القاهرة: دخلت حالة التوتر العسكري والسياسي بين السودان وإثيوبيا مؤخرا حالة من السخونة والتسارع في الأحداث، بالقدر الذي تتسارع فيه نفس حالة التوتر المحلي بين الداخل الإثيوبي، وامتدت حالة الفوران إلى الحدود بين الدولتين في تصعيد إثيوبي جديد ربما يريد نقل الصراع الداخلي- الذي يصاحبه غياب في المعلومات لسير الأحداث- إلى الخارج مع الجيران السودانيين وذلك للتقليل من حالة الاحتقان التي تحولت لصراع دام بين القوى المتصارعة في الداخل الإثيوبي، وهو الوضع الذي يمكن أن يتسبب في موجات هائلة من النزوح الجماعي بدأت بوادرها بالفعل من خلال هروب عشرات الآلاف من مواطني تيغراي إلى الداخل السوداني غير المستعد لاستقبال موجات نزوح جديدة من إثيوبيا، ولم تخف جبهة تحرير تيغراي المتصارعة مع الحكومة الإثيوبية في أديس أبابا انسحابها تكتيكيا من المواقع التي احتلتها سابقا على حدود العاصمة بعد تأكيدات أديس أبابا إعادة سيطرتها على مدينة كومبولتشا شمال العاصمة، وذلك قبل أيام قليلة، وتحدثت وسائل إعلام إثيوبية عن استعادة القوات الحكومية للسيطرة على بلدتي ديسي وكوموبليتشا الاستراتجيتين واستردادهما من قوات جبهة تحرير تيغراي، والإعلان كذلك عن صد هجوم للجبهة وتحرير 4 مدن في ولاية أمهرة شمالي تيغراي وولاية عفر من المسلحين.
وتشير تقارير إعلامية عن وجود قتال مسلح على حدود إقليم عفر مع إقليمي تيغراي وأمهرة بعد دخول الجيش الإثيوبي في اشتباكات مع مقاتلي تيغراي، وقالت حكومة عفر في بيان لها إن قواتها المشتركة مع الجيش الإثيوبي استعادت جميع المناطق التي كان يسيطرعليها مسلحو تحرير تيغراي، وأن المسيرات الحربية الإثيوبية كان لها دور كبير في هذا الأمر، وتمت السيطرة أيضا على الطرق التي تربط بين عفر وتيغراي مما أحكم الأمور ضد سيطرة مقاتلي تحرير تيغراي على هذه الطرق، وأعلن متحدث الجيش الإثيوبي زوال الخطر عن العاصمة أديس أبابا والطرق الاستراتيجية المؤدية إليها.
تحذيرات متجددة
وواصلت السفارة الأميركية في أديس أبابا تحذيراتها لمواطنيها من تدهور الوضع الأمني في إثيوبيا، وطالبت رعاياها مجددا بمغادرة الأراضي الإثيوبية فورا من خلال الرحلات التجارية، وذلك بعد أن أعلنت في وقت سابق أيضا أنها لن تتمكن من مساعدة الأميركيين على المغادرة إذا توقفت الرحلات التجارية، وأن البعثات الأميركية في أديس أبابا لا تزال مفتوحة وتحت قيادة الدبلوماسية الأميركية، محذرة من أن الوضع قد يتفاقم بشكل أكبر مما سيهدد حركة السفر والتوريدات والاتصالات، وحذرت كذلك عدد من الدول الغربية من بينها أميركا وأستراليا وكندا وهولندا والمملكة المتحدة والدنمارك من خلال بيان مشترك من خشيتها وتخوفها من تفاقم الأوضاع في إثيوبيا، وأعربت عن قلقها البالغ من التقارير الأخيرة لكل من منظمة العفو الدولية واللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان عن احتجاز الحكومة الإثيوبية عددا كبيرا من المواطنين على خلفية انتمائهم العرقي، ودعا البيان الأطراف الإثيوبية جميعا وخاصة القوات المسلحة لوقف القتال وإطلاق النار دون شروط مسبقة، والتفاوض بين كل أطراف المشهد الإثيوبي، ومحاسبة كل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.
ولم يخف المراقبون قلقهم من عمليات الحشد العسكري على الحدود سواء من خلال الجيوش الرسمية أو الميليشيات والذي قاد إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة كان وقودها الشعب في الجانبين، فالجانب الإثيوبي متخم سواء من قوات الجيش الوطني الرسمي أو ميليشيات الأمهرة، وقوات الدفاع الإريترية، وفي الجانب السوداني على الحدود يوجد قوات الدعم السريع والجيش السوداني والميليشيات المحلية .
