القاهرة: بدأت لجنة الشؤون الدينية بمجلس الشيوخ المصري، خلال الأيام الماضية، مناقشة مقترح مقدم من النائب يوسف السيد عامر، رئيس اللجنة الدينية، بشأن إعداد تفسير جامع يعنى بتقديم كتاب الله (القرآن الكريم) بأسلوب عصري جديد، أو ما يعرف إعلاميا بـ«تجديد الخطاب الديني» والذي سبق وأن دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية عدة مرات، بما يعكس وسطية الدين الإسلامي ومنهجه المعتدل في الحياة، ولمواجهة «التطرف»، وبناء الوعي ونشر التنوير، وهو ما سيرد على الأحاديث التي تتمسك بها الجماعات المتطرفة لنشر التعصب بين الأمم مع ضرورة إعادة تعريف بعض المفاهيم التي نادى بها الدين الإسلامي.
التطور الزمني
وأكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، على أنه مع التطور الزمني تحتاج الأمة الإسلامية إلى مزيد من كتب التفسير للقرآن الكريم، وفي هذا المجال قامت وزارة الأوقاف المصرية بطبع 3000 نسخة من ترجمة كتب التفسير باللغة الإنجليزية، وتم بيعها ونفدت، مضيفا: «لا شك أننا نختار من صحيح البخاري وصحيح مسلم ما يحتاج إليه الناس في الكتب وهناك لجان تعمل على ذلك، بالإضافة إلى إنتاج موسوعة الأحاديث القدسية وموسوعات الفقه، ونخاطب المواطنين بلغة بسيطة توصل المعلومات لهم مع الوضع في الاعتبار أننا نضيف في كتب الترجمة أن الترجمة تعبر عن الاجتهاد البشري لتوصيل معاني القرآن لأصحاب اللغات الأخرى، وأن إصدار كتاب بلغة بحثية يتم من خلال فريق عمل وفق منهج ضخم». وقال: «الأهم أن نقف على ما انتهى إليه مجمع البحوث ودار الإفتاء».
ومن جانبه، أشاد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بمقترح إعداد تفسير معاصر للقرآن الكريم الذي بدأ مجلس الشيوخ المصري بمناقشته خلال الأيام الماضية، «لأن ذلك الأمر يتواكب مع الجمهورية الجديدة»، موضحا أن «هذا الطرح له أهميته ويتماشى مع متطلبات العصر، مع مراعاة ما هو ثابت لا يقبل الاجتهاد وما هو متاح للاجتهاد وإعمال الفهم لمعالجة قضايا الزمن باحترافية ومهنية عالية، حيث قدموا جهودا يحمدون عليها، وعلينا أن نستمر على الطريق لنراعي زماننا باختلاف تفاصيله وسياقاته، فمسيرة العلماء تدعونا إلى مزيد من الجهد بجرأة المجتهد المنضبط الذي يعالج قضايا عصره».
الأزمان السابقة
واعتبر علام أن لدينا مساحة مفتوحة لنستمر بمنهجية العلماء السابقين مع عقلنا الاجتهادي النقدي، وأثمن هذه المبادرة وجهودها التي تهدف للتطوير حتى لا يفونتا العصر بقضاياه والتي تتطور أسرع من الثانية، وما طرح في الأزمان السابقة كثيرا منه لم يعد مناسبا لقضايانا العصرية، ولا ننكر الجهود المبذولة في التفسير الوسيط أو المنتخب، ولكننا نحتاج إلى إعادة النظر في الأمر للإجابة على كفاية هذا لقضايانا الآن، أم نحتاج إلى معالجة جديدة دقيقة؟
ودعا الدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، الجميع إلى تفسير معاصر، «فهو ضرورة حياتيه، يعتبر فكرة رائعة ويجب أن نقف على ما انتهت إليه المؤسسات الدينية في هذا الصدد، ولدينا مصحف الأزهر بنوعين: الأول مجرد من المعاني، والثاني مصحف مزود بالمعاني»، مشددا على «احتياج المرحلة الحالية إلى تفسير عصري بعيدا عن تأصيلات القدماء، وأن فكرة إعداد تفسير عصري تحتاج إلى تكاتف الجهود المضنية من أجل إخراجها للنور، لأن الإسلام براء من الأفكار المتطرفة والمفاهيم الخاطئة».
