نقلة نوعية ابتكارية في قطاع التجزئة.. تطبيقات خدمة التسوق الافتراضي في السعودية

نقلة نوعية ابتكارية في قطاع التجزئة.. تطبيقات خدمة التسوق الافتراضي في السعودية

[caption id="attachment_55255495" align="aligncenter" width="940"]- تطبيق «IKEA» أثناء تجربة وضع قطعة أثاث افتراضية في غرفة حقيقية - تطبيق «IKEA» أثناء تجربة وضع قطعة أثاث افتراضية في غرفة حقيقية[/caption]

جدة: معتصم الفلو

لحظة مزعجة هي تلك التي يصل فيها صندوق الأحذية أو الملابس أو حتى خزانة ملابس الأطفال التي طلبتها من أحد المتاجر الإلكترونية؛ لتجد أن شكل الحذاء أعجبك وقت الشراء، لكنه لا يناسب ذوقك وقت ارتدائه أو أن مقاس القميص أكبر من حجم جسمك أو أن خزانة الملابس تبدو باهتة، وليس كما تخيلتها «إضافة» لطيفة إلى باقة الأثاث تسعد بها أطفالك في غرفتهم!
كل خيبات الأمل تلك تعرض لها شخص منا مرة واحدة على الأقل في حياته، وقد يكون مصير القطع المشتراة، إما تخزينها في إحدى زوايا البيت المهملة أو إهداؤها لأحد ما أو الدخول في رحلة الإعادة أو الاستبدال.
ماذا لو ابتعدنا عن تلك اللحظات غير السعيدة، وفكرنا في تجارب أكثر ابتكارًا للتسوق؟ مثلاً، الذهاب إلى وكالة السيارات وتحديد نوع السيارة المرغوبة، ثم رؤيتها بكل «الألوان» المتاحة بينما تسير على طرقات حقيقية والتحكم في مسارها وكأنها لعبة فيديو؛ دون الحاجة إلى مغادرة الصالة واختيار اللون الأجمل بالنسبة لك من بين 10 ألوان متوفرة لتك السيارة.

وقد يقفز الخيال بنا إلى رؤية رفوف افتراضية وبضائع افتراضية ثلاثية الأبعاد في إحدى الساحات العامة وإتمام عملية الشراء والدفع إلكترونيًا، وتسلم المشتريات لاحقًا!
لأجل تفادي خيبات الأمل ومنح المتسوق تجربة أكثر إمتاعًا، بدأت بعض شركات قطاع التجزئة في توظيف تقنية «الواقع المدمج» أو «الواقع المعزز» (Augmented Reality). صحيح أن هذه التقنية لها تطبيقات كثيرة، عسكرية وترفيهية وعلمية، إلا أن تطبيقاتها في قطاع التجزئة آخذة في الاتساع. وقد تأخذ تلك التطبيقات بعض الوقت حتى تصل إلى العالم العربي، إلا أنها بدأت بالتسلل تدريجيًا ريثما تجد بنيتها التحتية الملائمة واستساغة المتسوقين لها.