تخوف دولي
الاستنكارات الدولية لما يحدث في إثيوبيا وبالتحديد من الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد عبرت عنها الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا ومعها عدد من دول أوروبا ومن بينها المملكة المتحدة والدنمارك وهولندا بالإضافة لأستراليا وكندا، وأوضحوا قلقهم البالغ مما تقوم به أديس أبابا من اعتقالات بسبب الأصول العرقية، وطالبوا الحكومة بوقفها فورا، وفي ذات السياق أعلن مارتن جريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن تطور عمليات العنف والنزاع الطائفي الإثيوبي من الممكن أن يؤدي إلى أعمال عنف ويفكك من نسيج المجتمع الإثيوبي، وأن يقود لعمليات نزوح جماعي، مذكرا بعمليات الفوضى في مطار كابول قبل عدة أشهر، ويمكن أن يؤدي لتفاقم الوضع.
وتزامنت التصريحات والتخوفات الأممية مع تصريحات الجنرال تاديسي قائد قوات تحرير تيغراي من إستعداد قواته لهجوم كبير سيحسم المعركة مع القوات الحكومية.
مآسٍ إنسانية
ورصدت دراسة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات تتحدث عن التأثيرات الإقليمية لمخاطر حرب تيغراي في شمال إثيوبيا على السودان، رصدت فرار أكثر من 90 ألفا من التيغراي إلى السودان، وانقطاع وصول المساعدات الإنسانية لحوالي 80 في المائة من سكان المنطقة الذين يبلغ عددهم حوالي 6 ملايين نسمة، وأوضحت الدراسة وجود مخاوف كبيرة من نزوح اللاجئين للسودان والذين يقدر عددهم بالملايين من الممكن أن يتسببوا في حالة فوضى ومآسٍ إنسانية، تضاف إلى حالة الوهن الموجودة في السودان بالفعل جراء عقود من الصراعات والتوتر السياسي، وحالة الضغط التي من الممكن أن يتسبب فيها موجات جديدة من اللاجئين.
الاتهامات الإثيوبية المتواصلة للسودان بالتدخل في أزمة تيغراي ربما تؤشر لزيادة حالة التوتر التي تقودها أديس أبابا، والمستمرة حتى الآن التي بدأت شهر أغسطس (آب) الماضي بعد قيام الخرطوم باستدعاء سفيرها في إثيوبيا للتشاور ردا على الاتهامات الإثيوبية بعدم التزام الحياد في الوساطة في صراع تيغراي.
ورصدت الدراسة تفاقم أزمة الفشقة بعد طرد الجيش السوداني للميليشيات الأمهرية منها وهو ما اعتبرته إثيوبيا تصعيدا من السودان ومحاولة تغيير الواقع على الأرض، وتسبب في زيادة حالة عدم الاستقرار.
اتهامات باطلة
الاتهامات الرسمية الإثيوبية للسودان بدعم جبهة تحرير تيغراي رد عليها المحلل السياسي السوداني خالد التيجاني بأنها وفق حديثه «اتهامات ليس لها أساس من الصحة»، حيث إن الخرطوم لا تدعم الحركة الشعبية لتحرير تيغراي ضد أديس أبابا وأن السودان ليس لها مصلحة في دعم أي فصيل إثيوبي عسكريا، نافيا كذلك ما تردده السلطات الإثيوبية باحتلال السودان لأراضٍ إثيوبية، وأن ما يتردد عن إقليم الفشقة لا يجب على إثيوبيا- وفق التيجاني- أن تدعي أنها أرض إثيوبية، فهي أراضي سودانية بموجب اتفاق 1902 الذي ترفضه إثيوبيا وتزعم انها اتفاقيات استعمارية، وفي الوقت نفسه تختار ما يناسبها من هذه الاتفاقيات.
وتابع: «يجب على أديس أبابا أن تعلم أن ما يجري على أراضيها يؤثر على جيرانها، وخاصة السودان التي تدفع دائما ثمن الصراع الإثيوبي، حيث تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان نتيجة صراع تيغراي وذلك دون دعم أي من المنظمات الدولية، وتحملت الخرطوم كل هذه المصاعب الاقتصادية رغم المشكلات الموجودة لديها، مطالبا الحكومة الإثيوبية بمعالجة الأمر بحكمة لحفظ الاستقرار في بلدها»، مشيرا إلى تعقيدات الملف في رده على اتهامات إثيوبيا للخرطوم بالتأثير في موقفها من أديس أبابا بالضغوط الدولية، خاصة بعد تغير الإدارة الأميركية ومجيء إدارة بايدن والضغوط الكبيرة من الديمقراطيين على أديس أبابا، وأن الضغوط الدولية تتناسب بلا شك مع الظرف الدولي الموجود».
