تعمل السلطات الأميركية على إعداد قائمة جديدة بالأشخاص والمؤسسات الذين ستتم إضافتهم إلى العقوبات المالية المفروضة على ما يسمى «حزب الله» – وفقا لقانون منع التمويل الدولي لما يسمى «حزب الله» الذي وقعه الرئيس الأميركي باراك أوباما والذي يهدد بفرض عقوبات على أي أحد يقوم بتمويل ما يسمى «حزب الله» بطريقة معتبرة.
تسببت تلك العقوبات في نزاع خطير بين ما يسمى «حزب الله» والبنك المركزي، الذي يعد أحد أعمدة الدولة اللبنانية التي تعاني من الضعف والاختلال في جوانب أخرى. ومع ذلك التزم البنك المركزي بالعقوبات.
وبعد أن طُلب من البنك البدء في تنفيذ العقوبات في وقت سابق من العام الحالي، سخر الأمين العام لما يسمى «حزب الله» حسن نصر الله من العقوبات قائلا إنها لن تؤثر على الحزب لأن تنظيمه يتلقى التمويل من إيران. وكانت تلك أول مرة يعترف فيها ما يسمى «حزب الله» علنا بأن إيران تموله، مع أنها كانت حقيقة معروفة جيدا. وأعلن نصر الله: «طالما تملك إيران المال، فنحن نملك المال. هل يمكن أن نكون أكثر شفافية من ذلك؟». وأضاف: «موازنة (حزب الله) ومعاشاته ومصاريفه من الجمهورية الإسلامية في إيران.. ومالنا المقرر لنا يصل إلينا كما وصلت لنا صواريخنا التي نهدد بها إسرائيل.. ولا يستطيع أي قانون أن يمنع وصول هذا المال إلينا».
وعلى الرغم من هذه الثقة، حذر نصر الله من فرض عقوبات على أفراد غير منتمين لما يسمى «حزب الله» في المجتمع. «هذا اعتداء على المؤسسات الخيرية وعلى الناس، نحن نرفض هذا الاعتداء ولن نسمح به. من يقول إنه حريص على الاقتصاد اللبناني، لا يجب أن يستهدف ثلث الشعب». وجاء تحذير آخر غير لفظي قبل صدور تصريحات نصر الله بأسبوعين في صورة تفجير استهدف مقر بنك بلوم في بيروت، وهو ثاني أكبر بنك في لبنان وإحدى المؤسسات المالية التي جمدت أرصدة ذات صلة بما يسمى «حزب الله».
رغم أن مسؤولي ما يسمى «حزب الله» لا يزالون ينكرون إمكانية تأثير العقوبات على اقتصاد التنظيم، فإن رسائلهم إلى القطاع المصرفي تبدو أقل هدوءا. المشكلة هي أن أموال ما يسمى «حزب الله» تأثرت بانخفاض عائدات النفط الإيرانية، وزيادة نفقاته العسكرية في المنطقة. تأتي العقوبات في فترة يبحث فيها ما يسمى «حزب الله» عن مزيد من الدعم المالي من مجتمع الأعمال التابع له، خاصة أن عليه تقليص الخدمات الاجتماعية والصحية جراء زيادة نفقاته العسكرية في سوريا.
ولكن يشعر مجتمع الأعمال بالقلق. ومع أن العقوبات لم تلحق ضررا كبيرا بذلك المجتمع بالفعل، يكفي أنها استهدفت بعض الأسماء لكي تسبب حالة من الذعر بين رجال الأعمال الشيعة في لبنان وغيره من الدول.
تعمل بعض الأسماء المستهدفة بصفة مباشرة مع ما يسمى «حزب الله»، بينما يقيم آخرون بعض المشروعات فقط مع مؤسسات تابعة للحزب. بالنسبة لكثيرين في ذلك المجتمع، أصبح التعامل مع ما يسمى «حزب الله» يمثل خطورة لأعمالهم. وهذا ما أوقع ما يسمى «حزب الله» في مأزق. سوف يستمر المال في المجيء من إيران، ونصر الله محق في ذلك، ولكن المجتمع الشيعي في لبنان اليوم أصبح مُخَيَّب الآمال وأكثر قلقا من أي وقت. بين الخسائر التي تكبدها في سوريا ونقص الخدمات وتصاعد الخطاب الطائفي، لم يعد هذا المجتمع يشعر بأنه محمي أو محظوظ كما كان بعد انتصاره «الإلهي» في عام 2006.
ظهرت بعض بوادر ذلك في اتصالات خاصة بين بعض رجال الأعمال الشيعة وسياسيين لبنانيين موالين للغرب للبحث عن وسيلة لحماية أموالهم والنأي بأنفسهم عما يسمى «حزب الله». كما حاول آخرون أن يفسخوا شراكاتهم مع ما يسمى «حزب الله». على سبيل المثال، نشرت وسائل إعلام لبنانية محلية في الشهر الماضي أنه عندما توفي رجل الأعمال الشيعي وصاحب «فينيسيا بنك» محمد عاشور في الشهر الماضي طلبت عائلته من أعضاء ما يسمى «حزب الله» عدم إرسال وفد إلى الجنازة، كما كان معتادا في تلك الحالات.