ما هو «الواقع المدمج»؟




يقول الباحث في تقنية الواقع المدمج والأستاذ في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان المصرية الدكتور رامي قناوي في حديث إلى «المجلة»: «هناك عدة تعريفات علمية للواقع المدمج، لعل أشملها إثراء وتعزيز الواقع الحقيقي بمجموعة من العناصر الافتراضية التي يتم دمجها معه. وتضم تلك العناصر، مجتمعة أو بعضًا منها، الصوت والصورة والأجسام والمعلومات الرقمية، إذ إنها تستند على تطوير وتحديث الواقع مع إضافة المزيد من الخصائص الافتراضية له، وخلق حالة تفاعلية بين المستخدم والعناصر الافتراضية المضافة، التي تواكب وتتأثر بالتغيرات الحقيقية للبيئة الحقيقية ضمن الوقت الحقيقي، أي في اللحظة ذاتها بالضبط».
ويضيف أن هناك تعريفًا مبسطًا للواقع المدمج هو «التوسع في الواقع الموجود أمامنا عن طريق إضافة طبقات من المعلومات التي ولدت عن طريق الكومبيوتر إلى البيئة الحقيقية».
أما بدايات الواقع المدمج فتعود إلى عام 1968 مع عالم الكومبيوتر الأميركي إيفان سيزرلاند الذي صمم خوذة للرأس برؤية ثلاثية الأبعاد. أما عالم الطيران في شركة بوينغ الأميركية توم كودل، فهو أول من صاغ مصطلح «Augmented Reality» (الواقع المدمج) عام 1990. واستمر تطوير التقنية لأغراض عسكرية وفضائية. وأثناء العقد الأول للألفية الثالثة، بدأت تظهر التطبيقات التجارية لتلك التقنية شيئا فشيئًا حتى جاء عام 2014 الذي أطلقت فيه شركات غوغل وتوشيبا وغيرها نظارات ثلاثية الأبعاد توظف الواقع المدمج لأغراض الطب والأبحاث والترفيه.
وبحسب موقع «digi - capital.com»، فإن الأموال المستثمرة في تطوير تقنيتي الواقع المدمج والافتراضي تبلغ نحو 1.1 مليار دولار فقط في الشهرين الأولين من العام الحالي، وهي مؤهلة لتحقيق طفرة هائلة، وصولاً إلى 120 مليار دولار بحلول 2020.


تطبيقات عملية




لعل أحد أهم التطبيقات التي تقدمها تقنية الواقع المدمج هي تحويل شراء الملابس أو الأحذية عبر الإنترنت إلى تجربة أشبه بالحقيقة أو توفير الوقت اللازم لاستبدال الملابس وتغييرها أثناء الوجود الفعلي في المتاجر.
ومثال ذلك شركة «FXGear» الكورية التي تنتج غرف تبديل ملابس باسم «FXMirror»، ولكنها لا تشبه الغرف العادية، فهي شاشة ذكية تثبت على أحد جدران المتجر، يقف أمامها الزبون، ثم يختار بكفه قطعة الملابس التي يريد تجربتها، ولونها ومقاسها؛ ليشاهد الزبون بعدها نفسه مرتديًا تلك القطعة، دون أن يرتديها بالفعل، إلى أن يقع اختياره على الملابس التي يود شراءها.


[caption id="attachment_55255494" align="alignleft" width="247"]د. رامي قناوي د. رامي قناوي[/caption]

وفي سياق مشابه، طورت شركة eBay تطبيقًا للهاتف الذكي تحت اسم «eBay Fashion»، يمكن المشتري من تجربة باقة من النظارات الشمسية عبر الهاتف الذكي واختيار أنسبها وإتمام عملية الشراء؛ دون زيارة أي متجر.
أما شركة «Sally Hansen» المصنّعة لمنتجات العناية بالأظافر في الولايات المتحدة، فقد أنتجت تطبيق «Mani Match» الذي يمكّن الزبونات من تجربة أكثر من 200 درجة لون على أظافرهن قبل الشراء، حيث تصور الزبونة أصابع اليد من خلال الهاتف الذكي وتضع طلاء الأظافر افتراضيًا بكل سهولة. كما أن التطبيق يقدم اقتراحات للألوان التي تلائم لون بشرة اليد؛ بما يتلاءم مع طبيعة وحساسية الجلد ولونه.
كما قامت شركتا «Volvo» و«Audi» بإطلاق تطبيقين، كل على حدة وليس بالتزامن، يتيحان للعملاء استعراض السيارات الموجودة في المعارض من خلال الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية، ورؤيتها بألوان مختلفة مع التفاصيل الأخرى التي يمكن تغييرها واختيارها مثل ألوان الصالون الداخلي والإطارات. وكل ذلك ضمن قوائم خيارات تفاعلية، يسهل التعامل معها، مما يجعل قرار الشراء أكثر ثباتًا.


