بون: يفترض أن يصبح تنشيط المحور الفرنسي الألماني في أوروبا على رأس أولويات الحكومة الفيدرالية الألمانية الجديدة برئاسة شولتز خليفة المستشارة الألمانية ميركل والذي استلم مهام المستشارية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021. واعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2022. يتعين على ألمانيا دعم رئاسة المجلس الفرنسي في أجندة إصلاح الاتحاد الأوروبي. كما ينبغي على ألمانيا وفرنسا أن يعقدا مؤتمرا مشتركا مستقبلا بمقترحات من أجل تعزيز القدرات الأوروبية على العمل المشترك.
أدى أولاف شولتز اليمين الدستورية كمستشار جديد لألمانيا في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2021 في أعقاب انتقال السلطة في ألمانيا، توجه شولتز إلى باريس وبروكسل حيث أعلن أنه سيعمل بجدية مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لجعل أوروبا «قوية وذات سيادة»، كما فعل سلفه. يشير هذا إلى أن شولتز لا يعتزم فقط إعطاء الأولوية للمحور الألماني الفرنسي، ولكن أيضا بذل جهود منسقة بين الاتحاد الأوروبي في التعامل مع التحديات الرئيسية مثل السياسة الخارجية والأمن والهجرة الجماعية وموارد الطاقة الجديدة وحماية الحدود والعلاقات مع دول ثالثة.
شراكة استراتيجية
وبالتأكيد ترغب فرنسا وألمانيا أكثر في تعزيز السيادة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي أو جعل أوروبا قوية في عالم متعدد الأقطاب. على سبيل المثال، في عام 2017. دعا الرئيس الفرنسي ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى العمل بشكل أوثق على الدفاع والهجرة ومن أجل ميزانية منطقة اليورو. ثم حث أقرانه على وضع الرؤية الأوروبية فوق المصالح الوطنية. وكرد على خطة ماكرون الطموحة، أشادت المستشارة الألمانية حينها بنظيرتها الفرنسية لوضعها الأساس لتعاون فرنسي ألماني «مكثف» بشأن مستقبل أوروبا. الآن مع دور فرنسا كرئيس دوري لمجلس الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من عام 2022. حان وقت الانتداب لفرنسا وألمانيا للعمل معا بطريقة بناءة أكثر.
وقلل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني الجديد أولاف شولتز مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 بمعالجة الخلافات بشأن إصلاح قواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي ومكانة الطاقة النووية في تمويل الاستثمار الأخضرـ الطاقة النظيفة، وتعهدا بالحفاظ على المحور الفرنسي الألماني قوياً. وكانت رحلة شولتز للقاء ماكرون في باريس أول زيارة خارجية يقوم بها شولتز منذ توليه منصبه يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) 2021. بعد 16 عاما من عهد المستشارة ميركل.. يقول دبلوماسيون إن التغيير يمنح ماكرون فرصة لاغتنام دور أكبر في العلاقات الفرنسية الألمانية.
التحدي الكبير الذي يواجهه المستشار الألماني شولتز هو كيف يمكن الحفاظ على الوحدة الأوروبية بعد ميركل؟ آخذين في الاعتبار أن ميركل قد نشأت في الجانب الشرقي من ألمانيا، في «أوروبا الأخرى» التي لطالما واجهت فرنسا صعوبة في فهمها والتي غالبا ما تتطلع إليها. الإشارة هنا إلى نشأة وخلفية ميركل الشخصية وذلك من أجل فهم بعض التناقضات في سياستها داخل أوروبا، مثلا سبب سعي ميركل إلى الحفاظ على علاقة بناءة مع حكومتي بولندا والمجر على الرغم من تناقضاتهما، لا سيما عندما يتعلق الأمر بسيادة القانون. كانت سياسات المجر مخالفة جدا ومشاكسة داخل الاتحاد الأوروبي، وكذلك بولندا التي كانت على حافة النظام الديكتاتوري المتمرد على الاتحاد الأوروبي وعلى محكمة العدل الأوروبية.
