثناء تحرير أي منطقة، ويتم البحث عنهم بقدر المستطاع»، مضيفًا: «جميع الإيزيديين طالبوا جميع القوى الذين يحاربون (داعش) بأنه يجب مراعاة الأمر من حيث ناحية المختطفات في المناطق الذي تحت سيطرة (داعش) أثناء تحريرها، فقد اختطف داعش الآلاف من الإيزيديين، لا سيما النساء والأطفال، بعد اجتياحه لمدينة الموصل وما حولها».
ويرى أبو شجاع أن الحل ما بعد الموصل «هو إقامة إقليم سهل نينوى ونطالب من كل العالم أن يوفروا للإيزيدية حماية دولية أو محمية لكي لا نتعرض مرة أخرى إلى الإبادة وهتك الأعراض».
[caption id="attachment_55256124" align="aligncenter" width="1024"] نازحون عراقيون خلال اللقاء مع ذويهم قرب نقطة تفتيش كردية (غيتي) [/caption]
نداءات
وتوالت النداءات من قبل شخصيات سياسية ورجال دين إيزيديين لمساعدة المختطفات والمختطفين الإيزيديين ووضع مخطط لإنقاذهم.
وكان «سماحة بابا شيخ»، أعلى مرجع ديني للإيزيديين في العالم أطلق نداءً وجهه إلى أهالي محافظة نينوى عمومًا، وإلى الوقف السني وإلى خطباء الجوامع والكتاب والمثقفين وأساتذة الجامعات وغيرهم، وإلى القوات المسلحة العراقية بجميع تشكيلاتها، وقوات الحشد الوطني ورؤساء وشيوخ العشائر وغيرهم، لمساعدة المختطفات.
وناشد البابا شيخ جميع الشرفاء من أبناء العراق الغيارى لمساعدة المختطفات والمختطفين من أبناء الإيزيدية الذين وقعوا بقبضة «داعش» الإرهابي، عادًا أنه «عندما نريد معًا أن نفتح صفحة جديدة من تاريخ الأخوّة والجيرة والتسامح والتعايش السلمي، فإن الواجب الوطني والإنساني والأخلاقي يحتم على كل عراقي شريف أن يقوم بمساعدة هؤلاء الناس العزل الذين لا حول ولا قوة لهم إلا بالله وبالخالق العلي العظيم، وإنهم في أمسّ الحاجة لكم أيها العراقيون الشرفاء، وفي أقل تقدير أن تقدموا المعلومات القيمة والكافية عن مصيرهم وأماكن وجودهم وتزويد القوات المسلحة العراقية أو أية جهة أمنية بتلك المعلومات».
وكانت النائبة الإيزيدية في مجلس النواب العراقي فيان دخيل دعت القوات العسكرية إلى إنقاذ المختطفين من أبناء جلدتها وباقي الفئات الدينية الأخرى بـ«خطط نوعية»، خلال بدء الهجوم الوشيك على مدينة الموصل التي لا تزال بقبضة تنظيم داعش.
وتقول دخيل في بيان لها: «نحن نرى، استنادًا لمعلومات موثوقة أن هنالك المئات من أطفالنا وبناتنا ونسائنا من المختطفين لدى التنظيم ولدى أنصاره بداخل مدينة الموصل وأطرافها»، مضيفة أن «البعض من الأطفال الذكور ممن كانوا بعمر 6 إلى 12 سنة عند اختطافهم، وأيضًا الطفلات ممن كانت أعمارهن من 5 إلى 10 سنوات قد تم التأثير في عقولهن، وقد تغيرت ملامحهم وحتى لغتهم أيضا، كما أننا لا نستبعد إطلاقًا أنه تم استحداث هويات مزورة لهم جميعًا»، مناشدة «شيوخ العشائر والشخصيات الاجتماعية والثقافية من الشرفاء وأهل الغيرة من أبناء الموصل بأن يسجلوا موقفا للتاريخ، ويتعاونوا مع الأجهزة الأمنية من خلال المساهمة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أطفالنا وبناتنا ورجالنا ونسائنا».
