هل ستكون الأقوال متبوعة بأفعال؟

هل ستكون الأقوال متبوعة بأفعال؟

[escenic_image id="555952"]

الرياض - عقد الزعيمان إجتماعاً مغلقاً مدته ثلاث ساعات وتم تبادل الهدايا، حيث أهدى الملك ميدالية ذهبية للرئيس الشاب، وأهدى الرئيس آيات قرآنية ذات خط أنيقة للملك المخضرم.

ولكن قد تكمن أهم هدية نتجت عن اللقاء بين العاهل السعودي "الملك عبد الله بن عبد العزيز" والرئيس الأمريكي "باراك أوباما" فيما يوحي به اللقاء بشأن المستقبل.

فمن جانب، أتى حديثهما الطويل في مزرعة الملك بالصحراء عشية خطاب أوباما للعالم الإسلامي في القاهرة كرد على أحد الإنتقادات

الرئيسية للخطاب الرئاسي: إنها عبارات رائعة حقا ولكن أين تغيير السياسة؟

وعلى النقيض من الإدارة الأميركية السابقة، يبدو فريق أوباما وكأنه يقول إنه يريد شراكة جادة مع المملكة العربية السعودية في جهودها الرامية إلى حل القضايا ذات الإهتمام المشترك. وفي الرياض، قيل إن الزعيمين بحثا القضايا التالية: طموحات إيران النووية،

 وتمرد طالبان في أفغانستان وباكستان، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

والأمر الأخير هو الأكثر أهمية لصانعي السياسة السعودية، فهم مثل إدارة أوباما يعتقدون أن حل هذا الصراع سواء عاجلاً أم آجلاً سوف يساعد على إحباط خطط إيران التوسعية في العالم العربي وسوف يخمد هذا الأمر خطاب طهران العدائي تجاه إسرائيل، وبالتالي

يزيل حيلة الإلهاء الذي تستخدمها إسرائيل لتهرب من محادثات السلام مع الفلسطينيين.

لقد قال أحد المراقبين الأجانب الذي فضل عدم الكشف عن هويته ليتمكن من التحدث بحرية: "يشعر كلا الجانبان بالحاجة للتعجيل والفرق الحقيقي عن فترة بوش هو أن إدارة أوباما تعتمد على الحكومة السعودية لإبداء المشورة عن الجانب العربي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

وصرحت إدارة أوباما أيضاً أن خطة السلام العربية التي إقترحتها المملكة العربية السعودية _وأيدتها 22 دولة هم جميع أعضاء الجامعة العربية في عام 2002 _ هي إطار جيد لإستئناف المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، وقد أبرز الرئيس في إختلاف آخر عن الإدارات الأمريكية السابقة الصلة بوضوح بين حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وتعزيز الأمن القومي الأمريكي.

وإذا واصلت الإدارة هذا النهج فسوف تعزز مصداقية الولايات المتحدة التي رفض العرب لوقت طويل أن تقوم بدور الوسيط النزيه في المفاوضات لكون واشنطن شديدة التأييد لإسرائيل. وقد يرى البعض أن هذا الخطوات المبكرة من إدارة أوباما هي مجرد تغيير في الأسلوب، وهم يقولون إنه حتى الآن قد أعاد سياسات الولايات المتحدة إلى ما قبل عصر بوش فقط.

هذا صحيح، ولكن الإسلوب المختلف الذي يتم إتباعه قد يؤدي بمضي الوقت إلى شيء جديد وهذا ما سوف يرقبه العالم العربي، والذي تفاعل مع خطاب أوباما في القاهرة بقدر عالٍ من التشكك ولكي يحافظ على منهجه الحالي، سوف يحتاج الرئيس الجديد للدعم من جهة الرياض في المقام الأول، وهذا الأمر يطرح السؤال التالي: هل سيرقون إلى مستوى المسئولية حتى إذا كان الأمر ينطوي على بعض المخاطر؟

وأعلن القادة والمعلقون العرب رفضهم محاولات الإدارة الأمريكية تعديل خطة السلام العربية لإعطاء إسرائيل بعض "الحوافز" لكسب تعاونها من أجل إستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في سبيل تحقيق السلام.

وإذا كان الملك عبد الله – وهو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي أُشير إليه بالاسم خلال خطاب أوباما الذي استغرق 50 دقيقة – أكثر تقبلاً لهذا الطلب الأمريكي خلال محادثاته الخاصة مع الرئيس، فإن هذا الأمر لم يُكشف عنه بعد.