فإن الحفاظ على التماسك الأوروبي في أعقاب رحيل أنجيلا ميركل يعني ضمنا إعادة إطلاق ديناميكيات السوق الداخلية، لإقناع هذه الحكومات. ومن شأن المشاريع الملموسة، مثل توحيد القانون الاقتصادي الأوروبي من خلال إنشاء قانون أعمال أوروبي، أن تساعد في العمل من أجل هذا الهدف.
معاهدة آخن ـ أساس انطلاقة المحور الفرنسي اللماني
أكدت ألمانيا وفرنسا في «معاهدة آخن»، عزمهما على العمل معا من أجل اتحاد أوروبي قوي وذي سيادة ومستدام ومرن. عقب الثنائي الفرنسي الألماني ببيان يوم 18 مايو (أيار) 2020 والمقترحات الخاصة بالانتعاش الاقتصادي لأوروبا الأوروبية لقد جهز الاتحاد نفسه لاستعادة مسار تصاعدي ديناميكي. نحن مقتنعون بذلك. فقط التضامن والوحدة داخل الاتحاد الأوروبي والتعاون العالمي سوف يعزز البناء وإجابات استشرافية لتحديات عصرنا. ترحب فرنسا وألمانيا بإطلاق مؤتمر مستقبل أوروبا كوسيلة لذلك تحقيق نتائج ملموسة لصالح مواطنينا. ستواصل ألمانيا وفرنسا تعزيز تعاونهما الثنائي مع التركيز على خدمة أهداف الاتحاد الأوروبي وكذلك قيمه ومبادئه الأساسية.
الاختلافات الهيكلية تعقد تعاون فرانكو الألماني. وهذه الافتراضات الأساسية المتغيرة تثير غضب الحكومة الألمانية لأنها تتعارض مع العديد من افتراضاتها الخاصة. هذا هو الحال، على سبيل المثال، مع المرونة في الأشكال والتركيز على العمليات. إن خصائص النظام السياسي الفرنسي، المعروفة جيدا والتي برزت خلال ولاية ماكرون، تزيد من تعقيد التعاون الثنائي. بعبارة أخرى، لا يجهد المحتوى فحسب، بل عمليات صنع القرار السياسي الفرنسي أيضا، التعاون مع الشركاء. وتبقى أهم الاختلافات الثنائية هي الثقافة الاستراتيجية ودور الصناعة والتقاليد الإدارية تحت حكم ماكرون، كان العامل البارز هو القدر الكبير من السلطة التي يمنحها الدستور الفرنسي تقليديا للرئيس في تشكيل السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية، وكقائد للقوات المسلحة.
لقد فسر ماكرون هذه الأحكام الدستورية بطريقة تقليدية، بمعنى «المجال الرئاسي» الواضح والقوي. وبناءً على ذلك، فإن الواجب الرئيسي للوزارات هو تنفيذ قرارات الرئيس. كان ماكرون يدافع عن المصالح الفرنسية بشكل أكثر وضوحا وهو أكثر استعدادا للصراع من أسلافه، لا سيما فيما يتعلق بألمانيا. يميل النظام الفرنسي إلى التكيف مع قرارات الرئيس، بدلا من توجيهها. ولا يوجد ثقل موازن منهجي ولا هيئة تحكم السلطة الشاملة للرئيس.
أزمةAUKUS، هل تعود العلاقات الفرنسية الأميركية إلى مسارها؟
قال الرئيس بايدن قبل اجتماعه مع الرئيس ماكرون في روما في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021: «لا يوجد مكان في العالم لا يمكننا فيه العمل سويا والتعاون»، تؤكد هذه الكلمات القوية على التزام الولايات المتحدة بإصلاح العلاقات الثنائية المتضررة مع فرنسا، بعد أسابيع من التوترات الدبلوماسية. وصلت العلاقات الفرنسية الأميركية إلى أدنى مستوى تاريخي لها بعد الإعلان المفاجئ منتصف سبتمبر (أيلول) 2021 عن شراكة أمنية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. شعرت فرنسا بالصدمة من هذه الشراكة التي تم التفاوض عليها على حساب مصالحها في المحيطين الهندي والهادي. كان رد فعل باريس قويا لإحداث انطباع من خلال استدعاء سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا لأول مرة.