وتمضي دخيل في القول: «نحن نثق برجال الموصل (الأصلاء)، مثلما نثق بشيوخ العشائر العربية (الأصلاء) الذين سيظهر معدنهم الأصيل عندما تحلّ الشدائد. رغم أنه لا شدائد أكبر مما حصل للمكون الإيزيدي خلال العامين الماضيين»، مضيفة: «ورغم أننا ندعو دائما لسيادة القضاء في القصاص من المجرمين، إلا أننا نعلن بأننا لن ندخر جهدا وسنعمل على أن لا نبقي طفلاً أو سيدة أو رجل بين أيديهم بإذن الله، ولن يفلت أي داعشي من العقاب العسير ووفق القانون».
بانوراما
في يوم 10 يونيو (حزيران) 2014 سيطر «داعش» على الموصل المدينة فقط، أكثر ثلث المحافظة لم تكن تسقط بعد بيد «داعش» وأكثر من مليون إنسان كان خارج سيطرة «داعش».
في 29 يونيو (حزيران) 2014، أعلن إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، الملقب بابي بكر البغدادي، وفي المسجد الكبير في الموصل عن قيام تنظيم «داعش»، ونصب نفسه خليفة له.
30 يونيو 2014 سارت العشرات من أبناء العشائر العربية في الموصل باتجاه مقر «داعش» ضمن مبنى محافظة نينوى في الجانب الأيسر من الموصل، يحملون لافتات كتبت عليها أسماء العشائر، وشعارات المبايعة، ويهتفون بالولاء والطاعة للدولة الإسلامية وسحب ذلك على الأقضية والنواحي العربية في غرب كركوك (الحويجة الرياض الملتقى) وجنوبا (الشرقاط بيجي تكريت وصولا إلى تخوم سامراء)، واستمرار تقدمهم إلى شرق الموصل في الخازر ومن ثم احتلالهم مخمور.
في ليلة 3 أغسطس 2014 وبالتحديد الساعة الثانية عشرة ليلا بدأ قصف شديد على قضاء شنكار بعدها تحركت «همرات» تحمل رشاشات ثقيلة، كانت المقاومة ضعيفة وفي الساعة السابعة صباحا كشف ضوء الشمس عن وجوه بشعة يرتدون لباسًا أفغانيًا ينتشرون في شوارع المدينة، ويبدو أن القوات الكردية الموجودة في المدينة انسحبت قبل هذا الوقت.
في يوم 10 أغسطس 2014 سيطر «داعش» على عشرات البلدات والنواحي ومئات القرى دون وطلب من الأهالي في سهل نينوى النزوح باتجاه حدود الإقليم.
في أوائل أكتوبر 2014 حدثت تغيرات تغير كثيرة أهمها استعادة البيشمركة توازنها، وظهور مقاتلين الجبل الإيزيديين.
بداية شهر أغسطس شكلت قوات حماية سنجار من مسلحين متطوعين إيزيديين في جبل شنكال بقيادة حيدر ششو.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 تم تحرير شنكال، من سيطرة تنظيم داعش، إلا أن المدنية كانت قد تحولت إلى ركام ولم يعد إليها إلا القلة القليلة من أبناء الإيزيديين، فالكثيرون يرون أن «تحرير مدينة شنكال ليس هو الحل النهائي والسحري للمشكلات، إنما هو الخطوة الأولى لمواجهة المشكلات الحقيقية، فبعد تحرير القضاء لا بد من خلق الثقة التي لن تجد موطئ قدم لها إلا بعد تحرير الموصل وإيجاد صيغة ملائمة تضمن السلام في العيش بين الكل العراقي في محافظة نينوى».
[caption id="attachment_55256126" align="alignleft" width="280"] شقيق مجدل الطفل المختطف عند (داعش) (المجلة) [/caption]
إحصائيات..
وفق أحدث إحصائية من حكومة إقليم كردستان فإنه نحو 360 ألف مواطن إيزيدي نزحوا من مناطقهم، وسقط 1293 آخرين ضحايا إثر هجوم تنظيم داعش الإرهابي على المناطق الإيزيدية في سهل نينوى.
وهنالك 1759 طفلاً إيزيديًا يتيمًا، فيما فقد 407 أطفال أمهاتهم، بينما فقد 359 طفلاً الوالدين معًا، و220 طفلا والداهم أسرى لدى «داعش».
كما تم حتى الآن العثور على 30 مقبرة جماعية والعشرات من القبور الفردية، بينما تم تدمير 44 مزارًا وموقعًا دينيًا للإيزيديين من قبل إرهابيي تنظيم داعش.
