من الصعب جدا اليوم فهم ما يريده الشباب الجامعي في الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا حيث مهد حركةwoke أو «الوعي»التي بدأت تنتشر في العالم الغربي والتي إذا كان هناك إمكانية لتبسيط فلسفتها فهي جعل الفئات المهمشة عرقيا والخاضعة لسطوة الرجل الأبيض أهم قاعدة سياسية ترتكز هذه الحركة وعليه تدفع باتجاه تجريم «الرجل الأبيض الكولونيالي»على أفعال ارتكبها أجداده وإعادة الاعتبار للفئات التي همشها أو استغلها أو استعبدها. الشخص الذي يُعرّف على أنه «واع»يدفع باتجاه اعتراف الآخرين «النائمين»بعدم المساواة الاجتماعية وبممارسة الاضطهاد ضد النساء، والمثليات، والمثليين، وثنائيي الجنس والمتحولين، والأشخاص من أصل أجنبي وأبناء البلاد الأصليين واللائحة تطول.
يعتقد مناضلو تلك الحركة أن المجتمعات في جميع أنحاء العالم غير عادلة ومدّمرة في كثير من الأحيان لبعض الأقليات. فالرجل الأبيض الكولونيالي اعتاد أن يعامل الإنسان بناء على خلفيته الاجتماعية أو لون بشرته أو دينه أو إعاقته أو جنسه أو نوعه. لذا فإن معالجة التفاوتات الهيكلية من خلال إعادة الاعتبار لتلك الأقليات ستجعل العالم مكانا أفضل وأكثر أمانا، كما يقولون.
طالبت هذه الحركة مثلا بعد مقتل جورج فلويد في أميركا بإلغاء وظيفة الشرطة، كما فرضت على المجتمع اعتبار شعور الإنسان بالنسبة لهويته الجنسية أساسا لاعتبارها واعتمادها من قبل الدولة والدوائر الحكومية والشركات والجامعات والمدارس... إلخ. فبمجرد أن يعلن شخص ما عن تحول هويته الجنسية وجب على المجتمع معاملته على هذا الأساس. أما من يعترض أو ينتقد ويرفض فالويل والثبور وعظائم الأمور في انتظاره.
فالكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ صاحبة رائعة «هاري بوتر»تعرضت وعائلتها للتهديد بالقتل عندما تجرأت واعترضت على تلك الفكرة واعتبرت أن هناك سمات وفوارق بنيوية تجعل من المرأة امرأة، ومن الرجل رجلا لا يمكن للمشاعر أن تغيرها أو تمحوها. أي أن يشعر الرجل أنه امرأة هذا لا يؤهله مثلا أن يصبح واحدة.
هناك حادثة معبرة يمكن أن تفسر غرابة تلك الفكرة التي انتقدتها ج.ك. رولينغ. فقد أظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت مؤخرا اللحظة التي حطم فيها سباح متحول في جامعة بنسلفانيا، قضى ثلاث سنوات يتنافس كرجل، رقمين قياسيين في الولايات المتحدة أثناء مشاركته في إحدى المسابقات للنساء حيث أنهى السباق بفارق 38 ثانية على زميلته في الفريق.
مجددا تلك الحادثة أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة وتحدث كثيرون عن الظلم الذي لحق بالسبّاحات الآخريات اللاتي لم يملكن فرصة للنجاح بمواجهة الرجل إذ إن هناك فوارق من طبيعية جسدية بين المرأة والرجل تمنح الأخير تفوقا واضحا أقله في المجال الرياضي.
وفي المسابقات والبطولات الرياضية وهذه منذ نشأتها قامت الاتحادات المشرفة والمنظمة للنشاطات الرياضية بتقسيم المتبارين إلى فئات، عمرية وجنسية طبعا. فهناك مثلا مسابقات للرجال وأخرى للنساء وأخرى أيضا لما دون سن الثامنة عشرة.. إلخ، وذلك لكي يكون هناك عدالة بين المتنافسين وفرص نجاح متساوية بينهم. حتى مثلا في منافسات الملاكمة هناك فئات وزنية. الفكرة تكمن في أن الرابح يكافأ على موهبته ومدى تضحيته ومثابرته على التمارين. من الظلم أن نتصور وضع الملاكم الرائع محمد علي كلاي الذي كان يلعب ضمن فئة فوق الثقيل (فوق الـ91 كلغ) مع ملاكم آخر من فئة وزن الديك (52 كلغ) مثلا. إذ ذاك تنتهي لذّة المباراة ويفقد المتابع لذة المتابعة وتنعدم إذ ذاك المنافسة وتتحول إلى نوع من التهريج وتخسر الرياضة قيمتها ومعناها.
التطبيق العملي لفكرة تقبل الهويات الجنسية على نحو ما يشعر أو تشعر به صاحبها أو صاحبتها من المفيد أن تتوقف عند حدود احترامها وتقبلها من قبل أفراد المجتمع والتأكد من أنه أو أنها لن تتعرض أو يتعرض لمعاملة ظالمة نظرا إلى تلك الهوية.
الذي يحصل اليوم هو العكس تماما لمبدأ إنصاف هذه المجموعات مهما كانت (النساء، والمثليات، والمثليين، وثنائيي الجنس والمتحولين، والأشخاص من أصل أجنبي وأبناء البلاد الأصليين.. إلخ)، لأن قدرات الشخص إلى أي فئة انتمى أصبحت تأتي على حساب شعوره بالهوية التي ينتمي إليها. وهذا يؤدي إلى ظلم واضح كما حصل مع السباحات في أوهايو عندما واجهن رجلا سمح له الاتحاد الأميركي للسباحة بالمشاركة في مسابقة للنساء بمجرد أنه أعلن عن تحول هويته من رجل إلى امرأة.
الجدل القائم في الغرب حول هذا الموضوع أصبح حادا جدا لدرجة أنه بدأ يأخذ منحى عنفيا تماما كما حصل مع الكاتبة البريطانية ج.ك. رولينغ.
فما كان أصلا محاولة لإنصاف فئات المجتمع المهمّشة بدأ يتحول إلى نوع من الديكتاتورية تمارسه تلك الفئات.