لقد جاءت بعض ردود الفعل الفرنسية والأوروبية مدفوعة بالحسابات السياسية المحلية فيما يتعلق بالمشاعر المعادية لأميركا التي لها تقليد طويل في فرنسا، لا سيما بالنظر إلى الزاوية الصناعية، التي تضر بالرئيس إيمانويل ماكرون. وسيكون صعبا على الاتحاد الأوروبي إلغاء الصفقة، كونها تضر بمصداقية فرنسا ومكانتها الدولية في مجال الصناعات أيضا- كانت صفقة AUKUS تتعلق أساسا بالصين وكانت حسابات إدارة بايدن هي إصدار إعلان جريء ومفاجئ لمفاجأة بكين على حين غرة. ويعتقد المراقبون، كان الاعتبار الأول للولايات المتحدة هنا هو عنصر المفاجأة الاستراتيجية.
ما زالت هناك مخاوف كبيرة ومتجذرة في قنوات الاستخبارات الأميركية بشأن الثقة في فرنسا بتكنولوجيا حساسة مثل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. إن مجتمع السياسة الأميركية منفتح عموما بشأن زيادة تبادل المعلومات الاستخبارية مع فرنسا، وهو أمر قوي في العديد من المجالات المهمة.
ألمانيا تقف إلى جانب فرنسا
انضمت ألمانيا إلى فرنسا يوم 21 سبتمبر 2021 في توجيه الانتقادات إلى الولايات المتحدة للتفاوض على اتفاقية أمنية سرية مع أستراليا وبريطانيا تكلف باريس صفقة دفاعية مربحة، في حين قال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي إن مثل هذا السلوك غير مقبول. وفي هذه التطورات أرجأ سفراء الاتحاد الأوروبي الاستعدادات لانعقاد مجلس التجارة والتكنولوجيا الافتتاحي في 29 سبتمبر 2021 مع الولايات المتحدة، وهو تجمع تم الترويج له باعتباره تقدما كبيرا في التحالف عبر الأطلسي.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين دفاعا عن فرنسا: «عوملت إحدى دولنا الأعضاء بطريقة غير مقبولة، لذلك نحتاج إلى معرفة ما حدث ولماذا». قال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي، إن مديرها التنفيذي في الاتحاد الأوروبي طلب إجراء مناقشات تمهيدية في الاتحاد الأوروبي بشأن مجلس التجارة والتكنولوجيا الأميركي لإلغاء جدول أعماله. وقال متحدث باسم المفوضية إن اللجنة ما زالت تحدد ما إذا كان الاجتماع الأميركي يجب أن يمضي قدما كما هو مخطط له. وقالت فرنسا إنها تقيم جميع الخيارات ردا على إلغاء أستراليا عقد غواصة بقيمة 40 مليار دولار في وقت سابق، بينما احتشدت ألمانيا، أكبر حليف لها في الاتحاد الأوروبي، قائلة إن واشنطن وكانبيرا أضرا بالثقة بين الحلفاء التي سيكون من الصعب إعادة بنائها.
الولايات المتحدة- الاتحاد الأوروبي- «الناتو»
لا شك في أنه ستكون هناك مخاوف في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الأوروبية من أن وجود اتحاد أوروبي أقوى وأكثر قوة يمكن أن يعقد العلاقات عبر الأطلسي ويقوض حلف الناتو. قد يتحول الاتحاد الأوروبي الأقوى والأكثر ثقة إلى واشنطن بدرجة أقل وقد يغضب من جهود الولايات المتحدة لقيادة التحالف أو توجيهه، مما يتسبب في زيادة توتر العلاقات عبر الأطلسي.