في الوقت الحالي، تعد وزارة الخزانة مزيدا من العقوبات، ويتوقع كثيرون أن تزداد العقوبات مع قدوم الإدارة الأميركية التالية. ويسعى ما يسمى «حزب الله» لتغيير اقتصاده إلى اقتصاد نقدي لا يحتاج إلى البنوك لتحويل مرتبات وإجراء عمليات شراء. صرح وزير سابق لـ«فايننشيال تايمز» في وقت سابق من هذا العام بأن ما يسمى «حزب الله» يدفع مرتبات لـ80 ألف شخص، أو 400 ألف شخص إذا تم حسبان عائلاتهم، أي نحو عُشر السكان. ويعتمد ما يسمى «حزب الله» على البنوك اللبنانية لتحويل تلك الرواتب. سوف يتسبب ذلك في بعض الإزعاج ولكن سيتم حله.
ومع ذلك، سيواجه ما يسمى «حزب الله» صعوبة في استعادة علاقاته التي يزداد تصدعها مع مجتمعه الاقتصادي.
كثير من رجال الأعمال الشيعة يجدون أن شركاتهم أهم مما يسمى «حزب الله» أو سياسة الهوية. وحتى رجال الأعمال التابعون لحركة أمل يسعون إلى قطع العلاقات مع شركائهم في ما يسمى «حزب الله» ومع ما يسمى «حزب الله» ذاته. وسوف تتوقف جميع التبرعات لمؤسسات ما يسمى «حزب الله» مثل المدارس والمستشفيات والملاجئ بالإضافة إلى مؤسسات تدفع أجورا للمقاتلين وعائلاتهم. كذلك سيوقف رجال الأعمال الشيعة العرب تبرعاتهم أيضا. وفي النهاية، العقوبات جادة ولن يرغب أحد في أن تُدرج أعماله في القائمة الأميركية.
لا يعني ذلك أن ما يسمى «حزب الله» سيفلس في فترة قريبة. سوف تسعى إيران للتأكد من استمرار وصول المال إلى ما يسمى «حزب الله». وقد تفاوضت إيران للحصول على 100 مليار دولار بموجب الاتفاق النووي الذي وُقع في الصيف الماضي. لذا ربما يحصل ما يسمى «حزب الله» على ذات المبلغ الذي يقدر بـ200 مليون دولار سنويا من إيران ولكن لن يستمر إنفاقه كما هو.
كانت موازنة ما يسمى «حزب الله» مقسمة بين الميزانية العسكرية وميزانية الخدمات، التي تقدم إلى مجتمع ما يسمى «حزب الله» والمجتمع الشيعي عامة. تحول ما يسمى «حزب الله» في الوقت الحالي إلى ميليشيا إقليمية – أو ذراع إيران العسكرية الإقليمية – ومعظم الأموال التي تأتي من إيران تذهب إلى العمليات العسكرية الإقليمية في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول، وقتما تستدعي الضرورة. معظم المؤسسات الخدمية كما هي، ولكنها أكثر تركيزا على تقديم الخدمات الأساسية للمقاتلين وعائلاتهم مثل الرعاية الصحية والتعويضات.
وبالتالي كان ما يسمى «حزب الله» يأمل في الاعتماد بصورة أكبر على التبرعات ومصادر أخرى للدخل من أجل تغطية نفقاته الأخرى. لذلك بدأ في طلب المساعدة من شيعة لبنانين أثرياء، وذلك بحسب ما ورد في تقارير إخبارية. جاء في أحد التقارير: «تشير المعلومات التي سربها عدد من هؤلاء المتمولين إلى أن مسؤولي «حزب الله» زاروهم في منازلهم وهم يحملون جداول اسمية بأبناء ضحايا الحرب من الحزب الذين سقطوا في سوريا». وكشف التقرير عن أن مسؤولي ما يسمى «حزب الله» طلبوا من هؤلاء المتمولين رعاية الأطفال من أبناء هؤلاء الضحايا وحتى من أبناء الجرحى، والتكفل بتعليمهم وكسائهم. كما ذكر التقرير أن ممثلي ما يسمى «حزب الله» قالوا أثناء زياراتهم: «إذا (كان) عندك طفل، صار عندك اثنين، وإذا (كان) عندك اثنين صاروا ثلاثة».
ما كشفه ذلك التقرير هو أن مؤيدي ما يسمى «حزب الله» الأثرياء يسربون معلومات من اجتماعاتهم الخاصة مع مسؤوليه، ربما في محاولة لإظهار التعاون مع كيانات معارضة لما يسمى «حزب الله» – مع ملاحظة أن التقرير نشر في صحيفة «المستقبل» اللبنانية الموالية للسعودية. ولكن الأهم من ذلك أن التقرير يكشف عن طلب ما يسمى «حزب الله» للتبرعات، وأنه لا يتلقاها بانتظام من متبرعين ورعاة متحمسين.
بعد أن دخلت العقوبات حيز التنفيذ، وأصبحت البنوك مستعدة لمعاقبة أي شخص على قائمة وزارة الخزانة الأميركية، لم يعد ما يسمى «حزب الله» يشعر بأنه على وفاق مع مجتمع الأعمال التابع له. ولكن ما يثير قلق ما يسمى «حزب الله» بالفعل هو أن هذا المجتمع ليس منفصلا عن المجتمع الشيعي ككل. على العكس، يمتلك هؤلاء الأشخاص الأثرياء نفوذا داخل المجتمع وأحيانا ما يؤدون دورا مهما في السياسة المحلية. وإذا نشأت توترات بين طبقة رجال الأعمال الشيعة وما يسمى «حزب الله» بسبب تلك العقوبات، ربما ينعكس ذلك سلبا على قاعدة تأييد ما يسمى «حزب الله» الشعبية.
وهذا جُل ما يثير قلق ما يسمى «حزب الله»: تأثير العقوبات غير المباشر على العلاقات بينه وبين مجتمعه.