فضلاً عن أن هناك 6413 مواطنًا إيزيديًا تم خطفهم، 3543 من النسوة والفتيات و2870 من الرجال، وإن الجهود المبذولة من قبل مؤسسات حكومة إقليم كردستان أسفرت عن إنقاذ 2678 من المخطوفين. فيما تستمر الجهود لإنقاذ 3735 مواطنًا إيزيديًا ما زالوا أسرى في قبضة التنظيم.
اضطهاد مزدوج
ويشرح داود جندي، العضو في اللجنة الأمنية بمجلس محافظة نينوى، وضع الإيزيديين الإداري والسياسي ما قبل سيطرة «داعش» لمناطقهم قائلاً: «إن أحداث 3 أغسطس لم تكن المرة الأولى التي يتعرض لها الإيزيديون لحملة إبادة فهو الفرمان 74 بحق الإيزيديين على مر التاريخ تعرضوا خلالها لمختلف أنواع الإجرام والإبادة، حتى إبان نظام صدام حسين الرئيس العراقي الراحل كان هناك استهداف للإيزيديين ولكن ليس بهذه الطريقة البشعة لـ(داعش)، أي أن الإيزيديين تعرضوا للاستهداف والاضطهاد المزدوج مرة بسبب دينهم ومرة أخرى بسبب قوميتهم»، موضحًا: «في عهد صدام حسين كان هناك حرية لممارسة الطقوس الدينية للإيزيديين، ولم يكن هناك أي ضغوط بسبب الدين، على سبيل المثال عيد رأس السنة الإيزيدية وعيد الصوم الإيزيدي الذي يصادف 18 ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة، موسم الحج كان يمنح الموظفون الحكوميون الإيزيديون إجازات وكانوا يعطلون رسميا وكانت تتم تعطيل مدارسهم في مناطق الإيزيديين، حتى المجندون كانوا يمنحون إجازات»، مستأنفًا: «لكن كان الإيزيديون يضطهدون بسبب انتماءهم القومي».
ويتابع جندي: «لقد تم ترحيل أهالي القرى الإيزيدية من قبل الجيش العراقي وتدمير القرى الإيزيدية في عام 1979 وتم إسكان الإيزيديين في مجمعات سكنية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع الحزام الأمني بإسكان عرب في قرى مستحدثة في منطقة شنكال وكذلك في منطقة شيخان تم الاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية وكان هناك قرار من قبل مجلس القيادة الثورة لحزب البعث بأن يتم ترحيل أهالي شنكال في سنوات التسعينات إلى منطقة الحضر بحيث يتم الاستيلاء على مناطقهم بشكل عام ولم يمت ذلك بسبب خوض العراق حرب الخليج الأولى».
ويضيف: «بعد احتلال العراق من قبل أميركا في 2003 أصبح هناك تعددية حزبية في شنكال كباقي مناطق العراق، والإيزيديون لم يكونوا مستبعدين من المشهد السياسي رغم الضغوط السياسية من قوى سياسية متسلطة، إلا أنه تم إعادة هيكلة مجلس قضاء شنكال والنواحي والنسبة الكبيرة جدا من مجالس الأقضية والنواحي كانوا إيزيديين»، مستدركًا: «لكن شنكال من ناحية الخدمات كانت تفتقر للمشاريع التنموية أو البنية التحتية بل بالعكس كان هناك تقديم خدمات في مناطق أخرى على حساب مناطق الإيزيديين التي كانت ضحية الصراع السياسي بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، حيث إن مناطق وجود الإيزيديين هي ضمن المناطق المتنازع عليها في العراق التي كان من المؤمل معالجتها وفق قانون الدولة للإدارة المؤقتة وفي مادتها 58 التي تم نقلها إلى الدستور العراقي الدائم في سنة 2005 في المادة 140، ولكن للأسف الشديد لم تتم معالجة وضع المناطق المتنازع عليها حتى هذا اليوم، وهذا كان السبب الرئيسي في عدم إعطاء الحكومة المركزية استحقاق مناطق الإيزيدية وكذلك حكومة إقليم كردستان للأسف الشديد لم تقدم ما كان في مستوى الطموح».