لكن في نهاية المطاف، سيكون وجود اتحاد أوروبي أقوى ذا فائدة لا تُحصى للولايات المتحدة، لا سيما في ظل المنافسة الجيوسياسية الحالية مع الدول الاستبدادية. مع تقوية الاتحاد الأوروبي، ستحتاج الولايات المتحدة إلى التوقف عن اعتبار الاتحاد الأوروبي أمرا مفروغا منه، وبدلا من ذلك، تركز المزيد من الطاقة الدبلوماسية على ضمان التوافق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي التوجيهي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة هو ضمان التوافق الوثيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تماما كما تعمل الولايات المتحدة لضمان التوافق الوثيق مع حلفاء المعاهدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. إن القيام بذلك سيضمن أن التقدم في دفاع الاتحاد الأوروبي لن يؤدي فقط إلى اتحاد أوروبي أقوى، بل سيؤدي أيضا إلى تحالف أقوى عبر الأطلسي.
إن تعزيز المحور الفرنسي الألماني ليس فكرة مستحدثة، ففي 22 يناير 1963 وقعت ألمانيا وفرنسا «معاهدة الإليزيه». وسطع نجم المحور الألماني الفرنسي على الساحة بالتزامن مع إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2017. وحظيت فكرة زعامة فرنسا للاتحاد الأوروبي بقبول عام عند الألمان، إذ تتفوق فرنسا عسكريا وتمتلك سلاحا نوويا بالإضافة إلى أنها عضو دائم في مجلس الأمن.
مسؤولية المحور الألماني الفرنسي
تقع اليوم مسؤولية كبيرة على فرنسا وألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي من جديد وترتيب البيت الداخلي في ضوء احتمال انفصال دول أخرى عن التكتل الأوروبي. وبات مؤكدا، أن خروج بريطانيا سوف يعزز دور ألمانيا كزعيمة للقارة، وهو الدور الذي لا ترتاح له ألمانيا أو أي دولة أخرى. نادرا ما شعرت ألمانيا بتلك الوحدة رغم وجودها وسط أوروبا. فمع خروج بريطانيا، تفقد ألمانيا شريكا مهما داخل الاتحاد الأوروبي وفي سياستها الخارجية بصفة عامة.
بعض من يعتقد، أن فرنسا، هي الدولة الأكثر ترجيحا لزعامة أوروبا بعد انسحاب بريطانيا كونها عضو دائم في مجلس الأمن، وهي الدولة التي تملك حق النقض (الفيتو)، وأيضا هي الدولة التي تمتلك السلاح النووي، لكن رغم ذلك، تقول التقديرات: إن فرنسا أيضا تحتاج ألمانيا. ألمانيا هي قاطرة أوروبا الاقتصادية فلا بد من العمل المشترك والتعاون بين فرنسا وألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي.
مستقبل المحور الفرنسي الألماني
يوفر المحور الفرنسي الألماني قوة دفع لمزيد من التكامل داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لم تقرر بروكسل بعد الاتجاه الذي تريد أن تسلكه، ولا يزال يتعين على الفرنسيين والألمان الاتفاق على موقفهما فيما يتعلق بالاقتصاد أو الشؤون الخارجية أو التوسع. يوفر السياق الجيوسياسي دعوة للعمل من أجل الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى أن يصبح «جيوسياسيا» بشكل متزايد ويهدف إلى «التحدث بلغة القوة».
تعتبر فرنسا الاتحاد الأوروبي بمثابة نقطة انطلاق لطموحاتها في السياسة الدولية، بناءً على المؤسسات العاملة التي توفر إجراءات سريعة لمواجهة التحديات التي يفرضها التنافس بين القوى العظمى من جديد. من جانبها، تعتبر ألمانيا الاتحاد الأوروبي بمثابة قاعدة موسعة لإنتاج وبيع المنتجات الألمانية، مما يساعد على تعزيز قوتها الاقتصادية والتجارية استنادا إلى سلاسل القيمة المتشابكة للشركات الألمانية.
لا مجال للشك في أن التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، والتحديات التي تطرحها روسيا وتركيا في الجوار، والتعامل مع نفوذ الصين وروسيا وتركيا في غرب البلقان، ليست سوى بعض القضايا التي يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى معالجتها. بينما ثبتت صعوبة إيجاد أرضية مشتركة في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي في بعض الأحيان، تمكنت فرنسا وألمانيا من إطلاق التحالف من أجل التعددية لمعالجة الجمود الحالي في المؤسسات الدولية ودعم النظام الدولي القائم على القواعد.