القاهرة: وسط أجواء متوترة، ومشاهد دراماتيكية عايشها الشعب الإثيوبي خلال الصراع بين الجيش الفيدرالي، وقوات جبهة تحرير تيغراي المتحالفة مع تسع فصائل أخرى مسلحة من عرقيات مختلفة، أهمها عرقية أورومو، طالعنا الحائز على نوبل للسلام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بإعلان تسليم مهامه لنائبه، وزير الخارجية ديمقي ميكونن، وتوجهه إلى ساحة المعركة وانخراطه في قيادة عمليات القتال للقضاء على القوات المتمردة التي تواصل زحفها نحو العاصمة أديس أبابا، وفي مشهد لا يقل دراماتيكية، أعلن الجيش الإثيوبي تحرير عدة مدن استراتيجية، ودحر القوات المتمردة، وأعلنت الحكومة عودة آبي أحمد لتولي مهام منصبه من جديد، معلنا انتهاء المرحلة الأولى من العملية العسكرية ضد قوات جبهة تحرير تيغراي، وأنه لن يوقف الجيش الإثيوبي أي شيء وسيستمر في تدمير العدو بالكامل.
لكن التساؤلات تدور حول مآلات الأحداث في إثيوبيا وتأثيراتها الإقليمية حال تحقيق آبي أحمد انتصارا ساحقا، ونهائيا على عناصر جبهة تحرير تيغراي، والقوات المتحالفة معها، وإعادة توحيد إثيوبيا من جديد، بعدما أصبحت على شفا ساعات أو أيام قليلة من التفكك؟ ومدى تأثيرات ذلك على العلاقات مع دول الجوار خاصة السودان، الذي شهد مناوشات مسلحة في مناطقه الحدودية مع قوات إثيوبية مدعومة من الحكومة في منطقة الفشقة خلال الأيام القليلة الماضية، والتي استخدمت فيها المدفعية الثقيلة؟ وهل سيتطور الوضع بعد تحقيق آبي أحمد لانتصار كامل على قوات تيغراي لينتقل الصراع المسلح مع السودان من أجل السيطرة على المناطق الحدودية التي كانت تستولي عليها أديس أبابا واسترجعها الجيش السوداني؟ وهل سيسعى آبي أحمد إلى توسيع دائرة الصراع مع مصر من خلال تعنت المواقف في قضية سد النهضة، خاصة بعدما اتهمت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية السودان بتدريب عناصر من قوات تيغراي داخل الأراضي السودانية، وتلميحات بمساندة مصرية لجبهة تحرير تيغراي، وأن الانتصارات التي حققتها الجبهة كانت بمعاونة من طرف ثالث، في إشارة لمصر؟ وما هو مستقبل العلاقات بين البلدان الثلاث حال انتصار آبي أحمد؟ أم أن النصر الحاسم لن يتحقق الآن؟ خاصة أن العمليات العسكرية لا تزال تتواصل وأن الحرب سجال بين الطرفين؟ في ظل إعلان جبهة تحرير تيغراي استعادة مدينة استراتيجية كان قد استرجها الجيش الفيدرالي، وذلك دون قتال.
نهج متشدد وسياسة متعجرفة
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عمل على إظهار أن الحرب التي تشنها جبهة تحرير تيغراي ما هي إلا محاولة من القوى المعادية في الإقليم، وربما يقصد بذلك السودان ومصر، بهدف عرقلة النهضة التي تشهدها إثيوبيا خاصة على الصعيد الاقتصادي وعرقلة المشاريع التي تشكل مصدر إلهام وإجماع قومي لدى الإثيوبيين مثل مشروع سد النهضة، وهو ما أكده الكاتب، والسياسي السوداني خالد هاشم في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، لذلك فإن الانتصارات التي حققها الجيش الفيدرالي الإثيوبي مؤخرا ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي ربما تحفز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على اتباع لهجة متعجرفة، ونهج متشدد إزاء العلاقات مع مصر والسودان خاصة فيما يتعلق بقضية سد النهضة، حيث سيكون الموقف الإثيوبي أكثر تشددا وتصلبا. هذا إن جاء الجانب الإثيوبي أصلا لطاولة المفاوضات حول سد النهضة ولم ينصرف عنها كلية.