و ليس من المرجح أن تخطو السعودية أي خطوة في هذا الإتجاه إلا بعدما تستشعر الرياض إستجابة حقيقية وإيجابية من جانب إسرائيل لمطالب الولايات المتحدة بوقف توسيع المستوطنات وتخفيف القيود المفروضة على الفلسطينيين، ولكن هل سيتحرك السعوديين في الوقت المناسب لمساعدة الرئيس الأمريكي في تنفيذ مبادرته التي ما زالت تفاصيلها تتكشف يوما بعد يوم؟

و يدرك بعض المعلقين جيداً مدى الحاجة إلى مساعدة عربية حيث كتبت السيدة "راغدة درغام" التي تعمل كصحفية بجريدة الحياة أنه "لكي تنجح جهود أوباما التي تتمتع بدعم غير مسبوق من كبار شخصيات الكونغرس الأميركي ومن قيادات يهودية ذات أهمية، من الضروري للعرب والمسلمين التوقف عن أنماط «المطالبة» للتفكير إستراتيجياً في كيفية تقديم «المساعدة» حتى وإن قامت إسرائيل بإفشال جهوده، فليكن إفشال الرئيس الأميركي إسرائيليا وليس عربياً".

و قال المعلق السياسي السعودي"حسن ياسين": الكرة الآن في ملعبنا وعلينا أن نعد أنفسنا لمتابعة ما يحدث على أرض الواقع حيث يجب أن نبدى إستعدادنا لتنفيذ الخطوات التي تم الاتفاق عليها من أجل السلام.

ومن المؤكد أن خطاب أوباما قد أثبت أنه خلافاً لسلفه، يعي تماماً ما يقوله فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب فقد لاحظ الكثيرون أن الرئيس لم يلفظ كلمة الإرهاب و لو مرة واحدة خلال الخطاب الذي ألقاه في القاهرة، فهو يعلم جيداً أن نتائج العمليات العسكرية تكون محدودة في مثل هذه الحروب، وأن النصر لا يتحقق في نهاية المطاف إلا من خلال الأفكار والسياسات الخارجية السليمة. إنه يدرك أن الترويج لسياسات تفتقر إلى الشعبية من خلال "الدبلوماسية العامة" هو نوع من أنواع التحايل، لن يؤدى في النهاية إلى كسب الحرب.

ولكن على الجانب الآخر تتعرض قناعات الرئيس الأمريكي للإختبار في باكستان وأفغانستان حيث إلتزم أوباما بإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى هذه الدول معرضاً الولايات المتحدة لمخاطر السقوط في مستنقع جديد على غرار مستنقع حرب فيتنام. وثمة خطر آخر للآمال الكبيرة التي أثارها خطاب أوباما والذي يتعلق بإحتمال خسارة الرهان الذي وضعته إدارته على إيران، فهل ستستجيب القيادة الإيرانية ليد أوباما الممدودة بغصن الزيتون؟ وإذا استجابت، فهل ستقدم ما يكفي من التنازلات لفتح الـ"صفحة جديدة"

التي يرغب الرئيس الأميركي في أن تفتحها بلادة مع العالم الإسلامي؟

ومن المفارقات العجيبة أن السعوديين والإسرائيليين لهما توقعات مماثلة في هذا المجال، فكل منهما يعتقد أن إيران ستخيب آمال واشنطن برفضها التوقف عن تمويل برنامجها النووي الحالي، الذي يراه الكثيرون محاولة من جانب إيران لإمتلاك السلاح النووي.

و كانت قضية العراق أحد القضايا التي قيل أن العاهل السعودي والرئيس الأمريكي إختلفا بشأنها فقد حثت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة الرياض على بذل المزيد من الجهود للمساعدة في إعادة العراق إلى حظيرة الدول العربية و دعم حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حيث ترغب واشنطون في أن يكون هناك سفيراً سعودياً في بغداد و علاقات ودية مع المالكي و أن تقوم المملكة العربية السعودية بإلغاء بعض ديون العراق للمملكة والتي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.

لكن الرياض ترفض أن تقدم تنازلات في هذا الجانب لأنها لا تزال تتشكك في إرتباط المالكي بطهران، ولم تستوعب المملكة العربية السعودية ذات الأغلبية السنية استيعاباً كاملاً حقيقة جديدة من حقائق الحياة في العالم العربي مفادها أن حكم الأقلية السنية في العراق قد انتهى وحل محله حكم الغالبية الشيعية.

وسواء كان خطاب أوباما يمثل حقبة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي أو كان مجرد حدث رمزي آخر لن يكون له أي نتائج ملموسة على أرض الواقع ذلك سؤال يحتاج إلى وقت كي نجد له جواباً. وكما ذكر عصام الريان وهو مسئول رفيع في حركة الإخوان المسلمين المصرية قائلاً: "لقد كان خطاباً مؤثراً لكن العبرة بالأفعال".

كاريل ميرفى - فائزة بجائزة بوليتزر للصحافة عام 1991، وصحفية مستقلة تعمل في الرياض، ومؤلفة كتاب "الشغف بالإسلام".

font change