فوائد لقطاع التجزئة




يشرح الدكتور قناوي فوائد الواقع المدمج بالنسبة لقطاع التجزئة، ويقسمها إلى شقين:
الأول متعلق بالمستهلك الذي سيتمكن من خدمة نفسه في جو من المرح وبطريقة تفاعلية، الأمر الذي يساعد على اتخاذ قرار الشراء بشكل أسرع وأكثر ثقة، وبالتالي الحد من معدلات الاسترجاع بالنسبة للمنتجات.
والثاني متعلق بالمتجر نفسه، إذ يشمل ذلك توفير مساحات التخزين بالمتجر والكثير من التجهيزات الخاصة بعرض المنتجات، إلى جانب تخفيف وقت وعدد موظفي المبيعات المسؤولين عن شرح خصائص المنتج.
أما الفوائد الأمنية، فتتمثل في التقليل من مخاطر تضرر أو نشل المنتجات في غرف قياس الملابس مثلاً. كما أن دقة اختيار المستهلك ودخوله في تجربة ممتعة، يزيد من نسب المبيعات بشكل تلقائي.


1000 متجر في ليلة واحدة!



قبل 3 أعوام تقريبًا، أطلقت شركة صينية تعمل في مجال تجارة التجزئة الإلكترونية تعرف باسم «Yihaodian» 1000 متجر «افتراضي» بين عشية وضحاها، فيما تبلغ مساحة المتجر الافتراضي الواحد 1200 متر مربع. وتقع تلك المتاجر في المساحات الفارغة من المدينة في أشهر أنحاء الصين، وأحيانًا في مواقف السيارات المقابلة لمنافسيهم. هذه المتاجر ليس لها أي مبنى أو رفوف أو مستودعات، إنما هي متاجر افتراضية تعتمد على استخدام تطبيق يوظف تقنية الواقع المدمج، يعمل على الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية. يقوم المستخدم بتشغيل التطبيق وتحديد أقرب فرع «افتراضي» والنظر إلى شاشة جهازه لرؤية الموقع والدخول إليه والتجول في متجر افتراضي والتسوق بين آلاف من المنتجات المختلفة، والتي يتم توصيلها مباشرة إلى المنزل بمجرد طلب الشراء.
ويقول رئيس مجلس إدارة «Yihaodian» يو غانغ إن المستفيد الأول من تلك المتاجر الافتراضية هو العميل؛ لأن توفير تكاليف الإيجار والموظفين والطاقة سوف ينعكس على سعر المنتجات، إضافة إلى المتعة التي يشعر بها العميل أثناء عملية التسوق كما لو أنه داخل لعبة افتراضية.


ماذا عن السعودية؟




أطلقت إحدى شركات الأثاث السويدية العاملة في المملكة «IKEA» تطبيقها على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، الذي يتيح اختيار أي قطعة أثاث مدرجة في التطبيق، وهي نفسها الموجودة في المتجر، ووضعها في إحدى غرف المنزل بكل تفاصيلها، ومعاينتها جيدًا وتحديد مدى ملاءمتها للون الجدران وبقية الأثاث أو حتى فرش الغرفة من الصفر.
كما تتيح عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، بجامعة الملك عبد العزيز في جدة تطبيقًا باسم «Aurasma»، وهو دليل إرشادي لخدمة الطالب الجامعي يوظف تقنية الواقع المدمج، إلا أن ذلك لا يقع ضمن النطاق التجاري لتلك التقنية.
وفي ظل اكتساح تقنية الواقع المدمج لقطاع التجزئة في الغرب وحتى الصين واليابان، يتساءل الدكتور قناوي عن سر تقصير وكلاء العلامات التجارية الغربية في السعودية والعالم العربي، بشكل عام، في نشر هذه التقنية وتعميمها، سيما أن البنية التحتية، التي تشمل الإنترنت عالي السرعة وشيوع استخدام الأجهزة الذكية، متوفرة ومتفوقة في كثير من الأحيان على كثير من دول العالم.
font change