أما بالنسبة للعلاقات بين السودان ومصر من جانب وإثيوبيا من الجانب الآخر فإن هذه العلاقات حال حقق الجيش الإثيوبي الفيدرالي نصرا حاسما ونهائيا ضد قوات جبهة تحرير تيغراي فإن حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد سوف تتبع نهجا متشددا مع البلدين وإن وسع من النزاع مع السودان حول أراضي الفشقة التي تطمح ميليشيات الأمهرة في السيطرة عليها بشكل نهائي وهو أمر بالنسبة للحكومة السودانية دونه الحرب، وقد رأينا كيف أن الفريق البرهان رئيس المجلس السيادي والقائد العام للجيش السوداني قد توجه لمنطقة الفشقة في اليوم الذي تلا هجوم القوات الإثيوبية عليها وكيف أن البرهان قد أكد على عزم الجيش السوداني تحرير ما تبقى من أراضي الفشقة من أيدي ميليشيات الأمهرة المدعومة من حكومة آبي أحمد في أديس أبابا.
اشتباك سياسي وليس عسكريا
إذا انتصر آبي أحمد في الحرب الحالية في إثيوبيا والتي يخوضها ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، وقام بتركيع القوى المتمردة المختلفة في إثيوبيا فسوف يكون ذلك تقوية له ضد مصر والسودان، وسيكون الصدام مع مصر والسودان اشتباكا سياسيا وليس عسكريا، وبالتالي سوف يدعي آبي أحمد، حسب مساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»أنه يدافع عن الوطن، وسيدافع عن موقفه المتعنت من السودان ومصر، خاصة أنه يتهم السودان بمساعدة مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، وسوف تشهد العلاقات بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى مزيدا من التعنت، ومزيدا من حجز المياه أمام السد، وعدم الالتفات إلى مطالب مصر بالانخراط في المفاوضات حول سد النهضة الهادفة لوضع اتفاق قانوني ملزم لإثيوبيا.
كما أننا لا نستطيع أن نحدد موقف مصر من هذه المعطيات مسبقا، لكن آبي أحمد أساء إلى مصر، وإلى الرئيس المصري، لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي استضاف رئيس الوزراء الإثيوبي في القاهرة، وكان السيسي يعول كثيرا على تحسن العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، وذلك النهج يعتبر ضامنا لمرونة الموقف الإثيوبي تجاه مصر، ولكن فشل هذا المسعى، رغم أن هذه النظرية معمول بها في العلاقات الدولية ولكنها فشلت مع إثيوبيا بسبب التحريض الإسرائيلي والأميركي لإثيوبيا ضد مصر. ويجب أن لا نثق كثيرا في الموقف الأميركي، فالموقف الأميركي موقف مضطرب وليس حاكما تجاه آبي أحمد، بل على العكس، فالولايات المتحدة الأميركية تريد آبي أحمد، بخلاف النظرية التي تشير إلى عدم رغبة واشنطن، والاتحاد الأوروبي في استمراره في السلطة لأنه مكن الصين من الدخول للقارة الأفريقية، ولكن من الناحية النظرية فهم (واشنطن والاتحاد الأوروبي) يدينون تجاوزات آبي أحمد ضد إقليم تيغراي. أما بالنسبة للصين فالصين قد اكتسحت أفريقيا سواء رضيت واشنطن أم أبت، والصين قد نظمت قمة أفريقية في بكين حضرها 57 رئيسا أفريقيا، وهو ما يؤكد على التوغل الصيني في القارة الأفريقية.
وقال الأشعل: مصير إثيوبيا بين أمرين، إما أن تتفتت إثيوبيا، وبالتالي فسيكون أفق العلاقات مع الحكومة الجديدة بناء على الأوضاع الجديدة، وهذا هو السيناريو الأفضل بالنسبة لمصر والسودان، وإما أن ينجح آبي أحمد في هزيمة قوات جبهة تحرير تيغراي، وتوحيد إثيوبيا، وبالتالي فإن مستقبل العلاقات بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى سيكون قاتما جدا. كما أنه في حال انتصار آبي أحمد فإنه سوف يهاجم السودان عسكريا ومصر قد تضطر إلى دخول الحرب مع السودان، وهذا السيناريو قد يتحقق بنسبة كبيرة قد تتجاوز 70 في المائة، كما أنه سيمضى في بناء سد النهضة وحجب المياه وسيرفض أي اتفاق مع دولتي المصب على أي ترتيب يتعلق بالسد.
