نيويورك - واشنطن: جوزيف براودي وإيلي فواز
* عضو مجلس الشيوخ الجمهوري: حاولت ترتيب جلسة بين زعماء مجلس الشيوخ وأوباما وكيري لإيجاد تسوية أفضل للتشريع لكن لم أحصل على موعد للاجتماع لأسباب مجهولة
* الصحف الأميركية: قانون «جاستا» يجعل الولايات المتحدة عرضة للمقاضاة عالميًا وستصبح الأصول الأميركية في جميع أنحاء العالم عرضة للمصادرة والجنود والدبلوماسيون عرضة للاعتقال
تطور النقاش العام حول قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب بسرعة كبيرة في الأسابيع الأخيرة، حيث تحول «إسقاط حق الفيتو» إلى واقع. في صفحات الرأي المهمة في صحف مثل «وول ستريت جورنال»، و«نيويورك تايمز»، ظهرت ثلاث حجج لسياسيين وإعلاميين أميركيين ضد مشروع القانون:
أولا، أثيرت مخاوف بأن مشروع القانون سوف يمثل سابقة خطيرة، حيث يعطي ضوءا أخضر للمحاكم الأميركية بمقاضاة أي حكومة أجنبية، ومنها حتى حكومات صديقة لأميركا. كذلك سيدعو، على سبيل المثال، ضحايا الهجوم النووي في هيروشيما وناغازاكي في اليابان إلى مقاضاة الولايات المتحدة، لتسببها في قتل مئات آلاف الضحايا. أو يمكن أن يقاضي ضحايا مجزرة ماي لاي في فيتنام الولايات المتحدة أمام محكمة فيتنامية. وسوف تصبح الأصول الأميركية المنتشرة في صورة بنوك وشركات في جميع أنحاء العالم - وكذلك الجنود والدبلوماسيون الأميركيون - عرضة للمصادرة أو حتى الاعتقال. علاوة على ذلك أضافت افتتاحية «وول ستريت جورنال»، أنه «في ظل الدور الذي تؤديه أميركا في القطاع المصرفي الدولي، على سبيل المثال، أو دعمها جماعات سوريا تختلف تصرفاتها في بعض الأحيان عما كان مطلوبا منها في البداية، هل يمكن تحميل واشنطن مسؤولية قدر كبير من تمويل الإرهاب في العالم، وإن كان على سبيل الإشراف فقط؟».
براءة السعودية من أحداث سبتمبر
تعلقت الحجة الثانية، في مفاجأة لكثيرين، باعتراف أن الحكومة السعودية كمؤسسة تم إخلاء مسؤوليتها فعليا من مأساة «11 سبتمبر»، بمعنى أنه في حين تستحق الحكومة الأميركية اللوم لمقتل أعداد كبيرة من الأبرياء في هيروشيما وناغازاكي وشمال فيتنام وغيرها من المناطق من دون شك، بل ويتم الاعتراف بذلك في الولايات المتحدة ذاتها على نطاق واسع، تم إخلاء مسؤولية الحكومة السعودية كمؤسسة عن أي تورط في أحداث 11 سبتمبر. في حين أثبت القضاء الأميركي ضلوع طهران في الأحداث بتقديم مساعدات مادية ولوجيستية لمنفذي الهجوم، وكانت السعودية هدفا أساسيا لـ«القاعدة»، بل وكانت في الواقع فريسة لإرهاب «القاعدة» لعدة أعوام قبل أن تصل الظاهرة إلى السواحل الأميركية.
أما الحجة الثالثة فتدفع بأن التداعيات السياسية لمقاضاة المملكة سوف تكون كارثية على الولايات المتحدة والشرق الأوسط ككل. في الوقت الحالي، يثني المسؤولون والنخب الأميركيون بعد زيارتهم إلى المملكة وتعرفهم على «رؤية 2030» على الاتجاه الذي تسير فيه المملكة. وذكرت افتتاحية «وول ستريت جورنال»: «يظهر الموقف المعادي للسعودية في فترة يبدي فيها السعوديون التزاما أكبر بالإصلاح الداخلي وبمكافحة الإرهاب»، ويدعون إلى زيادة التعاون. في المقابل، سوف تؤدي مقاضاة الحكومة السعودية إلى إبعاد المملكة وشعبها عن الولايات المتحدة. وسوف يدفع بها إلى التقارب مع خصوم أميركا، سواء كانت روسيا أو الصين أو دول أخرى، ممن تقيم المملكة علاقات معهم على أي حال. وبالتالي سوف يكون لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب تأثير مدمر على العلاقات السعودية الأميركية لمدة جيل إن لم يكن أكثر. وأشار تقرير نشر في «نيويورك تايمز» من الرياض إلى أن هذا الاتجاه بدأ بالفعل.. ذكر التقرير أن تشريع العدالة ضد رعاة الإرهاب «قدم كل الإثباتات التي احتاج إليها كثير من السعوديين على أن التحالف الذي ارتكز عليه النظام الإقليمي منذ عقود بدأ يتهاوى، وربما يكون غير قابل للإصلاح.. وكان رد السعوديين على تمرير مشروع القانون، بعد أن صوّت كل من مجلسي الكونغرس نهاية الشهر الماضي ببطلان حق الفيتو الذي استخدمه أوباما، بمزيج من الغضب والإحباط، بينما بدأ كثيرون في التفكير في احتياج بلادهم للتكيف مع الوضع».
