بغداد: ما زالت نتائج الانتخابات العراقية التي أجريت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 تحتل الحيز الأكبر من النقاش السياسي داخل البلاد، فالكباش السياسي الناجم عن نتائج هذه الانتخابات مع الخسارة المدوية التي مُنيت بها الميليشيات الموالية لإيران تطغى على باقي الملفات الأخرى. فالكتلة الصدرية التي حصدت 73 مقعدا من أصل 329 هي مجموع مقاعد مجلس النواب مصرّة على تشكيل حكومة «أغلبية» ممثلة بالأحزاب التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات وأن تختار بنفسها رئيس الوزراء المقبل، في حين ترفض القوى الموالية لطهران هذا الطرح وتصر على تشكيل «حكومة توافقية» وأن يكون «رئيس الوزراء القادم توافقيا، وحصص الوزراء حسب الاستحقاق الانتخابي».
وقد شكل الاجتماع الذي عقد بين السيد مقتدى الصدر وقادة قوى الإطار التنسيقي، وهو إطار يجمع القوى والمكونات الرافضة لنتائج الانتخابات، كسرا للجليد بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يعنِ تراجع الصدر عن مطالبه، فقد سارع إلى نشر تغريدة بعد اللقاء: «لا شرقية ولا غربية»، في إشارة إلى أن الحكومة المقبلة ستكون بعيدة عن التدخلات الخارجية.
مسار مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلل سياسي رعد هاشم في حديث لـ«المجلة» أن «التفاوض الذي يحدث حول موضوع تشكيل الحكومة بدأ يظهر عليه التعثر والتعقيد، إذ إن بلورة رؤية موحدة لكل مكون غير متوافرة الآن، لذا نجد أن جميع القوى السياسية تدور في نقاشات عامة ووجهات نظر متفرقة، ويُصاحب ذلك الوضع الأمني المتوتر، فضلا عن أن المحكمة الاتحادية لم تُصادق على نتائج الانتخابات بعد كل هذه الأمور لم تُحسم». وأضاف: «لذا، نحن أمام شيء من سراب وضبابية في كل المواقف، فجميع المواقف ربما تكون مرنة لكنها غير مستقرة ولا يُعتد بها لأن الأساسيات القائمة على الساحة غير مستقرة بسبب التردد والتناحر بالمواقف».
وتابع هاشم: «لا يجب أن نثق كثيرا بالقدرة على الوصول إلى حكومة أغلبية وطنية، إذ إن خيبات أمل كثيرة انتابت الشعب العراقي في تجارب سابقة تجاه هذه المسألة، وقد أدت هذه التجارب إلى ضغط إيراني أفضى إلى أن يتم تشكيل حكومة توافقية». وأشار هاشم إلى أنه «رغم ميل التيار الصدري، الفائز بالانتخابات، إلى حكومة أغلبية وطنية- سياسية إلا أنه من الصعب تحقيقها وتنفيذها للعديد من العوامل، وأبرزها أن المحاصصة التي اعتادت عليها العملية السياسية في العراق جعلت كل الأطراف ترفض وجود نظام سياسي قائم على أغلبية موالية وأقلية معارضة، بل إن النخب السياسية العراقية اعتادت على التشارك في الحكم، وباتت ثقافة المعارضة بعيدة عنها ولا يُجيدونها حتى لو أرادت القيام بذلك. أما إصرار الصدر على تحقيق هذه المسألة، فيهدف إلى أن يصل إلى أقل الخسائر، بمعنى تشكيل حكومة نصف تشاركية ونصف أغلبية سياسية».
ومن ناحيته، يرى المحلل السياسي علي البيدر في حديث لـ«المجلة» أنه «لغاية الآن هناك تعثر كبير في الوصول إلى نتائج إيجابية يمكن من خلالها أن تصل الأطراف السياسية في البلاد إلى توافقات لتشكيل الحكومة». وأضاف: «هذا الأمر ينعكس بشكل سلبي على الوقع السياسي والأمني والاقتصادي، ولا سيما أن هناك الكثير من القضايا التي تمس المواطن العراقي تحتاج إلى حكومة جديدة مثل إقرار موازنة العام المقبل. وبالتالي، فإننا لم نصل إلى مستوى معين من النجاح الذي يمكن أن نبني عليه نجاحات تتلاءم مع تطلعات العراقيين الساعية إلى الإصلاح».