إعلان حرب
ويعد قرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قبل أيام قليلة بالتوجه للجبهة الشمالية الشرقية للعاصمة أديس أبابا للقتال ضد جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفائها من القوات المعارضة الأخرى بمثابة حالة إعلان حرب في إثيوبيا خاصة مع إعلانه عن قيادة الهجوم بنفسه، وهو ما رأت فيه جبهة تحرير تيغراي أنه بمثابة العودة للوراء، لـ«حرب لن يكون فيها خير» وفق المتحدث الرسمي باسم الجبهة، وبمثابة البعد عن السلام، وجاء قرار آبي أحمد بعد النجاح الذي حققته جبهة تحرير تيغراي وحلفائها في الوصول لحدود العاصمة الإثيوبية، وتهديدها سلطة آبي أحمد في السيطرة على المدن الرئيسية التي تبعد حوالي 250 كم عن العاصمة، ومن بينها مدن ديسي وكومبولتشا .
ولم تكن توقعات الحرب الأهلية الإثيوبية بعيدة عن آراء المحللين والسياسيين، وذلك بسبب ما تعانيه البلاد من خلافات حدودية بين الأقاليم وتحزب عرقي معروف بين أحد عشر إقليما تحيط أديس أبابا من كل اتجاه ومن بينها أقاليم تيغراي، وعفر، وبني شنقول في الشمال، وغامبلا في الشرق، وأوروميا في الجنوب، بالإضافة لكل من الصومالي، وداير داو، وهرر.
شرارة نزاع
وجاءت شرارة التوتر منذ البداية بعد اعتراض قادة الأقاليم على قرار الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بتأجيل الانتخابات، وقيام الحكومة بإجراء انتخابات داخلية دون الرجوع إليهم في الأقاليم، وهو ما أجج من التوترات وزاد من الاحتقان ضد الحكومة التي تم إعلان الحرب عليها من عدد من الأقاليم بقيادة قوات تحرير تيغراي التي يقودها الجنرال غبريتنساي الجنرال السابق في الجيش الإثيوبي والذي استعاد السيطرة على عاصمة تيغراي، وتنصيب حكومة جديدة في الإقليم، قبل إعلانهم عن التحالف مع جماعات المعارضة للإطاحة بحكومة أديس أبابا، ولم تكن حركة تيغراي الوحيدة في جماعات التمرد، ولكن كانت أكثرهم تنظيما، وتواجدت جماعات أخرى نبعت من التوتر والعرقية وخطابات الكراهية بين الفرقاء.
نزاعات متعددة
ولم يكن النزاع بين التيغراي المدعومة بعدد من الحلفاء والحكومة الإثيوبية هو النزاع الوحيد في الإقليم الإثيوبي، ولكن يوجد نزاع آخر بين إقليمي عفر والصومالي شمال شرقي البلاد، وذلك بهدف السيطرة على مناطق أوندوفو وأديتو وجاربا عيسى، واستغلت فصائل عفر المسلحة الوضع وقامت بالهجوم على جيرانها في جاربا عيسى تسبب في قتلى وجرحى وتهجير الآلاف من الإقليم، ولم تكن جبهة العفر أقل توترا خاصة مع محاولات تيغراي التقدم شرقا للسيطرة على الطريق البري وخط السكة الحديد بين أديس أبابا وموانئ جيبوتي الذي يشكل المعبر الرئيسي لغالبية حركة التجارة الدولية مع إثيوبيا.
مؤشر اقتصادي
قامت عدة شركات دولية مستثمرة في إثيوبيا مؤخرا بالانسحاب بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن حرمان أديس أبابا من المزايا التجارية التي تندرج ضمن قانون النمو والفرص الأفريقي وذلك بسبب اتهامات الحكومة الإثيوبية بالانتهاكات الجسيمة في حقوق الإنسان، ليتعرض الاقتصاد الإثيوبي الواعد لضربة قوية رغم المؤشرات السابقة بسرعة نموه كأحد الاقتصادات الواعدة في القارة الأفريقية، وساهم في ذلك مطالبة الدول الغربية لرعاياها بمغادرة إثيوبيا فورا نتيجة تسارع الأحداث، ودائرة العنف المرشحة للمزيد في ظل مطالبة آبي أحمد للشعب الإثيوبي بحمل السلاح والدفاع عن البلاد وهو ما يئشر أيضا لما وصلت إليه أديس أبابا من انفلات عسكري وأمني خاصة في ظل نشاط الميليشيات المسلحة والحركات العرقية المتعددة في العديد من الأقاليم الإثيوبية.