وثمّن عياد جهود المؤسسات الدينية التي تصب في تجديد الخطاب الديني، حيث إن «العصر الذي نعيش فيه يحتاج إلى مشروع تفسير عصري»، مشيرا إلى أن «هناك من وضع سموما في التفاسير المختصرة يجب الرد عليها حتى لا يتأثر الناس كما تأثروا بأفكارهم الخبيثة التي تم بثها في القنوات المعادية لمصر».
وسطية الإسلام
وبينما قال النائب محمد سليم، وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، إن مقترح مجلس الشيوخ الذي طالب خلاله بتفسير عصري للقرآن الكريم يعبر عن وسطية الإسلام واعتداله، «فإن الموضوع الآن قيد الدراسة، وسيكون في حيز التنفيذ بعد الموافقة رسميا، معللا أن هذا الأمر جاء نظرا لانتشار بعض النسخ من القرآن الكريم والتي بها تفسيرات تنتمي للفكر المتطرف، فالدين الإسلامي يدعو للوسطية» مطالبا بإصدار مصحف ورقي وإلكتروني مزود بتفسير مختصر يكون متفقا عليه من جميع أطراف المؤسسات الدينية، مزودة بهوامش وتفسيرات عصرية منضبطة وأن تفسير القرآن الكريم سيكون مترجما بعدد من اللغات وليس اللغة العربية فقط، وأن هناك دراسة أيضا لإصدارة موسوعة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الأخلاقيات.
العدالة الاجتماعية
ومن جانبه أشار الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إلى أن «الدستور المصري نص على أن الأزهر الشريف هو المسؤول وحده لا غير عن الشؤون الإسلامية في الدولة ولذلك لا يصح دراسة ومناقشة تفسير القرآن في مجلس الشيوخ نظرا لعدم اختصاصه بهذا الأمر، ومثل هذه القضايا بالذات لا تجاز إلا بالمرور على الأزهر الشريف في بداية الأمر والسبب في ذلك أن مصر دولة مؤسسات. ومن ثم حتى كلمة تفسير عصري للنص القرآن تحمل الكثير، بما يعني عند المتلقي البسيط تغيير ثوابت الإسلام، في ظل أن لدينا في المكتبة العديد من التفاسير التي تتماشي مع العصر».
وطالب كريمة «بتقديم هذا الاقتراح إلى مشيخة الأزهر الشريف بدلا من تقديمه إلى مجلس الشيوخ لأن المجلس ليس جهة اختصاص لمناقشة مثل هذه القضايا، ولأن دور مجلس الشيوخ تشريعي وليست له علاقة بتفسير القرآن، لأنه لا يحتاج إلى تشريع، وماذا تعني عبارة تفسير عصري أو غير عصري»، موضحا أن لدى الأمة الإسلامية وفي مصر هناك مدارس تفسير وتفاسير فقه مثل تفسير القرطبي، وهناك تفاسير تاريخية، وأثر وحديث مثل تفسير ابن كثير، وأيضا هناك تفاسير عقيدة وتفاسير أخلاق والحمد له لدينا تنوع في التفاسير، وما هو العيب في التفاسير التراثية؟ وإذا كان السبب في ذلك هو القضاء على التطرف، فبتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشعوب، ثم مواجهة الفكر بالفكر، سيتم القضاء على التطرف ونحن نمتلك مواجهة الفكر بالفكر ولدينا مشاريع جاهزة لذلك، وخاطبنا كافة الجهات المعنية».
وكشفت آمنة نصير، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر سابقا أن مثل هذه الاقتراحات تخرج عن الأصل في معرفة تفسير القرآن، حيث إن هذا الأمر له ضوابطه وله أصوله وليس لمجلس الشيوخ أن يضع فيه ما ينتفع به في هذا الميدان، وإذا كان يقصد ما جاء في الآيات الخاصة بالجهاد وتفسير بعض المتطرفين لها خطأ والخاصة بالقتال مع المناوئين للإسلام، فهذه الآيات لها أوانها ولها ظروفها وعلى المعاصرين أن يتعلموا أن هذه الآيات كان لها عصرها فعندما نزل الإسلام بدأت الديانات السابقة تشن على الإسلام الحرب فكان الرد بالتدعيم بالآيات، لكن نحن الآن في ظروف مختلفة ولا بد أن يعلم من يدرس القرآن أو من يتعرض لآيات العقائد في الإسلام أن هناك قضايا كان لها زمانها وكانت لها ظروفها وكانت لها أوضاعها».