مساحة الإصلاح في الحكومة الجديدة
يؤكد البيدر أن «الأهم من شكل الحكومة، سواء حكومة أغلبية أم توافقية، هو مساحة الإصلاح الذي يتواجد فيها، فالمواطن لن يجني ثمار هذه الحكومة، ما لم تكن تحتوي على مساحة واسعة من الإصلاح، ولكن حتى الآن، الكفة متعادلة لا سيما أن الإطار التنسيقي استطاع أن يحصل على نسبة مقاعد قريبة من نسبة مقاعد التيار الصدري، وهذا الأمر واجه ردّات فعل من بقية مكونات الشعب العراقي، التي تؤكد أنها لا يمكنها المضي بالتوافق مع أي طرف على مفرده، سواء التيار الصدري أم الإطار التنسيقي». وتابع البيدر: «لذا، نحن أمام خيار قادم يتمثل بتوافق البيت الشيعي على شخصية من خارج الفريقين، والأقرب لذلك في المرحلة الحالية هو الكاظمي، إذ يمكن أن يُعاد تواجده في موقع المسؤولية».
حراك أممي على خط تشكيل الحكومة
وفي سياق متصل، عقدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت لقاء مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في منزله بمنطقة الحنانة في النجف، وذلك بالتزامن مع الحراك السياسي الداخلي الذي يهدف للتخفيف من حدة الأزمة والمتمثل بلقاء الصدر مع قادة الإطار التنسيقي.
ووفقا للمعلومات، فإن بلاسخارت تبذل جهودا في سبيل إقناع الجميع بالقبول بنتائج الانتخابات، والإسراع في تشكيل الحكومة، من أجل تجنيب البلاد مخاطر الدخول في صراعات سياسية أكبر قد تسبق تشكيل الحكومة. وهذا ما ينسجم مع الدعوة التي وجهها الجانبان إلى المحكمة الاتحادية بالمصادقة على نتائج الانتخابات من «دون تأخير غير مناسب».
وأعربت بلاسخارت عن تهانيها لـ«الكتلة الصدرية بفوزها في الانتخابات البرلمانية» مؤكدة أن «الحملة الانتخابية للصدريين كانت ناجحة وأن الانتخابات الديمقراطية من طبيعتها أن تفرز خاسرا وفائزا وهذا هو المعنى الحقيقي لها».. ولفتت الممثلة الأممية إلى أن «المساعدة الفنية التي قدمتها الأمم المتحدة كانت بطلب من المرجعية ومن الصدر والحكومة العراقية وعدة أطراف سياسية أخرى». كما اعتبرت أن «إدارة الانتخابات من قبل المفوضية كانت إدارة جيدة وناجحة من الناحية الفنية».
حظوظ الكاظمي
أمام هذا الواقع السياسي، هل يمكن أن يكون الكاظمي الشخصية التي تتولى رئاسة الحكومة مجدداً؟ يُجيب البيدر: «وفقا لهذه المعطيات والظروف، وإن لم تحدث أي متغيرات كبيرة، فالكاظمي هو الأقرب لتولي مسؤولية إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، رغم اعتراض بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي التي يمكن منحها بعض المواقع، وربما يتطلب الأمر استحداث وزارات، كما أن الكاظمي قد يكون مرشح الجميع وخيارهم لرئاسة الحكومة».
أما رعد فيرى أنه «إذا ما أثمرت المفاوضات والحوارات واللقاءات الحالية عن حكومة أغلبية وطنية، فأعتقد أن السيد الصدر ميال إلى أن يُجدد للسيد الكاظمي، مع الإشارة إلى الدعم الدولي الذي يلقاه الأخير». وأضاف: «كما أن هذا النوع من الحكومات يعتبر تجربة ديمقراطية ناجحة، وإذا ما تم الوصول إليها، فسينجم عنه انهزام لقوى الإطار التنسيقي التي ستنهار وستتراجع، وبذلك تكون حظوظ الكاظمي أكبر. أما إذا جرى ضغط خارجي من أجل الوصول إلى حكومة تشاركية، فإن فرص وحظوظ الكاظمي تكون منخفضة. وأعتقد أن الضغط الدولي سيكون له دور كبير في التجديد للكاظمي، وربما المرجعية تغمز باتجاه التجديد له للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني».
إذن، يبدو أن ملف تشكيل الحكومة العراقية ما زال يحتاج إلى الكثير من تذليل العقبات للوصول إلى برّ الأمان، وفي ظل تمسك الصدر بتشكيل حكومة أغلبية وإصرار الإطار التنسيقي على حكومة توافقية، فإن حظوظ الكاظمي بترؤس الحكومة مجددا تتأرجح صعودا وهبوطا بحسب المعطيات والحوارات التي تجري. يبقى أن المواطن العراقي يبحث في أي حكومة ستُشكل عن قدرتها على تحقيق الإصلاحات والاستقرار اللذين يطمح إليهما.