نخب أميركية: «جاستا» رسالة سيئة لحلفائنا
الكاتب والصحافي لي سميث من معهد هادسون قال لـ«المجلة»، إن هذا القانون هو مجرد دليل آخر على إعادة تموضع الولايات المتحدة الأميركية باتجاه إيران وضد حلفائها التقليديين.
أما جوناثان شانزر، من معهد الدفاع عن الديمقراطية، فقال: «إنها رسالة سيئة لحلفائنا من الدول العربية الذين يشعرون أن أميركا خذلتهم من خلال الاتفاق النووي الإيراني، والموقف من الأحداث في سوريا والسياسة الخارجية الشرق أوسطية العدائية تجاههم».
وكان النواب الأميركيون أسقطوا الفيتو الرئاسي الذي كان قد اعترض على قانون يجيز لضحايا اعتداءات 11 سبتمبر 2001 مقاضاة السعودية.
نتيجة التصويت كانت مفاجئة في المجلسين، إذ صوت 338 نائبا رفضا للفيتو الرئاسي مقابل 74، وهو أكثر من أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاطه. وكان مجلس الشيوخ قد رفض الفيتو بواقع 97 صوتا معارضا مقابل صوت واحد مؤيد، الأمر الذي يعني أن تشريع ما عرف بـ«العدالة ضد رعاة الإرهاب» أصبح قانونا.
الاتفاق النووي
كان البيت الأبيض تعرض سابقا لاحتمال الفيتو من المجلسين غداة عرض الاتفاق النووي الموقع من الدول الـ(5+1) وإيران. حينها قامت قيامة البيت الأبيض ولم تقعد. استدعى النواب الديمقراطيين والنواب المؤيدين لرفض الاتفاق ورص صفوف الحزب الديمقراطي، وهدد يومها بشكل دبلوماسي هيلاري كلينتون بقضية الرسائل الإلكترونية وشحن الصحافيين الموالين لسياسة البيت الأبيض، من أجل تأييد الاتفاق ومهاجمة معارضيه، وبذل مجهودا كبيرا جدا من أجل تلافي الفيتو. وكان للرئيس أوباما ما أراد. وهكذا أراد معارضو الفيتو أن تدفع المملكة السعودية ثمن انتقاداتها للاتفاق النووي الكارثي على أمن المنطقة، بل وأمن الولايات المتحدة نفسها.
ردة الفعل هذه على نية المجلسين نقض فيتو الرئيس ضد التشريع المقدم من قبل الحزبين الذي يجيز لضحايا اعتداءات سبتمبر مقاضاة السعودية لم تكن أبدا بالمستوى نفسه أو حتى الجهد الذي بذله الرئيس فيما خص الاتفاق مع إيران.
كان هناك انتقاد من البيت الأبيض لنتيجة التصويت، فأعلن جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن الأمر محرج، ولم يشهد له مثيل منذ عام 1983، في إشارة إلى آخر مرة أسقط فيها المجلس بأغلبية كاسحة فيتو الرئيس.
بعد التصويت بيوم أعرب زعماء الكونغرس من الحزبين الندم بشأن القانون الجديد المثير للجدل، وهم دعوا إلى إدخال تعديلات في القانون. البعض لام البيت الأبيض بالتصرف بشيء من الاستخفاف تجاه تهديد المجلسين باستعمال حق الفيتو ضد الرئيس.
زعيمة الأقلية
وقال رئيس مجلس النواب بول ريان إن القانون يحتاج إلى تعديل لضمان أمن القوات الأميركية في الخليج. «أود الاعتقاد بأن هناك طريقة يمكننا بها إصلاح هذا الخطاء، بحيث يمكننا التوفيق بين مصالحنا وحقوق ضحايا 11 سبتمبر».
زعيمة الأقلية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وهي واحدة من أقوى حلفاء البيت الأبيض، صوتت لصالح الفيتو الرئاسي، قالت إنها لم تتلق أي إشارة أو تتعرض لأي ضغوط من البيت الأبيض من أجل منع إسقاط الفيتو.
وقالت إن قلق الرئيس ومخاوفه من التداعيات المحتملة لهذا القانون مع حلفائنا «مشروعة»، واعترفت أنه كان من الممكن كتابة القانون بشكل مختلف يراعي مخاوف الرئيس.
مجلس الشيوخ
يقول السياسي الأميركي، مايكل مور، إن ثبوت براءة السعودية والتأكد من ضلوع إيران في أحداث سبتمبر يثير الشكوك بشأن «جاستا» ويضعه عرضة للانتقاد الحاد، وقد أكد عضو مجلس الشيوخ الجمهوري من ولاية تنيسي، بوب كروكر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، أنه حاول ترتيب لقاء قبل جلسة التصويت بين زعماء مجلس الشيوخ والرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري، من أجل إيجاد تسوية أفضل للتشريع من دون نجاح. أضاف كروكر: «لم نتمكن من الحصول على موعد للاجتماع لأسباب لا تزال مجهولة بالنسبة لي.. لم تكن هناك رغبة على الإطلاق من قبل الأطراف للجلوس حول طاولة مستديرة للنقاش».
السيناتور تشاك شومر، الذي من المتوقع أن يكون زعيم الحزب الديمقراطي العام المقبل، وهو أحد الراعين الرئيسيين للتشريع، صرح لـ«النيويوركر» أنه مستعد لتغيير القانون، لكن ليس بشكل يمكن أن يضر بعائلات 11 سبتمبر، بما أن كثيرا من العائلات هم من ناخبيه.