[caption id="attachment_55256127" align="alignright" width="300"] داعشي مع أطفال إيزيديين (المجلة) [/caption]
وأشار إلى أن مناطق الإيزيديين كانت في مرمى المنظمات الراديكالية وتنظيم القاعدة منذ 2003 حيث تم استهداف الإيزيديين بشكل مباشر كونهم إيزيديين، أي بسبب دينهم وليس كونهم أكرادًا، وتم إعدام 24 شابًا إيزيديًا كانوا يعملون في الموصل بالإضافة إلى المئات من الشباب والنساء والشيوخ الذين كانوا يقصدون الموصل بغرض تسير معاملاتهم في دوائر الدولة وإتمام معاملات الإدارية أو لغرض طبي أو.. إلخ كان يتم استهدافهم كونهم إيزيديين، وشنكال تم استهدافها أكثر من مرة بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأحزمة الناسفة وفي 2007 حصل مجزرة كبيرة جدا في ناحية تل عجيل والقحطانية ومجمع الجزية حيث ذهب ضحيتها أكثر من 600 إيزيدي وحتى آنذاك، فإن القوات الكردستانية لم تستطع تأمين أو حماية المناطق الإيزيدية بالشكل المطلوب رغم أنه كانت هناك كثير من المطالبات بأن يتم تعيين الشباب الإيزيديين من شنكال وتسليحهم وضمهم إلى قوات البيشمركة للدفاع عن مناطقهم، ولكن للأسف الشديد لم تكن هناك آذان مصغية لهذه المطالب بل كان يتم جلب قوات من البيشمركة من أربيل أو زاخو اة دهوك أو هذه المناطق الكردستانية الأخرى يأتون بهم إلى مناطق الإيزيديين في شنكال».
ما قبل «داعش» مختلف عما هو بعد «داعش» فيما يخص مسألة الإيزيديين. الواقع تغير، أصبح هناك تغيير كبير جدا في نفسية الإنسان الإيزيدي في ذاكرته القريبة جدا والبعيدة جدا، في تعامله وميوله في هواجسه وفي تخوفاته من المستقل وكيفية حماية نفسه، وحصل تحرك كبير على مختلف المستويات على هذه الأصعدة كافة، فقد تم تشكيل قوة عسكرية من الإيزيديين باسم قوات حماية شنكال لحماية ما تبقى، توسعت صفوف هذه القوة وأصبح هناك وحدات مقاومة شنكال أيضًا هم من الإيزيديين وأعدادهم كبيرة للدفاع عن الإيزيديين والمكونات الأخرى حتى المسلمين، وأصبحت هذه القوات واقع حال.
منطقة محمية
وحول اقتراح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منح الإيزيديين «مناطق محمية» أو إيجاد مكان آمن للإيزيديين الذين أجبرهم تنظيم «داعش» على ترك ديارهم، يستطيعون العودة إليه بعد دحر التنظيم يقول داود جندي: «اقتراح ميركل بمناطق حماية للإيزيديين لم يكن جديًا، لأن الحماية الدولية تحتاج إلى قرار أممي، والقرار الأممي فيما يتعلق بحماية دولية لأي منطقة يجب أن يتم بإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، خصوصا الدول دائمة العضوية بالإضافة إلى أن قوات حفظ السلام كحماية دولية لأي مكون تحتاج إلى ميزانية كبيرة جدا وتحتاج إلى تخطيط كبير وتأخذ وقتًا كبير جدا للحصول على قرار كهذا»، معتبرًا في الوقت نفسه المقترح جيدًا إذا كان ممكن تحقيقه أو كان جديا أو ميركل تمسكت به وقامت بتقديمه إلى برلمان الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يرى أن الحل الأنجع هو أن «يتم تشكيل قوة عسكرية من قبل الإيزيديين سواء بإشراف الحكومة المركزية أو بإشراف حكومة إقليم كردستان، وأن يتم دعمها وإسنادها بالأسلحة المتطورة، وأن يكون إدارة هذه القوة من قبل الإيزيديين، ويتولوا هم حماية مناطقهم لأن ما تعرض له الإيزيديون في 3 أغسطس هو الانهيار الذي حصل في المنظومة الدفاعية العراقية، والانسحاب التكتيكي لقوات البيشمركة التابعة لحزب الديمقراطي الكردستاني، لو كان الإيزيديون يتولون الملف الأمني في مناطقهم لما انسحبوا ودافعوا حتى النهاية عن عرضهم وأرضهم ومقدساتهم».