آيات القتال
واعتبرت نصير أن تفسير معنى عبارة «يتماشي مع العصر هي فلسفة لتأويل آيات القتال والجهاد ولا بد أن نشدد على أنه لا مساس بالنص القرآني، حيث إن كل آية لها ظروف، وفي المجمل جاء النص لمواجهة العداء الذي واجهه الإسلام في بدايات ظهوره وهذا شيء طبيعي، صراع السابق مع اللاحق وحدث ذلك مع الإسلام ومن ثم الآن الإسلام رسخ وأصبح هناك أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم. ومع مستجدات العصر لا بد أن نفهم الظروف التي نزل فيها القرآن والظرف الذي نحن فيه الآن، والرد على من شن الحرب على الإسلام لن تنمحي، لكن لا بد من فهمها بما جاء فيها، من هنا لا بد من الثبات على ما جاء في القرآن وبيان الحكمة من هذه الآيات في زمانها».
وأكد ماهر فرغلي المتخصص في الحركات المتطرفة أن «تفسير القرآن في أي عصر يتم بطريقة عصرية، وعلى سبيل المثال تفسير ابن كثير هو تفسير عصر ابن كثير، وهو ما يسري على التفاسير كلها، لكن الفرق في الأمر هو استخدام تفاسير تم تفسيرها من ألف سنة ثم نقوم بتطبيقها على هذا العصر، فلا بد في التفسير من مراعاة العصر بما فيه من مصالح مرسلة وتغيير الفتوى من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، لكن لا بد من الوضع في الاعتبار أن هناك ثوابت وهناك متغيرات، فالشريعة منقسمة إلى عبادات ومعاملات وأخلاق، الأخلاق شيء متفق عليها في كل الأديان لا يمكن التغيير فيها لتصبح طريقة عصرية والعبادات لا تستطيع التغيير فيها كالصلاة، أما الحدود التي شرعها الله فهي مطبقة بطريقة عصرية فلا تستطيع الآن قطع يد السارق مثلا لكن استعن بالسجن كعقوبة بديلة وهذا يتماشي مع العصر».
وأشار فرغلي إلى أنه «فيما يخص المعاملات الآن فهي مطبقة بطريقة عصرية فلا تتصدق بشعير أو بقمح بل بالنقود وهذه مواكبة للعصر عن طريق الفتوى وهناك متغيرات كذلك في البيع والشراء والتعاملات البنكية وكل هذه الأمور في مصر والعالم العربي مطبقة، أما فيما يخص آيات الجهاد فقد اتفق على تفسيرها تفسيرا سليما ما عدا التيارات المتطرفة والإرهابية، لكن يجب النظر في كتب التراث بصفة عامة وتنقيتها كما يتفق مع النص القرآني بما فيها كتب التفاسير القديمة، لذلك نحن أمام عدة مشاريع؛ إما نسف كتب التراث في مجملها وتطبيقها حرفيا وهو ما تنادي به الحركات الإرهابية مثل داعش، والقاعدة، وغيرهما وإما أن نأخذ ما يصلح منها، ولا يمكن لأمة نسف تراثها ومن ثم فلا بد من الحصول على ما يصلح للعصر من كتب التراث وترك الآخر، ومن هنا لا بد من استكمال مشروع التنقية وليس نسف التراث بشرط أن يقوم بذلك علماء يشهد لهم بالعلم والوسطية، ولو لاحظت التفاسير في عصرنا القريب هناك تفسير الإمام محمد متولي الشعراوي، في نفس الزمن ظهر (في ظلال القرآن) للمتطرف سيد القطب وتم تفسيره بطريقة أخرى، فمن ثم نحن لا نحتاج إلى تفاسير بقدر حاجتنا إلى قراءة للتراث وتنقيته، ومن هنا من الممكن القضاء على التطرف لتجديد الخطاب الديني».