دولة منهكة.. وصراع ما زال مستمرا
وفي رؤية مغايرة قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: إن انتصار آبي أحمد في المعارك يأتي كأحد الاحتمالات، وهذا إن حدث فليس معناه أن ينتقم من مصر والسودان، لأنهما لم يتدخلا في الصراع الدائر بأي شكل من الأشكال، كما أنه لا يوجد أي دليل على ذلك وهي اتهامات كاذبة، ورد السودان على هذه الاتهامات، مؤكدا أنه ملتزم بقواعد حسن الجوار وعدم تدخله في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، كما أن السودان يسيطر الآن على كافة أراضيه الحدودية مع إثيوبيا، والتي دعاها إلى عدم إقحام السودان في صراعها الداخلي. وأن آبي أحمد، يلجأ لهذه الاتهامات كي يغطي على هزائمه الداخلية، وقد سمعنا مؤخرا عن سيطرة تيغراي مرة أخرى على إحدى المدن الاستراتيجية والحرب لا تزال مستمرة، وتيغراي ليست عرقية ضعيفة، وكانت تحكم إثيوبيا لقرابة 30 سنة، وكانت كافة القيادات في الدولة من تيغراي، كما حدث اتحاد بينهم وبين 9 فصائل إثيوبية أخرى، أي إن العمليات ما زالت مستمرة، ولكن سنفترض سيطرة آبي أحمد في النهاية وهذا معناه، أنه سيراجع مواقفه، لأن إثيوبيا في هذه الحالة ستصبح دولة منهكة اقتصاديا، وموقفه من سد النهضة لن يكون معاديا أكثر مما هو عليه الآن، رغم ادعائهم بأن مصر هي الطرف الثالث الذي يدعم تيغراي، تلميحا وليس تصريحا، وذلك عن طريق بعض الإشارات، ولا توجد أدلة على تدخل مصر أو السودان في تلك الأحداث، وإقحامهما في ذلك هو للتغطية على هزائم إثيوبيا الداخلية. وأما بالنسبة لسد النهضة فعلى آبي أحمد أن يراجع مواقفه خاصة أن المجتمع الدولي تفهم الموقف من قضية سد النهضة خاصة بعدما شرحت مصر تفاصيلها لجميع الدول، وتمسكها بالمفاوضات والتزامها بضبط النفس، وساعد على ذلك الأحداث الداخلية سواء في إثيوبيا، أو السودان، إضافة إلى وفرة فيضان هذا العام الذي تجاوز حدود المتوسط، وعدم وجود تقدم في أي أعمال من بناء السد، وهو ما أدى لهدوء الموقف المصري.
وتصعيد إثيوبيا ضد السودان ليس في صالح آبي أحمد لأنه لا يملك القوة العسكرية الكافية لمهاجمة السودان، كما أنه متأكد أن مصر لن تترك السودان وحدها، إضافة إلى أن الجيش السوداني لديه الفرصة للوصول إلى منطقة السد حال نشوب صراع مسلح، كما أن المناوشات على الحدود السودانية الإثيوبية في منطقة الفشقة هي مناوشات متكررة، وهي مناوشات حدودية، وليست حربا بين الجانبين. كما أن العلاقات المصرية السودانية خلال السنوات الماضية مرت بأحسن فتراتها، وقد رأينا توقيع اتفاقيات عسكرية بينهما، وإجراء مناورات عسكرية، ولكن السودان مر خلال الشهور الماضية بتغيير داخلي، ومصر والسودان بينهما تقارب في وجهتي النظر وتوافق شبه تام على ضرورة الوصول إلى اتفاق في قضية سد النهضة، ولكن علاقتهما بإثيوبيا سوف تفسر طبقا لما تؤول إليه الأحداث، ولا أعتقد أن آبي أحمد سيخرج من هذه الأحداث سالما فقد يقتل، أو يجبر على الاستقالة.