[caption id="attachment_55256129" align="alignleft" width="300"] النازحون العراقيون الفارون من مدينة الموصل (غيتي) [/caption]
في بلد ميركل، مجدل وهو شاب إيزيدي لجأ إلى ألمانيا بعد أن فقد كل عائلته يعيش حاليا في شتوتغارت وحصل على الإقامة الألمانية لا يفكر قط في العودة إلى شنكال ويبرر موقف بأنه ما عاد هناك ما يستحق أن يعود لأجله، إنه في ألمانيا مع أختيه اللتين كانتا مختطفتين لدى (داعش)، إحداهما تُعالج في مستشفى الأعصاب، ولكن مجدل لم ينقطع نهائيًا وهناك ما يجعله يرقب معركة تحرير الموصل.
يقول مجدل لـ«المجلة»: «نحن من ناحية تل عزير تابع لقضاء شنكال ليلة 3 أغسطس 2014 غادرنا من منازلنا متوجهين إلى جبل شنكال إلى بيت عمي قريب من الجبل، طبعا أنا مع شقيقي وشقيقتي، فنحن عائلة مكونة من خمسة أفراد؛ ثلاثة إخوة وأختين وفي الساعة 10:30 من نفس اليوم هاجم (داعش) بيت عمي أسروا تقريبًا 80 من أعمامي وأخوالي مع إخواني وأخواتي، إلا أني تمكنت (وبقدرة قادر) من الهروب إلى الجبل، والبقية وقعوا بيد (داعش) الإرهابي»، مضيفا: «في أحد الأيام اتصلت أختي وأخبرتني أنها وأختي الأخرى في محافظة الرقة السورية وتم تحريرهما وفي 15 مايو (أيار) 2015 أنقذت حياة أختي، إلا أنه لحد الآن أخواي زياد وصبري ما زالا مختطفين لدى (داعش)، ولا أعرف مصيرهما».
ويضيف: «أظن أنه مع بدء معركة الموصل تم نقل عدد كبير من المختطفات إلى مناطق آمنة لهم أي (داعش)، لأن في حال لم يكن هناك رصد أو إنزال جوي مفاجئ بعد الحصول على معلومات حول مكان المختطفين لن يكون بالإمكان إنقاذ أحد، فكلما تقدمت قوات الجيش والبيشمركة والميليشيات، فإن (داعش) يعلم بتقدمهم حيث يقوم مباشرة بنقل المختطفات إلى مناطق آمنة لهم»، مستدركًا: «بالتأكيد أن الرجال المخطوفين لديهم سيحاربون بهم أنها لحظات صعبة بالنسبة لي ما يهمني معرفة مصير أخوي».
[caption id="attachment_55256130" align="alignleft" width="300"] مجدل شاب إيزيدي لجأ إلى ألمانيا[/caption]
ويؤكد مجدل قائلا: «لن أعود إلى العراق لأنه لا يوجد أمان في العراق ولن أفكر أن أعود إلى العراق بعدما خسرت كل أهلي وناسي، وخسرنا شرفنا وأرضنا ولحد الآن اشعر بالحزن عن إخواني والإيزيديين جميعًا الذين هم مختطفون لدى (داعش) الإرهابي، يحترق قلبي عليهم يوميًا، يحترق قلبي على من هم في سجون (داعش) ومصيرهم مجهول؛ هل سيُقتلون على يد التنظيم أم بقذائف القوات التي تحارب داعش»، مستأنفًا: «أتمنى أن يعود أخواي، وأن نجتمع مرة أخرى كلنا، أن تنسى أختي ما جرى لها على يد هؤلاء المجرمين ولا تحتاج مجددا للأدوية المهدئة، أو جلسات العلاج النفسي، أن لا تسقط أمامي مرة أخرى وتدخل في نوبات عصبية تستذكر فيها هؤلاء الوحوش القابعين في ذاكرتها».
مجدل لن يعود، ونسرين لن تهاجر، وستنتظر زوجها، ويبقى هناك تحدٍ آخر أمام الإيزيديين بل أمام العراق ما بعد «داعش»، الذي لن يكون البتة هو العراق ما قبل «داعش».